تحوم غيمة تأسيس الشركات الحكومية باقتراحات نواب مجلس الأمة، في الفترة القليلة الماضية، وببرنامج عمل الحكومة، بعد موافقة مجلس الوزراء على مشروع القانون الخاص بتأسيس «بريد الكويت» كشركة مساهمة كويتية عامة مملوكة للدولة بالكامل، برأسمال 50 مليون دينار، بشكل يعاكس أهداف الدولة، ودفع العديد من الاقتصاديين والمختصين إلى التساؤل عن مدى الجدوى الاقتصادية منها.
وبتأسيس شركة بريد الكويت، التي تندرج ضمن شركات الهيئة العامة للاستثمار، سيصبح عدد الشركات الحكومية لديها 13، ففي سنة 1961 بدأ تطبيق فكرة تأسيس الشركات الحكومية، وتم تأسيس الشركة الكويتية للاستثمار وشركة مطاحن الدقيق والمخابز الكويتية، وتكاثرت الشركات حتى وصلت إلى 12 شركة حكومية تابعة للهيئة حتى هذا العام، بجانب شركات النفط والتأمينات الاجتماعية.
وللنظر في حال الشركات التي تأسست في الستينيات والسبعينيات نجد أن أداءها متواضع جدا فيما تقدمه من خدمات، كما أنها لا تختلف مع الجهات الحكومية في المشاكل الإدارية، فهناك الكثير من الملاحظات عليها، فعلى سبيل المثال شركة المشروعات السياحية، الغرض من تأسيسها هو تهيئة الشواطئ والأندية البحرية والمراكز الترفيهية ومراكز للتسلية بما فيها المدن الترفيهية والمشروعات اللازمة لتشجيع السياحة، لكنها لا تقوم بهذا الدور.
ومنذ أن تم إغلاق المدينة الترفيهية عام 2016، وغيرها من الأماكن الترفيهية، لم تقم الشركة إلا بمشروع ونتروندرلاند في حديقة الشعب كمكان ترفيهي حقيقي، وحتى الإنجاز الوحيد الذي قامت به لم تؤده الشركة على أكمل وجه، فقد عانى من بيع التذاكر في السوق السوداء ونفادها من الموقع الرسمي قبل فتح الأبواب، كما تأخرت الشركة في تنفيذ مشروع منتزه الخيران منذ بدايته عام 2015 ومازالت نسبة الإنجاز 0%، كما ورد في تقرير المكتب الاستشاري الهندسي في 2022، وأصبح من المتوقع الإنجاز في 2031.
أما شركة النقل العام الكويتية فكانت أسهمها موزعة بين الحكومة والأفراد ثم أصبحت مملوكة للدولة، وكان الهدف منها القيام بعمليات النقل الجماعي البري داخل وخارج الكويت، والنقل الجماعي البحري بين الجزر الكويتية، ومن الملاحظ أن متوسط الحجز اليومي للحافلات ارتفع بما يتجاوز نسبة الحجز اليومي المقررة، وبذلك لا تلتزم الشركة بما هو معتمد لديها، وتعطل عمل عدد كبير من الحافلات، واستمرت الشركة في عدم تخصيص مواقع بديلة عن المواقع المسحوبة من الجهات الرسمية والتي قارب بعضها 18 سنة.
وتأتي الشركة الوطنية لمشاريع التكنولوجيا كنموذج فاشل، إذ كان الغرض منها نقل التكنولوجيا المتقدمة إلى الكويت في مختلف المجالات الصناعية والتجارية والخدماتية، إلا أنها لم تحقق معظم الأهداف الواردة بالخطة الاستراتيجية (2017-2021)، بالإضافة إلى عدم تحقيقها الهدف الرئيسي بشأن تنفيذ الاستراتيجية وإطلاق مكتب الاستراتيجية، إذ تبين عدم تفعيل الشركة لمهام المكتب وعدم وجود موظفين فيه، الأمر الذي ترتب عليه عدم نقل الخبرة المطلوبة لموظفيها والخاصة بتنفيذ الاستراتيجية في الشركة الأم وشركاتها التابعة.
وعلى سبيل المقارنة، تعتبر شركة مطاحن الدقيق والمخابز الكويتية من النماذج الناجحة لتأسيس الشركات الحكومية، لكن ما ساهم في نجاحها هو الدعم الحكومي لها لتحافظ على توافر المواد الغذائية للمستهلكين.
هل تأسيس الشركات الحكومية فكرة مجدية أم أنها باب هدر وفساد يضاف إلى الوضع الحالي؟
«الجريدة» التقت بعض المتخصصين وجاءت تصريحاتهم على النحو التالي:
السعدون: تأسيسها ضرره كبير وليس له جدوى اقتصادية
قال الخبير الاقتصادي جاسم السعدون، إن قرار تأسيس شركات حكومية هو قرار كارثي ومخالف لكل مستهدف ولكل عقل تنموي، ففكرة تأسيس الشركات الحكومية ليس لها جدوى اقتصادية بل في المقابل ضررها كبير، فهي ضد الأهداف المعلنة من الحكومة، ولا يوجد أي دولة في العالم يستحوذ فيها القطاع العام على 70 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بالإضافة إلى قيام الحكومة بتوظيف 84 في المئة من العمالة المواطنة وتدعم ما عداها.
وتابع السعدون أن أي زيادة في عدد الهيئات والمؤسسات والشركات الحكومية تؤثر بشكل سلبي على الاقتصاد. والقطاع العام من حيث التجربة التاريخية والوضع الحالي عالي التكلفة وضعيف الإنتاجية ورديء الإنتاج السلعي والخدمي، وبالتالي فهو إمعان في مواجهة تنفيذ الأهداف المعلنة التي يفترض أن يكون القطاع العام مراقبا لها، أما الإنتاج والمساهمة في خلق الوظائف والضرائب فيفترض أن يكونا من الأدوار التي يجب أن يقوم بها القطاع الخاص.
وأشار إلى أن فكرة الشركات الحكومية هي مسار عكس ما هو مستهدف في كل خطط التنمية بما فيها برنامج عمل الحكومة الحالي، وما يصعب فهمه هو كيف يضعون أهدافا وتتم الموافقة عليها ثم يقومون بالعمل بشكل مضاد لها ومعاكس لها تماما.
السلمي: إنشاؤها يمثل توطئة للتخصيص ومشاركة القطاع الخاص في تنمية البلد
قال نائب رئيس مجلس إدارة شركة الاستشارات المالية الدولية القابضة (إيفا)، صالح السلمي، إن فكرة إنشاء شركة حكومية فكرة جيدة، وهي توطئة للتخصيص ومشاركة القطاع الخاص في تنمية البلد، وهي خدمات في الأساس موجودة، حتى يتم تخصيصها لابد أن يتم تأسيس شركة ليتم التخصيص عن طريقها.
وأضاف: أغلبية المشاريع تملكها الحكومة، لكن هيئة مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص تقوم بدورها في دمج المشاريع بين الحكومة و»الخاص»، حيث يتم تخصيصها بحسب قوانين الهيئة وإدراجها في بورصة الكويت للأوراق المالية، على سبيل المثال شركة شمال الزور الأولى للطاقة والمياه، وأم الهيمان للصرف الصحي، التي ستدرج وتملك الحكومة فيها ما نسبته 60 في المئة، و40 في المئة للقطاع الخاص.
وأوضح السلمي أنه لا يمكن أن تكون الشركات الحكومية مملوكة 100 في المئة لجهة واحدة، وذلك يخالف قانون الشركات وقوانين هيئة أسواق المال، فلا يمكن أن يتم إدراج أي شركة من هذا النوع في بورصة الكويت، حيث إن قانون الشركات الخاص بالتأسيس ينص في المادة (65) على «يجب ألا يقل عدد الشركاء في الشركة عن 5، على أن يكون من بينهم ثلاثة على الأقل من المساهمين».
وأشار إلى تأسيس شركات حكومية بغرض تنويع مصادر الدخل ولإثراء الاقتصاد، ومع ذلك لا يحبّذ تأسيسها من خلال قرارات مجلس الأمة، حيث يجب أن تأتي الفكرة من منظور اقتصادي، لافتاً إلى أن هناك شركات أسسها القطاع الخاص وآلت إلى الحكومة بسبب الأزمات التي مرت على الكويت.
العبدالجليل: خصخصة بعض القطاعات أمر مهم خصوصاً ما فشلت الحكومة في إدارته
رأى رئيس مجلس إدارة الجمعية الاقتصادية، مشاري العبدالجليل، أن مدى جدوى إنشاء الشركات الحكومية يعتمد على قانون إنشائها وتبعيتها، فنجاح الشركات الحكومية يقف على هذا الشيء، بدليل أن التي تم إنشاؤها في فترة السبعينيات والثمانينيات اليوم شركات رائدة وناجحة، وتخارجت الحكومة بأجزاء منها، وطرحتها في البورصة، وهناك أمثلة كثيرة على ذلك، مثل بيت التمويل الكويتي، وشركة المواشي، والمطاحن الكويتية».
وأضاف: في المقابل هناك تجارب أثبتت فشلها مثل الخطوط الجوية الكويتية بسبب مجالس إدارتها، معرضة للمحاصصة السياسية والترضيات السياسية، ومن وجهة نظري فإن دور الدولة لا يجب أن ينحصر بين تأسيس الشركات أو مراقبة الشركات فقط، فدور الدولة الفعّال يجب أن يسير في خطين متوازيين بتأسيس شركات في بعض القطاعات، والابتعاد عن التأسيس في قطاعات أخرى، وتفعيل دور الرقابة، فالكويت ليست دولة رأسمالية بالكامل، ولا هي دولة اشتراكية لكي نعم نموذج واحد ونلتزم فيه بالكامل.
وفيما يتعلق بملاحظات ديوان المحاسبة على الشركات الحكومية، أوضح العبدالجليل أن أغلب هذه الملاحظات على مجالس الإدارة وعلى التعيينات، ومدى أحقية وكفاءة الموظفين الذين تم تعيينهم، لافتاً إلى أن خصخصة بعض القطاعات أمر مهم، لاسيما القطاعات التي أثبتت لنا نتائجها فشل الحكومة في إدارة هذا النوع من الأنشطة.
الطبطبائي: الأفضل الاعتماد على نموذج ناجح مثل «شمال الزور» و«أم الهيمان»
اعتبر الرئيس الأسبق لقسم الهندسة المدنية في جامعة الكويت د. هاشم الطبطبائي، أن تأسيس أي شركة يتطلب التركيز على أمرين، الأول هو دراسة جدوى متكاملة بحيث لا تكون مبنية على دراسة جدوى ربحية بل يجب أن تكون مبنية على جدوى مدى استمرارية الشركة واستدامتها، والأمر الآخر متعلق بالإدارة المتمكنة والقادرة على تنفيذ الخطط والمبادرات مع أي تطور في السوق وألا يتم التدخل في اختيارات الشركة في إدارتها للأعمال.
وأضاف الطبطبائي أنه بعد الانتهاء من الدراسة الصحيحة المطلوبة للتأسيس، هل نضمن أن يكون هناك إدارة تتمكن من تحقيق ما جاء في دراسة الجدوى؟ متابعا «وإذا لم يكن لدينا ضمان لتحقيق ذلك فالأفضل أن نعتمد على النموذج الذي استطعنا النجاح من خلاله على سبيل المثال شركة شمال الزور الأولى للطاقة والمياه وشركة أم الهيمان للصرف الصحي، بحيث يكون دور الحكومة فقط انتقاليا أي يكون مقتصرا على مساهمتها باسم المواطنين للاكتتاب، ويكون التشغيل مسؤولية المستثمر الذي يملك الخبرة ويضمن استمراريتها».
التميمي: الشركات الحكومية أداء متواضع وسوء إدارة وعقم بيروقراطي
ذهب المستشار والباحث الاقتصادي عامر التميمي إلى أنه ليست هناك مبررات لتأسيس شركات من جانب الحكومة أو بقوانين تصدر من مجلس الأمة، الذي عليه تحديد مسارات الاقتصاد والقوانين التي تحكم الأعمال والعلاقات بين العاملين وأصحاب الأعمال، أما تأسيس الشركات فيجب أن يتم من أصحاب المبادرات والمستثمرين الذين يوظّفون أموالهم بموجب دراسات الجدوى ومعرفة درجات المخاطر».
وتابع التميمي أنه «يضاف إلى ذلك أن الشركات الحكومية تكون متواضعة الأداء ويتم تعريضها لسوء الادارة والعقم البيروقراطي، ولذا نجد أن تقارير ديوان المحاسبة مليئة بالملاحظات، إذا يمكن الاستنتاج أن الشركات الحكومية تعرض المال العام للهدر، ويتعين إنجاز تخصيص كل الشركات الحكومية ومنها الخطوط الجوية الكويتية وشركة النقل العام والمرافق الحيوية بموجب قانون التخصيص رقم 37 لسنة 2010».