وجهة نظر: المقاطعة... ومنطق المومري
ذاع صيت اليوتيوبر اليمني مصطفى المومري في الفترة الأخيرة، تزامناً مع ظهور السفينة المختطفة جالاكسي ليدر في عدد من الفيديوهات عبر منصات التواصل، بعد أن حوّلتها السلطات التابعة للحوثيين في محافظة الحديدة باليمن إلى مزار سياحي.
وضمن المئات من المواطنين اليمنيين الذين يتوافدون بشكل يومي على متن قوارب صغيرة، للصعود إلى ظهر السفينة التي يمتلكها رجل أعمال إسرائيلي، ليلتقطوا صوراً وفيديوهات على متنها، كان لفيديوهات المومري طابعها الخاص، إذ تميز اليوتيوبر المثير للجدل بأسلوبه الساخر الذي أدى إلى زيادة شهرته وانتشاره في الوطن العربي.
وبعد اختطاف السفينة، التي ترجع ملكيتها، حسب تقارير صحافية، إلى رجل الأعمال الإسرائيلي رامي أنغر، مؤسس شركة Ungar Holdings LTD ومؤسس ومالك شركة Ray Shipping LTD، إحدى أكبر مستوردي السيارات في إسرائيل، ظهر المومري على متنها قائلًا: «هذه السفينة التي سبيناها من شواطئ اليمن بالبحر الأحمر، والآن أصبحت مزاراً ووجهة سياحية، رفعنا علم اليمن وفلسطين، وأنزلنا علم أميركا وإسرائيل تحت أقدامنا، هذه سفينة إسرائيلية غنيمة في البحر الأحمر، هذه السفينة ما راح ترجع».
وفي أحد مقاطعه، قال المومري، وهو يشير إلى السفينة: «قاطعنا شيكولاتة جالاكسي، فعوضنا الله بجالاكسي كبيرة»، وهو المقطع الذي نال شهرة وانتشاراً واسعين وأثار موجة كبيرة من السخرية، رغم أنه أصاب الحقيقة.
الحقيقة التي أصابها المومري، وحزمة القات تملأ فمه، غابت عن الكثيرين الذين يتعاملون مع حملات مقاطعة المنتجات الغربية، والتي أعلن بعض وكلائها تضامنهم ودعمهم للعمليات العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة، كوسيلة تضامن مع الفلسطينيين، في أسوأ تقدير، أو، في أفضله، كسلاح ضغط «مؤقت» ومرتبط، فقط، بالظرف التاريخي، حتى أن بعض الآراء تناولت المقاطعة بمنطق التعاطف مع هذه العلامات التجارية والتي تمثل، وبامتياز، الأذرع الاقتصادية للأنظمة الاستعمارية الغربية، والشريكة للعمليات العسكرية على غزة، إذ أفاد هؤلاء المتعاطفون بأن الهدف من المقاطعة يجب ألا يكون لإلحاق الضرر بهذه العلامات ولكن فقط لإرسال «رسالة» إلى هذه الأنظمة!.. أي رسالة؟!
على هؤلاء أن يدركوا أن الأصل فيما يحدث الآن أننا تركنا مصائرنا في يد هذه القوى حين ارتهن سلوكنا الإنفاقي لهذه العلامات التجارية، وأصبحنا مجتمعات استهلاكية غير قادرة على الإنتاج، فاقتحمت هذه العلامات أسواقنا برؤوس أموالها الضخمة وتوغلت، وسيطرت على اقتصاداتنا، بل أنها دمرت، أيضاً، الصناعات الوطنية في كثير من دول المنطقة، وحولت الكثير من المصانع والشركات إلى خردة، ثم سيطرت عبر مؤسساتها الاقتصادية والتمويلية على دوائر صنع القرار الاقتصادي في هذه الدول، حتى تمكنت من فرض إرادتها، ليس على الصعيد الاقتصادي فقط، بل على صعيد السياسة والأمن القومي في بعض الأحيان، فأصبحنا لا نستطيع الحصول على «جالاكسي» صغيرة أو «جالاكسي» كبيرة إلا بإرادتهم.
وإعمالاً، فالظرف التاريخي الذي نعيشه الآن، وما قام به بعض وكلاء لمؤسسات وعلامات تجارية غربية من تأييد ودعم للكيان الصهيوني والعمليات العسكرية التي يقوم بها على قطاع غزة، ومن ثم حملات مقاطعة هذه العلامات التي ظهرت في الشارع العربي كردّ فعل على موقفها، والتي حققت بالفعل بعض مستهدفاتها، إذ تراجت مبيعات علامات تجارية بنسب تتجاوز 70% في بعض الأسواق، ربما يكون فرصة تاريخية للاستغناء عن الكثير من السلع الاستهلاكية غير الضرورية، والتخلي عن سلوكنا الاستهلاكي... ومن يدري؟ ربما، وبمنطق المومري، تكون الخطوة الأولى نحو اقتصادات ومجتمعات منتجة قادرة على صنع علاماتها التجارية.