عقب معاناة مع المرض، توفي الفنان التشكيلي عبدالعزيز آرتي، صاحب المواهب المتعددة التي جمعت، إلى جوار التشكيل، الكاريكاتير والعزف الموسيقي والغناء.
جند الراحل موهبته في رسم ملامح من حياة الكويت القديمة، معبرا عن رؤاه الفنية، باستعادة أنماط من حياة الكويت القديمة، والتنزه في دهاليز الأزقة والفرجان الضيقة، والغوص في أعماق البحر، راصدا ملامح من شذى الماضي.
وكان الراحل يسبر التراث، من خلال لغة تأثيرية تستمد واقعيتها من ذاكرة الإنسان، لأنه يجتهد كثيرا في إعادة صياغة المشاهد والذكريات الكويتية القديمة، من خلال لوحاته، فيتخيل الشكل العمراني القديم للمباني والأسواق والبيوت.
صحيح أن آرتي لم يعش تلك الفترة بكل تفاصيلها، لكنه استطاع تكوين بعض التصورات لها حينما كان يصطحبه والده أثناء جولاته إلى هذه الأماكن القديمة والأزقة الضيقة والأسواق التراثية، فشكلت هذه المشاهدات في ذاكرته مخزوناً لا بأس به مكنه من استعادته أثناء مرحلة الرسم.
يذكر أن آرتي فنان تشكيلي ورسام كاريكاتير وعازف آلات موسيقية، عمل مدرساً لمادة التربية الفنية في مدارس وزارة التربية ورئيس قسم، وهو خريج كلية التربية الأساسية عام 1982، وعضو الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية، وعضو الرابطة الدولية للفنون، وعضو رابطة الحرف اليدوية لقارة آسيا، وعضو جمعية الصحافيين الكويتية، وعضو في المرسم الحر للفنون الجميلة.
وأقام مجموعة معارض شخصية من 1992 إلى 2013، حيث شهدت هذه الفترة انتعاشاً فنياً، وحصل على جائزة الميدالية الذهبية في فن الكاريكاتير عام 1994، واختير للمشاركة في مسابقة مونت كارلو التي نظمتها الولايات المتحدة عام 1994، وحصل على جائزة الدرع الذهبية على مستوى الوطن العربي ضمن المعرض السنوي الذي أقيم في الإمارات عام 1995، كما شارك في معارض أخرى ومهرجانات فنية متنوعة.
وعقب انتشار خبر وفاته، عبَّر العديد من الفنانين عن عميق حزنهم، مقدمين خالص العزاء لأسرته ومحبيه، ومستذكرين مراحل متنوعة من حياته، ونشر بعض الفنانين صوراً للراحل بحساباتهم في مواقع التواصل.
بداية، قال الفنان سامي محمد إن رحيل الفنان عبدالعزيز آرتي يمثل خسارة كبيرة، خصوصاً أنه كان أحد الفنانين في توثيق التراث مع العديد من الفنانين التشكيليين، مثل أيوب حسين، وهذا التوثيق يمثل بصمة جيدة في تاريخه الفني. وأضاف أن الفنان آرتي كان خلوقاً، ويتمتع بعلاقات طيبة مع الجميع في الساحة الفنية.
من جهته، أكد الفنان قاسم ياسين أن عبدالعزيز آرتي كان من الفنانين الهواة الذين دخلوا الساحة الفنية التشكيلية بقوة ومهارة وأخلاق وهدوء، لافتاً إلى أن عطاياه الفنية كانت لافتة للنظر، وذات نزعة وطنية ممزوجة بحُبه الكبير للكويت.
وأوضح قاسم، في تصريح لـ «الجريدة»، أن آرتي دخل في كل الجوانب البيئية، واستطاع أن يسلك نفس مسار الفنان أيوب حسين، رحمه الله، حيث رصد البيئة الكويتية من جميع جوانبها، من خلال لمساته الفنية الجميلة، فهو من الفنانين المبدعين في مجال التأثيرية بالكويت.
وأضاف: «آرتي كان يتميز بالهدوء والخلق الكبير، فضلاً عن مهاراته الفنية الكثيرة، وكان يرسم الكاريكاتير إلى جانب عمله الفني، وأيضاً كان يعزف على الآلات الموسيقية المختلفة، وتمتع بحس فني راقٍ».
من جانبها، قالت الفنانة التشكيلية ثريا البقصمي إن عبدالعزيز آرتي كان أحد الفنانين العاشقين للتراث، واستطاع أن يوثق البيئة الكويتية بصورة فنية جميلة جداً.
وذكرت البقصمي، في تصريح لـ «الجريدة»، أن رحيل آرتي يُعد خسارة كبيرة للحركة التشكيلية في الكويت، خصوصاً أن أعماله تركت بصمة لدى عدد كبير من التلاميذ الذين كانوا يتبعون أسلوبه في العمل الفني.
وأشارت إلى أن آرتي تميز بقدرته الرائعة على تسجيل البيئة الكويتية بمختلف أشكالها، إضافة إلى كونه رساماً للكاريكاتير في مجلة العربي، ما أكسبه تاريخاً جميلاً في الحركة التشكيلية، من خلال مشاركاته في الكويت أو خارجها.
وأكدت البقصمي أن آرتي كان صديقاً طيباً لجميع الفنانين، ورحيله بلا شك سيؤثر على الحركة التشكيلية الكويتية.
بدورها، قالت الفنانة التشكيلية ابتسام العصفور: «فقدت الحركة التشكيلية فناناً من أبرز فناني البيئة المعاصرين في الكويت، وهو الفنان عبدالعزيز آرتي، الذي ترك إرثاً زاخراً من الأعمال التأثيرية التسجيلية التي وثقت معالم الكويت القديمة بصيغة معاصرة».
من ناحيتها، قدَّمت مسؤولة المرسم الحُر سارة خلف نعيها للحركة التشكيلية في الكويت، وفناني المرسم الحُر، بوفاة الفنان الخلوق عبدالعزيز آرتي، حيث «كان الفقيد أحد فناني المرسم الحُر، وكانت له بصمة وتعاون وحضور دائم مع المعارض والورش، وكان أيضاً له دور كبير في الحفاظ على الهوية الكويتية القديمة، من خلال رسوماته الفنية».
المعلم الأول
من جانبه، قال رئيس جمعية الكاريكاتير الكويتية الفنان محمد ثلاب إن الراحل صديق عزيز، ومن مؤسسي جمعية الكاريكاتير الكويتية، وقد «تعلمت منه رسم الكاريكاتير في بداياتي، وكان بداية انطلاقتي»، ووصفه بمعلمه الأول.
وأضاف ثلاب أن الراحل كان له دور في تطوير فناني الكاريكاتير، وترك بصمة لديهم، مشيراً إلى أن من أهم ما يميز الفنان آرتي دوره المجتمعي، فقد كان يحاول دائماً أن يكون قريباً من الفنانين الكبار والصغار، وأيضاً الراحل آرتي فنان متميز، ووصل للعالمية، وله لوحات كثيرة في عدة معارض بفرنسا وإيطاليا.