في وقت أحصت وزارة الصحة الفلسطينية بغزة مقتل أكثر من 700 جراء هجمات إسرائيلية وقعت خلال 24 ساعة، ووصفت بالأسوأ منذ بدء القتال في 7 أكتوبر الماضي بين الدولة العبرية و«حماس»، أقرّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ليل السبت ـ الأحد، بوجود «خلافات مع الولايات المتحدة، وضغوط دولية متزايدة» عليه لوقف الحرب، متعهداً بمواصلة المعركة البريّة، التي تسببت إلى جانب القصف الجوي المكثف بمقتل أكثر من 16 ألفاً ونزوح 80 بالمئة من سكان المنطقة الفلسطينية المكتظة بـ 2.3 مليون نسمة، ومتعهّداً بعدم «الخضوع للضغوط» الرامية لوقف العملية التي تهدد بتوسّع النزاع إقليمياً ونقل الاضطرابات لدول الجوار.

وأعرب نتنياهو، خلال مؤتمره الصحافي الأول منذ انتهاء الهدنة في غزة، الجمعة الماضية، عن ترحيبه بدعم الولايات المتحدة لتل أبيب، مشيراً إلى أن «واشنطن تدعم بعض أهداف الحرب، 2 منها بشكل مؤكد»، وذلك في إشارة واضحة إلى الخلافات مع الإدارة الأميركية فيما يتعلّق بإدارة القطاع الخاضع لسيطرة «حماس» في مرحلة ما بعد الحرب، إذ تريد الولايات المتحدة رؤية السلطة الفلسطينية تتحمّل مسؤولية المنطقة، في حين يرفض الائتلاف الحاكم بالدولة العبرية ذلك.

Ad

وفي حديثه خلال المؤتمر الذي عقده بمقر قيادة الجيش في تل أبيب، اتهم نتنياهو السلطة الفلسطينية في رام الله بـ «تعزيز الإرهاب وتمويله»، ووصف إنشاءها بأنه «خطأ فادح».

كما اعترف بوجود اختلافات في الرأي مع واشنطن بشأن كيفية تحقيق الأهداف التي تتضمن القضاء على «حماس» عسكرياً وسلطوياً، لكنّه قال إن الحليفين قد تمكّنا من التغلّب عليها بشكل كبير، مشيراً إلى وجود بعض الخلافات المتعلقة بالمسائل الإنسانية.

وتابع: «في نهاية المطاف هذه حربنا، ويجب علينا نحن أن نتخذ القرارات، فنحن نحاول إقناع أصدقائنا الأميركيين وننجح في الأمر في كثير من الأحيان، وآمل وأعتقد أن هذا ما سيحدث في المستقبل».

واستطرد قائلاً: «لن نتوقف حتى ننتصر على حركة حماس، لذلك سنواصل القتال، فقد أصدرت أنا وحكومة الحرب تعليمات لتوسيع العمليات العسكرية، حيث دمّرنا أخيراً الكثير من المواقع العسكرية، وقضينا على مقاتلين وبنى تحتية تابعة لهم».

وأردف: «أقول لأصدقائنا في العالم، أنتم شركاؤنا في تحقيق أهداف القضاء على حماس واستعادة أسرانا، ولا يمكن تحقيق هذه الأهداف إلا بالانتصار، ولا يمكن ذلك إلا باستمرار العملية العسكرية البرية».

ولفت إلى أن إسرائيل «تعمل في الشمال على صدّ كل محاولات حزب الله اللبناني، كما تقوم بالقضاء على الخلايا الإرهابية، وتقصف البنى التحتية العسكرية ومخازن السلاح».

وحذّر نتنياهو من أنه «في حال ارتكب حزب الله خطأ، ودخل في حرب واسعة، فإنه سيخرب لبنان بيديه»، واصفاً الحرب بـ «الصعبة والعادلة».

وذكر أن إسرائيل «عملت على تجنيد المجتمع الدولي من أجل تعزيز العملية العسكرية وتوسيعها»، لكنّه أضاف: «الضغوط الدولية تتزايد علينا، لكن لن نخضع لها».

تقليص غزة

وفي وقت تبدو كل الاحتمالات مفتوحة بشأن تطور الأزمة، كشفت صحيفة إسرائيل اليوم العبرية، عن طلب تقدّم به نتنياهو إلى وزير الشؤون الاستراتيجية، عضو مجلس الحرب، رون ديرمر، لإعداد خطة تهدف إلى تقليص كثافة السكان في غزة إلى أكبر قدر ممكن بعد العدوان الوحشي الجاري على القطاع.

ولفتت الصحيفة إلى أن الخطة التي يقوم بصياغتها الوزير المنتمي إلى «ليكود»، لم تطرح للنقاش في المؤسسات والمحافل الرسمية، بسبب حساسيتها، وقالت الصحيفة إنها تتوقع أن تواجه مقاومة من جانب إدارة الرئيس الأميركي، ورفضاً واسعاً باعتبارها «أمراً غير واقعي، وخيالاً».

لكنّها أوضحت أن الخطة قد تحظى بدعم وزراء «ليكود»، وحزب القوة اليهودية الذي يتزعمه الوزير المتطرف إيتمار بن غفير، وحركة الصهيونية الدينية التي يتزعمها الوزير المتطرف بتسلائيل سموتريتش.

ورغم أن الخطة ستواجَه برفض دولي، وربما عسكري إسرائيلي، وفق الصحيفة، فإن نتنياهو يرى تطبيقها هدفاً استراتيجياً لحكومته.

احتجاجات ومقترحات

وجاءت تلك التطورات في وقت شهدت مدينة تل أبيب تظاهرات جديدة حاشدة تطالب الائتلاف اليميني الحاكم، بتحرير بقية المحتجزين لدى «حماس» بعد صفقة التبادل التي نجحت في إخراج نحو 103 من غزة، بينهم 86 إسرائيلياً، مقابل إطلاق سراح 276 فلسطينياً معظمهم من النساء والأطفال.

وفي حين عادت ضغوط الشارع على الائتلاف الإسرائيلي الحاكم لدفعه نحو إبرام صفقة جديدة بهدف تحرير نحو 137 محتجزاً أغلبهم من العسكريين لدى «حماس»، شدد رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية (الموساد)، ديفيد برنياع، على أنه لا وقت لدى إسرائيل بتاتاً لتحمّل ما وصفها بـ «ألاعيب» الحركة الفلسطينية.

وغداة انسحابه وفريق التفاوض من الدوحة، وإعلانه تعثّر جهود تمديد الهدنة الإنسانية التي سرت الجمعة قبل الماضية، وسمحت بتبادل المحتجزين بوساطة قطرية - مصرية وتنسيق أميركي، جدّد برنياع اتهامه لـ «حماس» بعدم الالتزام بإعادة كل الأسرى المحتجزين الذين تم الاتفاق بشأنهم.

وفي المقابل، قال نائب رئيس المكتب السياسي لـ «حماس» صالح العاروري: «لا تبادل للأسرى حتى انتهاء العدوان الإسرائيلي على غزة، ووقف إطلاق نار شامل ونهائي»، مشدداً على أن «الأسرى الصهاينة لدينا لن يُحرّروا إلّا بعد تحرير كل أسرانا، ووقف إطلاق النار».

وكشف القيادي أن ما بقي من الأسرى في القطاع هم جنود ورجال مدنيون خدموا في جيش الاحتلال، رغم أن إسرائيل تصرّ على أنه مازال لدى الفصائل نساء وأطفال يصل عددهم إلى نحو 17.

وتزامن ذلك مع إعلان مصادر مطلعة أن الدوحة والقاهرة نقلتا مقترحات جديدة لطرفَي الصراع، بهدف إبرام صفقة لاستعادة الهدنة التي سمحت بإدخال المزيد من المساعدات لتخفيف الكارثة الإنسانية في القطاع الفلسطيني، فضلاً عن تبادل المحتجزين.

غضب مصري

في السياق، قالت أوساط مصرية إن القاهرة «عبّرت عن غضبها من خلال قنوات رسمية أمنية مع المسؤولين في حكومة نتنياهو، بسبب الخرائط التي نشرها جيش الاحتلال أخيراً، ويظهر خلالها تقسيم القطاع الفلسطيني إلى مربّعات أمنية، وفي مقابلها تظهر الأراضي المصرية المتاخمة للحدود مع غزة، وقد قسّمها جيش الاحتلال إلى جزأين كتب على الجزء الملاصق للحدود، المنطقة العازلة بين سيناء وقطاع غزة، وهو ما رأى فيه المسؤولون المصريون أنه تقسيم يحمل دلالات سلبية بالنسبة إلى مصر».

وربط مصدر بين التخوفات المصرية ورغبتها الملحّة في تمديد الهدنة، لتكون هناك فرصة أوسع لمواجهة مخططات التهجير وسيناريوهات النزوح التي تسعى لها إسرائيل.

تحذير وضغط

وفي موقف لافت، رأى وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، أن إسرائيل تخاطر بـ «هزيمة استراتيجية» في غزة إذا لم تستجب للتحذيرات بشأن ارتفاع عدد القتلى المدنيين.

وأضاف، في كلمة له بمنتدى ريغان للدفاع الوطني بوادي سيمي: «في هذا النوع من القتال، مركز الثقل هو السكان المدنيون، وإن دفعتهم إلى أذرع العدو، فستجعل هزيمة استراتيجية تحلّ محل نصر تكتيكي».

وشدد أوستن على ضرورة «حماية المدنيين»، وإيجاد طريقة أفضل لتوصيل المساعدات لهم باعتبارها مسؤولية أخلاقية وضرورة استراتيجية، مشيراً إلى «هناك خطورة لتطرّفهم».

واستحضر أوستن تجربته في العراق ودوره بقيادة التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، وقال إنه في الحملة بالعراق، أنشأ التحالف الدولي ممرات إنسانية للمدنيين لاستخدامها في الإخلاء حتى أثناء المعارك الصعبة.

ولفت إلى ضرورة إيجاد طريقة ليتقاسم الفلسطينيون والإسرائيليون الأرض عبر حل «الدولتين».

وتابع: «نحن نتفهم كل الصعوبات، لكنّ حل الدولتين يظل هو السبيل الوحيد القابل للتطبيق، للخروج من هذا الصراع المأساوي الذي تم اقتراحه على الإطلاق، وبدون أفق من الأمل، سيظل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني محرّكا لعدم الاستقرار وانعدام الأمن والمعاناة الإنسانية».

لكن الوزير أكد «أنهم لن يسمحوا لحماس بالانتصار على إسرائيل»، مشدداً في الوقت ذاته على أن الدعم الأميركي للدولة العبرية ليس محل نقاش أو تفاوض.

وجاء ذلك في وقت نقل موقع أكسيوس الإخباري عن مسؤول أميركي وآخر إسرائيلي قولهما إن إدارة بايدن تضغط على إسرائيل للسماح بإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، بنفس مستويات ما قبل انتهاء الهدنة.

مساعدة بريطانية

ميدانياً، شنّ الطيران الحربي الإسرائيلي سلسلة ضربات عنيفة على عموم القطاع أمس، وركزت على مدينة خان يونس التي دعت أغلب سكانها للنزوح باتجاه الحدود المصرية جنوباً.

وأفادت تقارير بأن القصف الإسرائيلي لمربع سكني في حي الشجاعية خلّف دماراً هائلاً ومجزرة جديدة راح ضحيتها العشرات بين قتلى وجرحى.

في المقابل، تصدت عناصر حركتَي حماس والجهاد للقوات الإسرائيلية على عدة محاور في شمال القطاع ووسطه، وقالت كتائب القسام، التابعة لـ «حماس»، إنها أوقعت 60 جندياً إسرائيلياً بين قتيل وجريح، بعد نصب كمين مُحكم لهم قرب بيت لاهيا.

وأطلقت الفصائل سلسلة رشقات صاروخية على تل أبيب وعسقلان ومستوطنات غلاف غزة.

من جهة ثانية، أعلنت بريطانيا أنها ستجري رحلات جوية استطلاعية فوق إسرائيل وغزة، كجزء من جهود تحرير الرهائن الذين تحتجزهم «حماس».

وقالت وزارة الدفاع البريطانية، إن طائرات المراقبة «ستكون غير مسلحة، ولن يكون لها دور قتالي، وستكون مهمتها فقط تحديد مواقع الرهائن».

وأضافت الوزارة: «المعلومات المتعلقة بتحرير الرهائن فقط هي التي ستنقل إلى السلطات المختصة المسؤولة عن هذه المهمة».

إلى ذلك، قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إن الجيش الإسرائيلي أنذر في اليومين الماضيين مناطق جديدة، تشمل حوالي 25% من قطاع غزة، بالإخلاء القسري.

صدامات الضفة

على جبهة أخرى، اندلعت اشتباكات عنيفة بين فلسطينيين وقوات إسرائيلية خلال اقتحامها لمدينة قلقيلية، في وقت تستمر اقتحامات جيش الاحتلال لبلدات ومدن في الضفة الغربية، منها بلدتا بيتا وعقربا جنوب نابلس.

وشيّع الفلسطينيون، ظهر أمس، بمشاركة شعبية حاشدة، جثامين 3 قتلى في سلفيت ونابلس وقلقيلية بالضفة الغربية، فيما قتل فلسطيني وأحرقت سيارات بعد هجوم نفّذه مستوطنون على بلدة غرب سلفيت بالضفة المحتلة.

هل ينجو نتنياهو من أسوأ أزمة سياسية في تاريخه؟

أفاد تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية بأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يجد نفسه الآن أمام أصعب أزمة في حياته السياسية، في ظل الحرب الدائرة بين بلاده وحركة «حماس» في قطاع غزة.

ويشير التقرير إلى وجود «انتقادات قوية بسبب تعامل نتنياهو مع الحرب في القطاع»، مضيفاً أن «أشخاصاً في حكومته أو طامحين لخلافته، يتفقون على أنه لم يكن بمثل هذا المستوى المنخفض من الشعبية في الشارع الإسرائيلي».

ولكن رغم ذلك، ينقل التقرير عن محللين قولهم إنه بسبب تعقيدات في النظام البرلماني الإسرائيلي وظروف الحرب، «لا توجد سوى مسارات قليلة للإطاحة بنتنياهو من منصبه في الوقت القريب»، وأضافوا أن «حياته السياسية الطويلة وإرثه يعتمدان بشكل كبير على كيفية إدارته للأمور خلال الأيام المقبلة».

ولفتت الصحيفة إلى أن «وقفات تأبين القتلى الإسرائيليين خلال الأيام والأسابيع الأخيرة تحولت إلى احتجاجات ضد نتنياهو، مع تحوّل الدعوات التي تطالبه بتحمل المسؤولية عن الإخفاق الاستخباراتي الذي سبق هجوم حماس، إلى المطالبة باستقالته»، فيما تواجه حكومته ضغوطاً من واشنطن بتقليل عدد القتلى المدنيين بقطاع غزة.

ونقل التقرير عن الكاتب في صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، أنشيل فيفر قوله إنه لو نجح الجيش الإسرائيلي في اغتيال شخصية بارزة في «حماس»، مثل زعيم الحركة في غزة يحيى السنوار، سيحاول نتنياهو الحصول على فضل من وراء ذلك.

وينوه فيفر بأنه «رغم الفضائح الكثيرة السابقة التي ضربت سمعة نتنياهو، فإنه دائما ما تمكّن من حماية حياته السياسية».