يهدد رد «حزب الله» على الضغوط الممارسة عليه لتفعيل قرار مجلس الأمن رقم 1701 وتطبيقه بشكل كامل أو تعديله، بإمكان تكرار تجربة عام 1969 التي سبقت انفجار الحرب الأهلية في لبنان، مع سماحه لحركة حماس بإطلاق إطار جديد لعملها المسلح في لبنان، الأمر الذي قد يحوّل الجنوب الذي عرف في سبعينيات القرن الماضي بـ «فتح لاند» الى «الممانعة لاند»..
ويعتبر الحزب نفسه غير معني بكل الدعوات الدولية المنادية بوقف عملياته العسكرية في جنوب لبنان، أو بالضغط الإسرائيلي لإيجاد «منطقة عازلة» على الحدود جنوب نهر الليطاني وضرورة سحب قواته، خصوصاً «قوة الرضوان» إلى شمال النهر.
وتقول مصادر قريبة من الحزب إن اسرائيل لم تلتزم أبداً بالقرار 1701، ولذلك لم يلتزم به، كما أنه غير مستعد الآن للالتزام به، خصوصاً بعد تنامي قوته سياسياً وعسكرياً.
وبشأن التهديدات بشن عملية عسكرية برية في الجنوب لإبعاد الحزب إلى شمال نهر الليطاني، ذكرت المصادر أن الحزب جاهز لكل السيناريوهات ويستعد تماماً لخوض قتال عنيف وشرس ومنع الإسرائيليين من تحقيق أهدافهم وإلحاق الهزيمة بهم، لا سيما أنه يعتبر أن الجيش الإسرائيلي فشل في تحقيق الأهداف العسكرية في قطاع غزة، وبالتالي لن يكون قادراً على تحقيق أي منها في لبنان.
وأضافت المصادر أن الحزب رد على كل الرسائل التي وصلت إليه بأن ما يقوم به في الجنوب هو مجرد تضامن مع الشعب الفلسطيني وأنه بحال توقفت المعارك في غزة فإن العمليات من الجنوب ستتوقف ولا حاجة حينئذ للحديث عن القرار 1701 أو تعديله، ويمكن العودة إلى ما قبل 7 أكتوبر.
وأكدت أن الحزب يرفض بشكل تام أي حديث عن مقايضة القرار 1701 ورئاسة الجمهورية وأي صفقة سياسية أخرى، لأنه يستحيل عليه أن يقايض على حساب حرية حركته العسكرية والأمنية في الجنوب، أو يخضع وجوده الإستراتيجي هناك لأي معيار سياسي.
وكشفت أن أحد أبرز ردود حزب الله ومحور الممانعة على كل هذه الضغوط، هو السماح لما أعلنته حركة حماس عن تأسيس «طلائع طوفان الأقصى» في لبنان، مع ما يعنيه ذلك من تجاوز لكل ما له علاقة بالقرارات الدولية، وباتفاق الطائف، وبالدستور، والعودة إلى عام 1969 حينما تمت «شرعنة» الكفاح الفلسطيني المسلح من جنوب لبنان، في إطار ما عرف بـ «فتح لاند».
وهذا سيفتح البلاد مجدداً أمام «استقطابات» لمقاتلين و«ثوار» و«مناضلين» من الدول المجاورة للالتحاق بالعمليات العسكرية تحت جناح «الطلائع» انطلاقاً من الأراضي اللبنانية.
ومن شأن هذه الخطوة أن تفتح الأبواب لانضمام فلسطينيين ولبنانيين وشبان عرب إلى لبنان للانضواء تحت راية «الطلائع»، أما الأهم فيبقى متعلقاً بإمكانية خروج بعض مقاتلي «حماس» من قطاع غزة في حال استكملت إسرائيل عملياتها العسكرية هناك ونجحت في تفكيك «كتائب القسام» الجسم العسكري لـ «حماس» ودفعت قياداته إلى المغادرة، إذ إن هذه «الطلائع» يمكن أن تفتح المجال أمام دخول هؤلاء أو عدد منهم إلى لبنان وبالتالي تحويله إلى قاعدة انطلاق للعمليات العسكرية والأمنية، وهو ما يعني تحويل جنوب لبنان إلى «ممانعة لاند» إذ لن تكون المقاومة محصورة في طرف أو حزب أو جهة، ولكن تبقى لـ «حزب الله» اليد العليا في السيطرة على الوضع وإدارة العمليات.
وفي تفاصيل الخبر:
توّغلت عشرات الدبابات وناقلات الجنود والجرافات العسكرية الإسرائيلية في جنوب قطاع غزة، أمس، وتحديداً في بلدة القرارة بشمال مدينة خان يونس، في مستهل اليوم الـ 59 من الحرب الوحشية التي تشنها الدولة العبرية على القطاع الفلسطيني، في وقت أكد الجيش الإسرائيلي أن قواته البرية تواجه مقاتلي حركة حماس، في كل أنحاء المنطقة الفلسطينية المحاصرة.
وشنت المقاتلات والمدفعية الحربية الإسرائيلية غارات جوية وقصفاً عنيفاً على أحياء عدة مكتظة بالسكان، كما قصفت بوابة مستشفى كمال عدوان، مخلّفة عشرات القتلى والمصابين في شمال القطاع ووسطه وجنوبه.
وصعّدت قوات الاحتلال وتيرة استهداف المنازل المأهولة في مناطق متفرقة شملت مدينة رفح الحدودية مع مصر، كما قصف الطائرات الحربية مدرسة صلاح الدين التي تؤوي آلاف النازحين في غرب مدينة غزة مركز القطاع الذي يحمل الاسم نفسه.
وتحدث الجيش الإسرائيلي عن مهاجمة 200 هدف لـ «حماس» خلال سلسلة عمليات على مدار الساعات الأربع والعشرين الماضية شملت تدمير بنية تحتية عسكرية لإطلاق الصواريخ ونصب الكمائن وشملت ضربات على ميناء غزة البحري.
وجرت اشتباكات عنيفة في أكثر من محور بين الجيش الإسرائيلي وعناصر حركتي حماس والجهاد، مع تمدد العمليات البرية إلى جنوب القطاع المكتظ بنحو 1.8 مليون نسمة أغلبهم نزحوا من شمال القطاع.
وأفادت كتائب القسام، الجناح العسكري لـ «حماس»، بأنها استهدفت 5 دبابات و5 ناقلات جنود في محور شرق غزة بقذائف، مشيرة إلى أن مقاتليها «أجهزوا على عدد من جنود العدو من مسافة صفر بمنطقة الشيخ رضوان».
وقالت «حماس» إن مقاتليها اشتبكوا مع قوات إسرائيلية على بعد كيلومترين تقريباً من مدينة خان يونس، التي يتحدر منها قائد الحركة الإسلامية يحيى السنوار وقائد جناحها العسكري محمد الضيف في جنوب القطاع.
وأطلقت الفصائل الفلسطينية رشقات صاروخية على عدة مستوطنات في غلاف غزة، كما استهدفت تل أبيب برشقة صاروخية.
وفي وقت تعرضت حشود من النازحين في منطقة الساحة بجباليا، قرب مدينة غزة، لقصف إسرائيلي، ذكر موقع «والا نت» العبري أن فرقتين من الجيش الإسرائيلي تستعدان لشنّ عملية برية بهدف السيطرة على حي الشجاعية بمنطقة جباليا شمال غزة، متوقعاً مواجهة مقاومة شرسة بمعاقل الحركة التي تسيطر على القطاع منذ عام 2007.
خسائر بشرية
في السياق، أعلن الجيش الإسرائيلي مقتل 3 عسكريين، أمس الأول، خلال معارك عنيفة بوسط القطاع، مما يرفع حصيلة القتلى إلى 75 منذ بدء العملية البرية وإلى 401 قتيل منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر الماضي، بينهم الجنود الذين قضوا في الهجوم المباغت الذي شنته «حماس» على الدولة العبرية.
في المقابل، أعلنت وزارة الصحة بالقطاع ارتفاع عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي منذ بدايته إلى 15 ألفاً و523 شهيداً، وعدد المصابين إلى 41 ألفاً و316 شخصاً جروحهم متفاوتة.
تصفية القادة
وفي موازاة توسيع هجومها البري الذي يثير مخاوف بحدوث كارثة إنسانية واضطرابات إقليمية، صرح كبير مسؤولي الأمن الداخلي الإسرائيلي، رونين بار، بأن الدولة العبرية عازمة على القضاء على «حماس» في جميع أنحاء العالم حتى لو استغرق الأمر سنوات.
وقال بار وهو مدير الـ «شين بيت»: «مجلس الوزراء وضع لنا هدفاً. وهو القضاء على حماس. ونحن عازمون على القيام بذلك. سنقضي على حماس في كل مكان، في غزة وإسرائيل ولبنان وتركيا وقطر، في كل مكان».
وأشار بار إلى «عملية ميونيخ» التي تعود إلى ما حدث في 5 سبتمبر 1972، خلال دورة الألعاب الأولمبية في ميونيخ عندما قُتل إسرائيليان وأخذ 9 رهائن من قبل أعضاء «سبتمبر الأسود»، وهي حركة فلسطينية، للمطالبة بإطلاق سراح السجناء السياسيين من قبل الحكومة الإسرائيلية.
وأضاف المسؤول الأمني الإسرائيلي: «سيستغرق الأمر بضع سنوات، لكننا سنكون هناك للقيام بذلك» في إشارة إلى قيام عملاء إسرائيل بقتل وتصفية من قالت إنهم نفذوا وخططوا لهجوم ميونيخ.
وختم: «لسوء الحظ، في السابع من أكتوبر لم نتمكن من القيام بذلك. أعتقد أننا نتطور، لن ننتظر. نحن بالفعل نستخلص دروسنا من الأحداث».
وفي تصريح لافت يحمل دلالات عن احتمال انقضاء الحملة العسكرية المدمرة وغير المسبوقة بمدى زمني أقل من توقعات متشائمة سابقة تمتد إلى سنة كاملة، قال قائد سلاح المدرعات الإسرائيلي، البريغادير هشام إبراهيم، إن «قوات المدرعات والقوات البرية الأخرى تقترب من إنجاز مهمتها العسكرية في شمال قطاع غزة، وأنها تعمل في أماكن أخرى من القطاع مستهدفة حماس».
وقال إبراهيم، وهو من الأقلية العربية في الدولة العبرية: «الأهداف في الجزء الشمالي تم تحقيقها تقريباً. لقد بدأنا توسيع التحركات البرية لتشمل أجزاء أخرى من القطاع بهدف واحد وهو الإطاحة بحركة حماس الإرهابية».
وجاء ذلك بعد إعلان من جانب «حماس» أن جيش الاحتلال سحب نحو 70 بالمئة من قواته وآلياته المنتشرة في شمال القطاع تحت وطأة الضربات التي يتعرّض لها.
معضلة الرهائن
في هذه الأثناء، اجتمع أعضاء حكومة الحرب المصغرة برئاسة بنيامين نتنياهو مع أهالي المحتجزين في غزة الذين يأملون ويضغطون باتجاه إعادة إحياء مسار التفاوض بشأن إبرام صفقة تبادل مع «حماس» لإطلاق ذويهم مقابل الإفراج عن معتقلين فلسطينيين على غرار الاتفاق الذي تضمن سريان هدنة لمدة أسبوع وسمح بإطلاق سراح 102 محتجز بينهم 87 إسرائيليا بوساطة قطرية - مصرية وتنسيق أميركي.
وبينما يقول الجيش الإسرائيلي إنه يعمل على استعادة الرهائن عبر الضغط العسكري على «حماس»، أعلن خبراء بالمجال الطبي في الدولة العبرية وفاة بعض المفقودين المحتجزين في غزة غيابياً.
وتزامنت تلك التطورات مع وصول وفد أميركي إلى تل أبيب لإجراء محادثات حول مستقبل غزة ما بعد الحرب، فيما صرح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، بأنه بحث مع رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية محمد عبدالرحمن آل ثاني جهود تسهيل عودة جميع الرهائن بأمان وزيادة المساعدات للمدنيين في غزة.
وفي وقت سابق، أوضح البيت الأبيض أن وفدا رفيعا من مسؤولي إدارة الرئيس جو بايدن سيعقد اجتماعات مع نظرائهم الإسرائيليين لمناقشة التخطيط لغزة ما بعد الحرب.
وسيترأس الوفد فيل جوردون، مستشار الأمن القومي لنائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس، الذي كان معها في اجتماعات مع القادة العرب حول هذا الموضوع في دبي خلال عطلة نهاية الأسبوع. وأفيد أمس بأن واشنطن تضغط على سلطات الاحتلال لإدخال مساعدات إنسانية لسكان غزة عبر المعابر التي تسيطر عليها، خلافا للوضع القائم منذ نشوب الحرب، والذي يسمح بادخال إمدادات شحيحة جداً من معبر رفح المصري.
وتسعى الولايات المتحدة إلى تشكيل قوة دولية للمساعدة في إدارة غزة بشكل مؤقت بعد الحرب، مما يمهد الطريق أمام عودة السلطة الفلسطينية إلى حكم القطاع.
وحددت واشنطن المرتكزاتِ التي ستبني عليها الإدارة الأميركية في مناقشتها مع الشركاء في المنطقة بشأن مستقبل غزة، مشددة على معارضة التهجير القسري للفلسطينيين وضرورة إسناد المهام الأمنية للسلطة الفلسطينية بزعامة محمود عباس، وهو ما تعارضه حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة.
وجاء ذلك في وقت قتلت القوات الإسرائيلية فلسطينيين اثنين كانا في سيارة واعتقلت اثنين خلال مداهمات واسعة في قلقيلية بالضفة الغربية المحتلة.
رفض مصري
على الجانب الآخر من الحدود، حذر وزير الدفاع المصري من أن «القضية الفلسطينية تواجه منحنى شديد الخطورة والحساسية». وقال الوزير المصري في كلمة خلال افتتاح معرض «إيديكس 2023»، بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسي، إن «التصعيد العسكري غير المحسوب يهدف لفرض واقع على الأرض هدفه تصفية القضية الفلسطينية»، مضيفاً «لا بدّ للسلام من قوة تحميه وتؤمّن استمراره، فالعالم اليوم ليس فيه مكان للضعفاء، ونؤمن بأن امتلاك القوة الرشيدة هو الضمان لاستمرار السلام».
إسرائيل تتراجع شمال غزة وتحاصر خان يونس |
بعد إعلان حركة حماس انسحاب نحو 70 في المئة من القوات الإسرائيلية من شمال قطاع غزة، قال جيش الاحتلال أمس، إنه يقترب من إنجاز مهامه بالمنطقة المذكورة في تلميح إلى تقليص عملياته فيها، في حين باتت عشرات المدرعات الإسرائيلية على أبواب مدينة خان يونس، عاصمة جنوب القطاع، استعداداً لاقتحامها على غرار ما جرى في الشمال. ومع مواصلة الجيش الإسرائيلي قصفه الوحشي الذي أسفر عن مقتل وإصابة مئات الفلسطينيين المدنيين، أمس، لتقترب حصيلة القتلى منذ 7 أكتوبر من 16 ألف فلسطيني، أكد شهود عيان لوكالة «فرانس برس» توغل عشرات الدبابات وناقلات الجنود والجرافات العسكرية الإسرائيلية في بلدة القرارة شمال خان يونس، في مؤشر جديد على توسيع إسرائيل لعملياتها جنوباً. وكان متحدث باسم الجيش قال، إن الجيش يقاتل في كل مناطق غزة، في حين هدد رونين بار، مدير «الشين بيت»، جهاز الأمن الداخلي، باغتيال جميع قادة «حماس» بما في ذلك من هم في قطر، رغم إشارة تقارير سابقة إلى أن تل أبيب تعهّدت للدوحة، التي تقود وساطة لتبادل الرهائن، بعدم القيام باغتيالات على أراضيها. وفي تعليق على التهديد الإسرائيلي الذي شمل تركيا حيث كانت تقيم قيادات من «حماس»، حذر مسؤول في المخابرات التركية إسرائيل من «عواقب وخيمة» إذا حاولت ملاحقة مسؤولي الحركة على الأراضي التركية. إلى ذلك، قام الجيش الأميركي بضربة في العراق أمس الأول، اسفرت عن مقتل 5 مقاتلين من «حركة النجباء» المنضوية في ائتلاف «المقاومة الإسلامية في العراق» رداً على استئناف الفصائل الموالية لإيران هجماتها ضد القواعد الأميركية في سورية والعراق. وتوعد الجيش الأميركي المتمردين الحوثيين غداة، هجوم على سفن تجارية واستهداف لمدمرة أميركية في البحر الأحمر. ونددت الحكومة البريطانية أمس بهجمات الحوثي التي تردد أنها أصابت سفينة بريطانية. واتهمت لندن إيران بتسليح الحوثيين، مؤكدة أن «طهران تتحمل المسؤولية عن تصرفات وكلائها وشركائها». وكانت واشنطن حمّلت كذلك طهران المسؤولية واتهمتها بتزويد الحوثيين بالمسيّرات لمهاجمة السفن في البحر الأحمر وباب بالمندب. وتعهّدت إيران أمس بالرد على مقتل ضابطين في الحرس الثوري بغارة إسرائيلية على دمشق، مما ينذر بمزيد من التوترات. |