قبل أن تفتح الصفحة الأولى من الكتاب لن يترك لك عبدالرحمن الإبراهيم فسحة من التفكير والتفسير، بل يحدد لك «هويته البحثية» منذ اللحظة الأولى، فقد رسم لنفسه موقعاً خارج إطار الكادر التقليدي في كتابة التاريخ معلناً وبوضوح انتسابه إلى «مدرسة جديدة» في كتابات التاريخ الخليجي أطلق عليها وصف «المؤرخين الجدد» وإن كانت ظاهرة النقد العلني لاتزال خافتة على مستوى المؤرخين هنا.

الكتاب الممنوع الذي كسبت فيه الناشرة بثينة العيسى «مكتبة تكوين» حكماً بالبراءة من مخالفتها «للنظام العام والتحريض» صدر بعنوان «لا يكتب التاريخ مرة واحدة» يدعو «الأكاديميين والمثقفين في دول الخليج إلى الانتفاض وخلق ربيع ثقافي جديد يطيح بمن يتحكم في الثقافة والعلم وهو بعيد عنها». يقدم نفسه «كناقد فاحص» لم يقف عند حدود النقل والوصف بل مشروعه يأتي في طار إعادة قراءة التاريخ الكويتي والخليجي بشكل مغاير عما هو سائد في الأدبيات العربية.

Ad

عنوان الكتاب جاء نتاج شراكة فكرية بينه وبين السيد محمد العتابي الذي يتضمن عشرة أبحاث أو «مقالات» كما أسماها، سبق أن نشرها في مواقع متخصصة ومجالات علمية.

المقالة الأولى تناقش أزمة النشر في التاريخ الخليجي بين التطبيل والتقبيح، تعمل على الوصول إلى إجابة عن السؤالين: ما النقد المطلوب من المجلات ودور النشر؟ وهل لهذا النقد معايير محددة؟ وفي نهاية المقال يورد أمثلة عن الكتب والأبحاث التي يعتقد أنها مناسبة مثل كتاب «الوهابية بين الشرك وتصدع القبيلة» لخالد الدخيل، ورسالة الدكتوراه «نجد قبل الوهابية» لعويضة الجهني، و«الحياة العلمية في وسط الجزيرة العربية» لأحمد عبدالعزيز البسام.

المقالة الثانية تدور حول «مشيخة الزبير النجدية» في جنوب العراق، وفيها دعوة إلى الالتفات وبصورة أعمق إلى أهمية التاريخ المهمش، وللروابط الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بين المشيخات التي كانت قائمة في تلك الفترة، وكذلك حاول تبيان الخلل المنهجي لبعض كتب تاريخ الزبير، خصوصا أولئك «المهاجرين النجديين» وتهميشهم لأحداث رئيسة.

المقالة الثالثة تقوم على نقد المصادر الأساسية لتاريخ الكويت وتستعرض المؤرخين الخمسة والمصادر التي كتبوها ثم يناقش منهجيتها وأوجه الشبة والاختلاف بينها، ثم النقل الشفهي كأداة لكتابة التاريخ، وانتقد إهمال أحداث مجلس 1938 ومجلس 1921 وطالب بتبني مشروع إعادة كتابة تاريخ الكويت وتجاوز الهفوات التي وقع فيها من سبقوه.

المقالة الرابعة حول «القوى المرجّحة في الكويت خلال حراك مجلس 1938» وهذا المجلس الذي وضع دستوراً مكتوباً صودرت من خلاله سلطات الحاكم، وأعطيت إلى نواب المجلس التشريعي، لذلك يرى الحاجة إلى تاريخ جديد لا يهمش دور الفئات الاجتماعية الأخرى، والأحداث المسكوت عنها التي ستساهم في بناء صورة أشمل عن تاريخ الكويت والخليج.

وفي المقالة السادسة بعنوان «الباشا قابع في الهامش» انتقاد لدور المؤرخين الذين أهملوا ثراء شخصية ناصر المبارك الصباح، وتأكيد على أن هناك جوانب من التاريخ الثقافي تدخل تحت المظلة الكبيرة للتاريخ الهامشي، فقد اهتم الباحث بإبراز دور صاحب العلم والثقافة.

بنيت فكرة المقالة التاسعة على نقد كتاب «الشيعة في معركة الجهراء» ويرتكز على ثلاثة محاور، تفنيد أفكار المؤلف، والسؤال: من شارك في معركة الجهراء، هل هم الشيعة أم العجم، وكيفية تعاطي المؤلف مع الوثائق؟ وينتهي به القول إلى أن المؤلف لم يستطع إثبات فرضيته، كونه جاء بعكس ما هو مذكور في كتب تاريخ الكويت، إنما أثبت وجودا ومشاركة ودعما لبعض العجم بعد انتهاء المعركة.

المقالة الأخيرة يطرح السؤال، هل يستطيع المؤرخ الخليجي التفكير؟ وأوجه القصور عند المؤرخ الخليجي ومكمن الخلل، وقبل هذا كان موضوع العلماء المهاجرين من نجد موضع نقاش وتسليط الضوء على قضية التاريخ المهمش في الخليج بشكل عام ونجد والكويت والزبير بشكل خاص، وذلك من خلال مناقشة نسبة العلماء إلى البلدان التي ولدوا فيها أو هاجروا منها أو استقروا فيها.

***

«سيرة الزعيم» للباحث عبدالرحمن الإبراهيم دراسة قرأتها في موقع «مؤرخ» تناولت «جزء من النص مفقود، محمد البراك الفضالة، حياته وسيرته»، يعترف فيها بخطئه بعد أن انتهى من كتابة أحداث مجلس 1938، لكنه وجد مبتغاه بعد قراءته محاضر اجتماعات المجلس التشريعي عن طريق أرشيف محمد عبدالعزيز العتيبي.