انتكاسة حكومية ورِدَّة برلمانية
قراءة للحالة السياسية الراهنة
أي خطر تواجهه البلاد وماذا يمكن أن ينتظرها إن كان مصدر الخروج على الدستور هو تواطؤ السلطتين، بعيداً عن أطر الدستور وتجاوزاً للمشروعية القانونية تحت غطاء التوافق الحكومي- النيابي؟!
لم يعد الصمت في خضم التجاوزات الخطيرة على الدستور وعلى المصلحة الوطنية العليا وعلى بديهيات الاختصاصات والحدود الدستورية والتشريعية والتنفيذية للسلطتين مقبولاً!
ولنبدأ بالحكومة، ونُذكِّرها بأنها هي المسؤولة عن إدارة الدولة والشؤون التنفيذية والإدارية وفقاً لما هو مقرر في المواد 52 و123 و128 و130 من الدستور، وهي المسؤولة عن تقديم برنامج العمل الحكومي وفقاً للمادة 98 من الدستور، وهي المسؤولة عن تقديم الخطط ومشروع قانون الخطة ومشروع قانون الميزانية العامة للدولة وفقاً للمادتين 20 و140 من الدستور.
ودور مجلس الأمة تجاهها هو فرض رقابته السياسية والمالية عليها، وتولي اختصاصاته التشريعية في نطاق الإجراءات الدستورية، دون تعَدٍّ ولا تجنٍّ أو تغول على اختصاصات السلطة التنفيذية حتى لا يكون متجاوزاً على أحكام الدستور.
كما لا يجوز للحكومة أن تتخلى عن ممارسة اختصاصاتها تلك أو إشراك مجلس الأمة في توليها أو إعدادها أو تغيير مسارها، أو رسم برنامج عملها والتحكم فيه.
إذ إن أياً من الأمور السابقة يعد خروجاً على الحدود الدستورية للسلطة التنفيذية بل وافتئاتاً وتدخلاً في عملها مما يناهض المادتين 50 و115 من الدستور.
إلا أن المتتبع لأحوال الحالة السياسية الراهنة في البلد يصدمه ويؤلمه التجاوزات الخطيرة والخروج الصارخ الذي تم من قبل السلطتين، بتنازل التنفيذية عن اختصاصاتها، بدءاً من التخلي عن برنامجها وإحلال برنامج وضعه مجلس الأمة بشكل منافٍ للدستور (تحت غطاء ومسمى الخارطة التشريعية لدور الانعقاد)، في العديد من المواد، وعلى الأخص المواد 98 و123 و140 من الدستور، وبما يتناقض مع المادتين 50 و115 من الدستور.
والأسوأ هو قيام مجلس الأمة بفرض هيمنته على السلطة التنفيذية وتغوله على اختصاصاتها تحت مسمى تلك «الخارطة التشريعية»، مع ما تحمله من برنامج سياسي متكامل هو من صميم اختصاص مجلس الوزراء لا مجلس الأمة، كما أشرنا أعلاه وفقاً للمادة 98، بل والتدافع في هذه الخارطة بوضع مجموعة من التشريعات التي تصادر حق الحكومة في بناء خططها التنموية وفقاً للمادة 20 من الدستور، فضلاً عن إلزامها بوضع مخصصات وبنود وربما ميزانيات بسبب هذه «الخارطة» التي تنطوي على تشريعات مالية لا يجوز أن يعدها أو يقدمها أعضاء مجلس الأمة، فمشروع الميزانية أو الميزانية التكميلية أو أية بنود لا تأتي ابتداء إلا من قبل الحكومة وفقاً للمادة 140 من الدستور، وبقية المواد التي تنظم مالية الدولة وأوجه تحصيلها وصرفها، وكونها اختصاصاً حصرياً للسلطة التنفيذية.
وسيكون للحديث تتمة للوقوف على أبعاد أخرى فيما أعتبره «انتكاسة حكومية وردّة برلمانية»، وهو مسلك لم تمارسه أي من مجالس الأمة السابقة، وعلى الأخص في العقود الأربعة الأولى من عمر المجلس، وهو أيضاً ما لا تمارسه أي من برلمانات العالم، حتى تلك التي تأخذ بتشكيل الحكومة من الأغلبية البرلمانية، فمجالها لا يكون إلا من خلال الحكومة التي تشكلها، دون أن يكون لبقية أعضاء الحزب من النواب دور يتدخل في مسارها، وهو ما يؤكد أن ما يسمى «التوافق» هو في حقيقته تجاوز للدستور، وعلى الزعامات البرلمانية مراجعة الأمر والعودة للدستور، وعلى الحكومة أن تتمسك بسلطاتها دون تنازل أو تهاون.
ألا هل بلغت.