تعاون عالمي محتمل بين الهند والبرازيل بعد فوز لولا
انطلاقاً من منتدى الحوار الثلاثي بين الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، ومجموعة «بريكس»، والرئاسات المتعاقبة لمجموعة العشرين، تستطيع البرازيل والهند أن تجمعا نقاط قوتهما لطرح أجندتهما الإصلاحية وتشكيل كتلة تُميّزهما عن الغرب والصين وروسيا.
في 30 أكتوبر، انتخب البرازيليون الرئيس السابق لويز إيناسيو لولا دا سيلفا المعروف باسم «لولا»، فأصبح بذلك رئيس البرازيل مجدداً، كان السباق محتدماً على نحو غير متوقع، وقد تحددت نتيجته بفارق 2.1 مليون صوت فقط، فحصد لولا 50.9 في المئة من الأصوات مقابل 49.1 في المئة للرئيس المنتهية ولايته جايير بولسونارو.
من المتوقع أن يصبّ التركيز على خطط لولا في مجال السياسات المحلية وطرق تنفيذها نظراً إلى وفرة التحديات الداخلية التي تواجهها البرازيل، وفي غضون ذلك، كان دور البلد قد انكمش على الساحة العالمية منذ انتهاء عهد لولا في عام 2010، فتعاملت البرازيل، التي كانت قوة عظمى ناشئة في السابق، مع فضائح الفساد والأزمات السياسية التي تزامنت مع أسوأ ركود منذ عقود. أمعن بولسونارو في إضعاف مكانة البرازيل الدولية بسبب خطاباته المعادية للعولمة، تزامناً مع سحب البلد من مؤسسات دولية عدة، وتسريع تدمير غابة الأمازون المطيرة، والتقرب من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
باختصار، قد يبدو دور البرازيل على الساحة العالمية اليوم أقل تأثيراً مما كان عليه خلال عهد لولا السابق (بين العامين 2003 و2010) لكنه يستحق الانتباه، لا سيما من الدول الواقعة في الجنوب العالمي، وعلى رأسها الهند، ولفهم السبب، لا بد من مراجعة دور البرازيل الدولي في عهد لولا السابق والطموحات الخارجية التي عبّر عنها مستشار الرئيس المُنتخَب، سيلسو أموريم، في الفترة الأخيرة.
في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، نقل لولا وأموريم، الذي كان وزير الخارجية في عهده، محور السياسة الخارجية من العلاقات بين الشمال والجنوب إلى العلاقات بين دول الجنوب العالمي سعياً إلى زيادة تأثير بلدان ناشئة مثل البرازيل والهند على الحوكمة العالمية، وعندما تسلم أموريم منصبه في عام 2003، أعلن أولويات البرازيل التي تتمحور حول ردم الفجوة بين الدول الغنية والفقيرة و«إرساء الديموقراطية» في النظام الدولي، ثم حاول تحقيق هذه الأهداف بوسائل متنوعة.
على مر عهد لولا السابق، كررت البرازيل مطالبها بشأن إصلاح الأمم المتحدة، وحاولت أن تصبح عضواً دائماً في مجلس الأمن، وتقاسمت هذا الطموح مع ألمانيا، واليابان، والهند، مما أدى إلى تشكيل «مجموعة الأربع»، وفي عام 2010، حاولت إدارة لولا التوسّط بين واشنطن وطهران في الأزمة المرتبطة ببرنامج إيران النووي. باختصار، طرحت البرازيل نفسها كلاعبة عالمية بعد عام 2000، فطالبت بمقعد لها على طاولة السياسة العالمية.
لكن تغيّر الوضع لاحقاً، وترافقت معظم فترات العقد الأول من هذا القرن مع استقرار جيوسياسي، وارتفاع أسعار السلع، وتراجع معدلات الفائدة الأميركية، وزيادة الاستثمارات الخارجية في البرازيل وأميركا اللاتينية، لكن الحرب الروسية بدأت ضد أوكرانيا اليوم تُسبب اضطرابات جيوسياسية وفوضى عالمية، وترفع مستويات التضخم وأسعار الفائدة، وتزيد النقص الغذائي سوءاً، ففي الوقت نفسه، لا تزال معظم دول العالم، بما في ذلك البرازيل، تتعافى من أزمة كورونا، ومن المتوقع أن تكون ولاية لولا الثالثة أكثر اضطراباً من أول ولايتَين رئاسيتَين، فهو يواجه مقاومة واسعة، أو حتى عدائية شديدة، من المجلس الوطني البرازيلي، وستكون صلاحياته أضعف من السابق بعد فوزه في الانتخابات بفارق بسيط.
مع ذلك، قد يعيد عهد لولا الجديد إحياء التعاون بين دول الجنوب العالمي، حيث يتكلم الكثيرون عن ترشيح أموريم، مهندس السياسة الخارجية السابقة في عهد لولا الأول، لمنصب وزير الخارجية في حكومته الجديدة، مع أن أحداً لم يؤكد هذا التوجه بعد. وحتى لو تسلم مرشّح آخر هذا المنصب، فلا مفر من أن تنعكس آراء أموريم، مستشار لولا الأساسي في السياسة الخارجية، على أولويات البرازيل الدولية.
لم تتغير آراء أموريم كثيراً منذ العهد السابق، فهو شدّد في مقابلة جديدة على ضرورة تقوية العلاقات مع إفريقيا ودعا إلى تجديد التكامل بين دول أميركا اللاتينية: يبدو هذا الهدف قابلاً للتنفيذ اليوم، بما أن المنطقة تشهد موجة جديدة من «المد الوردي» الذي يجمع حكومات يسارية تحمل العقلية نفسها، ويأتي فوز لولا ليزيد قوة هذا المعسكر (مع أن التحديات التي تواجهها تلك الحكومات اليسارية لا تزال هائلة). أعلن أموريم أيضاً دعمه لانضمام الأرجنتين إلى مجموعة «بريكس».
لكن حتى الآن، لم تذكر أوساط لولا الهند، أو حتى آسيا ككل، باستثناء الصين، أكبر شريكة تجارية للبرازيل، إنه أمر مفاجئ لأن البرازيل والهند تحملان المواصفات اللازمة لإقامة شراكة ثنائية، وعلى غرار وزير الخارجية الهندي، سوبرامانيام جايشانكار، يظن أموريم أن الحوكمة العالمية يجب أن تصبح «عالمية» بمعنى الكلمة، مما يعني أن يتراجع تركيزها على الغرب، وهو يُصِرّ أيضاً على الدعوة إلى إصلاح الأمم المتحدة ومنح دول ناشئة مثل البرازيل والهند الحق بتوجيه مسارها بنفسها، وبغض النظر عن وجهة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
حتى أن أموريم اقترح إضفاء طابع مؤسسي مضاعف على مجموعة العشرين كي تشمل المزيد من الدول النامية وعدداً أقل من الدول الأوروبية، وقد تصبح هذه الهيئة بديلة عن مجلس الأمن في نهاية المطاف، إذ يعتبره أموريم أداة عقيمة لا تزال رهينة حق النقض الذي تستعمله الدول دائمة العضوية، وتتماشى هذه الدعوة مع دعوات مماثلة أطلقها جايشانكار لإصلاح معنى التعددية وإعطاء طابع «معاصر» للحوكمة العالمية.
وبما أن الهند والبرازيل تدركان حجم العوائق التي تمنع تعديل المؤسسات الدولية الأساسية على نطاق واسع، يتابع البلدان الدعوة إلى إصلاح مجلس الأمن في الأمم المتحدة ويحاولان انتزاع مقعد دائم لهما، كما حصل سابقاً، يستطيع البلدان أن يتعاونا في هذا المجال، بالتنسيق مع ألمانيا واليابان من مجموعة الأربع.
ومثلما كانت القيادة الهندية الراهنة واضحة بشأن توجّهها إلى إطلاق مسار مستقل في الشؤون الخارجية، تبدو البرازيل في عهد لولا مستعدة لرفض العودة إلى الحرب الباردة التي كانت ثنائية القطب وقد تجبرها اليوم على الاختيار بين الولايات المتحدة والصين، أو بين حلف الناتو وروسيا، أو بين الديموقراطية والاستبداد، وتتّضح هذه الرغبة المشتركة في تبنّي سياسة عدم الانحياز في ردود البلدَين على الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث صوّتت إدارة بولسونارو المنتهية ولايتها على قرارٍ يدين العدوان الروسي ضد أوكرانيا في شهر مارس الماضي، لكنها امتنعت عن التصويت في مجلس الأمن حديثاً لإدانة إقدام روسيا على ضم أقاليم في شرق أوكرانيا، وفي غضون ذلك، امتنع أموريم عن اتخاذ موقف واضح، فأعلن أن البرازيل في عهد لولا ستحاول إقامة تعاون دولي بدل اتخاذ مواقف عدائية واعتبر المفاوضات، لا العقوبات، الأداة الفاعلة الوحيدة في المراحل المقبلة، وفي شهر مايو صَدَم لولا الكثيرين في الغرب حين قال إن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يريد الحرب ويجب أن يقبل بالتفاوض، فلطالما زعمت الهند من جهتها أنها «تؤيد السلام»، لكنها رفضت في الوقت نفسه المواقف الغربية التي تتّهمها بالوقوف على هامش الصراع.
أخيراً، يريد البلدان تنويع علاقاتهما الخارجية، حيث تشعر الهند بالقلق من منافستها الجيوسياسية مع الصين، وتحاول إقامة توازن براغماتي بين الحفاظ على علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة وأطراف إقليمية أخرى، بما يشبه تحالف «الحوار الأمني الرباعي»، وحماية روابطها القديمة مع روسيا، وسعت البرازيل تاريخياً إلى تقليص نفوذ الولايات المتحدة في أميركا الجنوبية، ومن المنتظر أن تتابع هذه المساعي في عهد لولا الجديد، لكنها تدرك في الوقت نفسه ضعفها الاقتصادي الذي ينجم عن اتكالها المفرط على تصدير السلع إلى الصين والنقص الراهن في الاستثمارات الخارجية. شدّد لولا خلال حملته الانتخابية على رغبته في أن يجول العالم للتشجيع على زيادة الاستثمارات الخارجية في البرازيل، فقد تكون الهند وجهة مناسبة في هذا المجال، حيث يسمح تكثيف التجارة بين البلدين بتحقيق أهداف مهمة، لا سيما في ظل ارتفاع الطلب الهندي على الواردات الزراعية وتوسّع قوة البرازيل في هذا القطاع، فاليوم تشكّل تبادلات البرازيل التجارية مع الهند نسبة بسيطة من تجارتها مع الصين أو الولايات المتحدة، ويبدو توسيع الروابط التجارية بين البلدين ممكناً، وقد ينعكس إيجاباً على استقلالية برازيليا ونيودلهي على مستوى الحوكمة العالمية والشؤون الجيوسياسية.
من المنتظر أن يجتمع قادة مجموعة العشرين هذا الشهر في بالي، حيث ستتسلم الهند رئاسة المجموعة قبل أن تُسلّمها إلى البرازيل في أواخر عام 2023، وإذا أرادت البرازيل والهند التعاون على الساحة العالمية لتحقيق أهداف مشتركة، فقد لا يجد البلدان فرصة أفضل من هذه الظروف، وانطلاقاً من منتدى الحوار الثلاثي بين الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، ومجموعة «بريكس»، والرئاسات المتعاقبة لمجموعة العشرين، يستطيع البلدان أن يجمعا نقاط قوتهما لطرح أجندتهما الإصلاحية وتشكيل كتلة تُميّز نفسها عن الغرب والصين وروسيا.
لم تكن العلاقات بين البرازيل والهند قوية على نحو خاص يوماً، لكنهذا الوضع قد يتغير خلال ولاية لولا الثالثة، شرط أن يقتنص البلدان الفرصة المتاحة أمامهما.
جاك ديتش
من المتوقع أن يصبّ التركيز على خطط لولا في مجال السياسات المحلية وطرق تنفيذها نظراً إلى وفرة التحديات الداخلية التي تواجهها البرازيل، وفي غضون ذلك، كان دور البلد قد انكمش على الساحة العالمية منذ انتهاء عهد لولا في عام 2010، فتعاملت البرازيل، التي كانت قوة عظمى ناشئة في السابق، مع فضائح الفساد والأزمات السياسية التي تزامنت مع أسوأ ركود منذ عقود. أمعن بولسونارو في إضعاف مكانة البرازيل الدولية بسبب خطاباته المعادية للعولمة، تزامناً مع سحب البلد من مؤسسات دولية عدة، وتسريع تدمير غابة الأمازون المطيرة، والتقرب من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
باختصار، قد يبدو دور البرازيل على الساحة العالمية اليوم أقل تأثيراً مما كان عليه خلال عهد لولا السابق (بين العامين 2003 و2010) لكنه يستحق الانتباه، لا سيما من الدول الواقعة في الجنوب العالمي، وعلى رأسها الهند، ولفهم السبب، لا بد من مراجعة دور البرازيل الدولي في عهد لولا السابق والطموحات الخارجية التي عبّر عنها مستشار الرئيس المُنتخَب، سيلسو أموريم، في الفترة الأخيرة.
في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، نقل لولا وأموريم، الذي كان وزير الخارجية في عهده، محور السياسة الخارجية من العلاقات بين الشمال والجنوب إلى العلاقات بين دول الجنوب العالمي سعياً إلى زيادة تأثير بلدان ناشئة مثل البرازيل والهند على الحوكمة العالمية، وعندما تسلم أموريم منصبه في عام 2003، أعلن أولويات البرازيل التي تتمحور حول ردم الفجوة بين الدول الغنية والفقيرة و«إرساء الديموقراطية» في النظام الدولي، ثم حاول تحقيق هذه الأهداف بوسائل متنوعة.
على مر عهد لولا السابق، كررت البرازيل مطالبها بشأن إصلاح الأمم المتحدة، وحاولت أن تصبح عضواً دائماً في مجلس الأمن، وتقاسمت هذا الطموح مع ألمانيا، واليابان، والهند، مما أدى إلى تشكيل «مجموعة الأربع»، وفي عام 2010، حاولت إدارة لولا التوسّط بين واشنطن وطهران في الأزمة المرتبطة ببرنامج إيران النووي. باختصار، طرحت البرازيل نفسها كلاعبة عالمية بعد عام 2000، فطالبت بمقعد لها على طاولة السياسة العالمية.
لكن تغيّر الوضع لاحقاً، وترافقت معظم فترات العقد الأول من هذا القرن مع استقرار جيوسياسي، وارتفاع أسعار السلع، وتراجع معدلات الفائدة الأميركية، وزيادة الاستثمارات الخارجية في البرازيل وأميركا اللاتينية، لكن الحرب الروسية بدأت ضد أوكرانيا اليوم تُسبب اضطرابات جيوسياسية وفوضى عالمية، وترفع مستويات التضخم وأسعار الفائدة، وتزيد النقص الغذائي سوءاً، ففي الوقت نفسه، لا تزال معظم دول العالم، بما في ذلك البرازيل، تتعافى من أزمة كورونا، ومن المتوقع أن تكون ولاية لولا الثالثة أكثر اضطراباً من أول ولايتَين رئاسيتَين، فهو يواجه مقاومة واسعة، أو حتى عدائية شديدة، من المجلس الوطني البرازيلي، وستكون صلاحياته أضعف من السابق بعد فوزه في الانتخابات بفارق بسيط.
مع ذلك، قد يعيد عهد لولا الجديد إحياء التعاون بين دول الجنوب العالمي، حيث يتكلم الكثيرون عن ترشيح أموريم، مهندس السياسة الخارجية السابقة في عهد لولا الأول، لمنصب وزير الخارجية في حكومته الجديدة، مع أن أحداً لم يؤكد هذا التوجه بعد. وحتى لو تسلم مرشّح آخر هذا المنصب، فلا مفر من أن تنعكس آراء أموريم، مستشار لولا الأساسي في السياسة الخارجية، على أولويات البرازيل الدولية.
لم تتغير آراء أموريم كثيراً منذ العهد السابق، فهو شدّد في مقابلة جديدة على ضرورة تقوية العلاقات مع إفريقيا ودعا إلى تجديد التكامل بين دول أميركا اللاتينية: يبدو هذا الهدف قابلاً للتنفيذ اليوم، بما أن المنطقة تشهد موجة جديدة من «المد الوردي» الذي يجمع حكومات يسارية تحمل العقلية نفسها، ويأتي فوز لولا ليزيد قوة هذا المعسكر (مع أن التحديات التي تواجهها تلك الحكومات اليسارية لا تزال هائلة). أعلن أموريم أيضاً دعمه لانضمام الأرجنتين إلى مجموعة «بريكس».
لكن حتى الآن، لم تذكر أوساط لولا الهند، أو حتى آسيا ككل، باستثناء الصين، أكبر شريكة تجارية للبرازيل، إنه أمر مفاجئ لأن البرازيل والهند تحملان المواصفات اللازمة لإقامة شراكة ثنائية، وعلى غرار وزير الخارجية الهندي، سوبرامانيام جايشانكار، يظن أموريم أن الحوكمة العالمية يجب أن تصبح «عالمية» بمعنى الكلمة، مما يعني أن يتراجع تركيزها على الغرب، وهو يُصِرّ أيضاً على الدعوة إلى إصلاح الأمم المتحدة ومنح دول ناشئة مثل البرازيل والهند الحق بتوجيه مسارها بنفسها، وبغض النظر عن وجهة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
حتى أن أموريم اقترح إضفاء طابع مؤسسي مضاعف على مجموعة العشرين كي تشمل المزيد من الدول النامية وعدداً أقل من الدول الأوروبية، وقد تصبح هذه الهيئة بديلة عن مجلس الأمن في نهاية المطاف، إذ يعتبره أموريم أداة عقيمة لا تزال رهينة حق النقض الذي تستعمله الدول دائمة العضوية، وتتماشى هذه الدعوة مع دعوات مماثلة أطلقها جايشانكار لإصلاح معنى التعددية وإعطاء طابع «معاصر» للحوكمة العالمية.
وبما أن الهند والبرازيل تدركان حجم العوائق التي تمنع تعديل المؤسسات الدولية الأساسية على نطاق واسع، يتابع البلدان الدعوة إلى إصلاح مجلس الأمن في الأمم المتحدة ويحاولان انتزاع مقعد دائم لهما، كما حصل سابقاً، يستطيع البلدان أن يتعاونا في هذا المجال، بالتنسيق مع ألمانيا واليابان من مجموعة الأربع.
ومثلما كانت القيادة الهندية الراهنة واضحة بشأن توجّهها إلى إطلاق مسار مستقل في الشؤون الخارجية، تبدو البرازيل في عهد لولا مستعدة لرفض العودة إلى الحرب الباردة التي كانت ثنائية القطب وقد تجبرها اليوم على الاختيار بين الولايات المتحدة والصين، أو بين حلف الناتو وروسيا، أو بين الديموقراطية والاستبداد، وتتّضح هذه الرغبة المشتركة في تبنّي سياسة عدم الانحياز في ردود البلدَين على الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث صوّتت إدارة بولسونارو المنتهية ولايتها على قرارٍ يدين العدوان الروسي ضد أوكرانيا في شهر مارس الماضي، لكنها امتنعت عن التصويت في مجلس الأمن حديثاً لإدانة إقدام روسيا على ضم أقاليم في شرق أوكرانيا، وفي غضون ذلك، امتنع أموريم عن اتخاذ موقف واضح، فأعلن أن البرازيل في عهد لولا ستحاول إقامة تعاون دولي بدل اتخاذ مواقف عدائية واعتبر المفاوضات، لا العقوبات، الأداة الفاعلة الوحيدة في المراحل المقبلة، وفي شهر مايو صَدَم لولا الكثيرين في الغرب حين قال إن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يريد الحرب ويجب أن يقبل بالتفاوض، فلطالما زعمت الهند من جهتها أنها «تؤيد السلام»، لكنها رفضت في الوقت نفسه المواقف الغربية التي تتّهمها بالوقوف على هامش الصراع.
أخيراً، يريد البلدان تنويع علاقاتهما الخارجية، حيث تشعر الهند بالقلق من منافستها الجيوسياسية مع الصين، وتحاول إقامة توازن براغماتي بين الحفاظ على علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة وأطراف إقليمية أخرى، بما يشبه تحالف «الحوار الأمني الرباعي»، وحماية روابطها القديمة مع روسيا، وسعت البرازيل تاريخياً إلى تقليص نفوذ الولايات المتحدة في أميركا الجنوبية، ومن المنتظر أن تتابع هذه المساعي في عهد لولا الجديد، لكنها تدرك في الوقت نفسه ضعفها الاقتصادي الذي ينجم عن اتكالها المفرط على تصدير السلع إلى الصين والنقص الراهن في الاستثمارات الخارجية. شدّد لولا خلال حملته الانتخابية على رغبته في أن يجول العالم للتشجيع على زيادة الاستثمارات الخارجية في البرازيل، فقد تكون الهند وجهة مناسبة في هذا المجال، حيث يسمح تكثيف التجارة بين البلدين بتحقيق أهداف مهمة، لا سيما في ظل ارتفاع الطلب الهندي على الواردات الزراعية وتوسّع قوة البرازيل في هذا القطاع، فاليوم تشكّل تبادلات البرازيل التجارية مع الهند نسبة بسيطة من تجارتها مع الصين أو الولايات المتحدة، ويبدو توسيع الروابط التجارية بين البلدين ممكناً، وقد ينعكس إيجاباً على استقلالية برازيليا ونيودلهي على مستوى الحوكمة العالمية والشؤون الجيوسياسية.
من المنتظر أن يجتمع قادة مجموعة العشرين هذا الشهر في بالي، حيث ستتسلم الهند رئاسة المجموعة قبل أن تُسلّمها إلى البرازيل في أواخر عام 2023، وإذا أرادت البرازيل والهند التعاون على الساحة العالمية لتحقيق أهداف مشتركة، فقد لا يجد البلدان فرصة أفضل من هذه الظروف، وانطلاقاً من منتدى الحوار الثلاثي بين الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، ومجموعة «بريكس»، والرئاسات المتعاقبة لمجموعة العشرين، يستطيع البلدان أن يجمعا نقاط قوتهما لطرح أجندتهما الإصلاحية وتشكيل كتلة تُميّز نفسها عن الغرب والصين وروسيا.
لم تكن العلاقات بين البرازيل والهند قوية على نحو خاص يوماً، لكنهذا الوضع قد يتغير خلال ولاية لولا الثالثة، شرط أن يقتنص البلدان الفرصة المتاحة أمامهما.
جاك ديتش