أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس زيارتين للإمارات والسعودية التقى خلالهما نظيره الإماراتي محمد بن زايد، في أبوظبي، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بالرياض، وسعى لإظهار انهيار العزلة الغربية المفروضة عليه بعد غزو أوكرانيا خصوصاً من قبل دول مقربة من واشنطن، في حين بدا أن الرياض وأبوظبي اللتين تجاهلتا مذكرة التوقيف الدولية الصادرة بحق بوتين، ماضيتان في «التنويع الاستراتيجي» وأن «العودة» الأميركية الى منطقة الشرق الاوسط من بوابة حرب غزة لم تؤثر في هذا المسار.
وفي إشارة ذات دلالات استراتيجية وعسكرية تطلبت موافقات دولية خاصة، كشف المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف عن مرافقة سرب من مقاتلات «سو 35» المتطورة محملة بأسلحتها المعتادة من مختلف الفئات لطائرة بوتين طوال رحلته وحتى هبوطها في أبوظبي ومنها إلى السعودية.
أكبر مستثمر عربي في روسيا
وفي محطته الأولى، تطرق بوتين في مباحثاته مع بن زايد إلى الوضع الراهن في بؤر التوتر الساخنة، خصوصاً على الساحتين الفلسطينية والأوكرانية، مشيداً بالدور الإماراتي في المحافل الدولية ولا سيما بمجلس الأمن كعضو غير دائم ومساهمتها بشكل كبير في استقرار الأوضاع حول العالم.
وفي مستهل محادثاتهما في قصر الوطن بأبوظبي، هنأ بوتين بن زايد بمرور 52 عاماً على تأسيس الإمارات ونجاحها بتنظيم قمة المناخ، وحصولها على عضوية مجموعة «بريكس»، ودعاه إلى حضور قمتها المخطط عقدها في أواخر العام المقبل في مدينة قازان.
وأكد بوتين أن الإمارات أكبر شريك لروسيا في العالم العربي وعلاقاتهما وصلت إلى مستوى غير مسبوق، وحجم التبادل التجاري ارتفع العام الماضي بنسبة 67.6 في المئة، وفي سبيله إلى الازدياد، وكذلك ازداد التعاون في مجال الاستثمارات، والتعاون الصناعي وقطاعات النفط والغاز الكبرى.
وأشار بوتين، في ثاني قمة مع بن زايد هذا العام، إلى التعاون في إطار صيغة «أوبك+»، وكذلك قطاع السياحة، حيث زار الإمارات ما يقرب من مليون روسي خلال العام الجاري، مشدداً على أنه سيواصل تعزيز التعاون بالمجالات الإنسانية.
بدوره، رحب الرئيس الإماراتي بنظيره الروسي، وقال: «في البداية أود أن أشير إلى أن علاقتنا التاريخية شهدت خلال السنوات الماضية تطورا مستمرا في العديد من المجالات التي تخدم البلدين والشعبين الصديقين»، مضيفاً: «أنتهز هذه الفرصة كي أثمن دوركم الفاعل في تقوية هذه العلاقات وحرصكم على تنميتها، وفي هذا السياق فإن الإمارات هي أكبر شريك تجاري خليجي لروسيا، وأكبر مستثمر عربي فيها».
وتابع بن زايد: «في العالم الماضي، زاد حجم التبادل التجاري غير النفطي بنحو 109 في المئة، وهذا الرقم مؤشر على النقلة الكبيرة وغير المسبوقة التي تشهدها العلاقات الثنائية، ويسعدنا التواصل معكم لتعزيز هذه العلاقات، وتوسيع مجالات التعاون في مزيد من النمو والتطور».
مباحثات الرياض
وبعد محادثات أبوظبي، توجه بوتين إلى الرياض وبحث مع ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء السعودي محمد بن سلمان العلاقات الثنائية متعددة الأوجه، بما في ذلك المجال التجاري والاقتصادي، وتبادل معه وجهات النظر حول الأجندة الدولية الإقليمية في الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي.
وقال الكرملين إن الزعيمين ناقشا حرب إسرائيل على قطاع غزة والوضع في سورية واليمن وقضايا الاستقرار الأوسع نطاقا في الخليج، وأيضاً قضية أوكرانيا.
وخلال المباحثات، أجرى بوتين وبن سلمان مناقشة موضوعية مفصلة للتعاون بين الدولتين في مجال الطاقة، بما في ذلك في إطار «أوبك+»، التي يعتبر التنسيق الروسي - السعودي الوثيق في صيغتها بمثابة الضمان الموثوق للحفاظ على وضع مستقر ويمكن التنبؤ به في سوق النفط العالمية.
وذكر الكرملين أنهما ناقشا التعاون في مجال الطاقة بما في ذلك مجموعة أوبك+ التي يضخ أعضاؤها أكثر من 40 في المئة من النفط العالمي، مضيفاً أن «العلاقات الروسية ـ السعودية الوثيقة هي ضمان موثوق للحفاظ على وضع مستقر ويسهل التنبؤ به في سوق النفط العالمية».
كما ناقشا آفاق تنفيذ مشروع البنية التحتية الضخم في مجال النقل الدولي «شمال - جنوب»، وكذلك تبادلا وجهات النظر حول القضايا الدولية الراهنة.
لافروف والمناورات
وفي سياق محاولات الكرملين لتحصين وتعزيز العلاقة مع دول الخليج، قالت المتحدثة باسم «الخارجية الروسية» ماريا زاخاروفا إن لافروف يعتزم العودة للمنطقة غداً الجمعة، موضحة أنه سيشارك في الثامن والتاسع من ديسمبر بمنتدى صير بني ياس الدولي الرابع عشر للسلام والأمن في أبوظبي. وفي العاشر من ديسمبر يلقي كلمة في منتدى الدوحة في نسخته الحادية والعشرين، و«سيطرح في خطاباته، الرؤية الروسية لاتجاهات التطور العالمي».
وتأتي الجولة الخليجية، عشية انطلاق مناورات بحرية روسية - جزائرية في المتوسط تثير قلقاً أوروبياً وأميركياً، ولا تزال روسيا موجودة عسكريا بقوة في منطقة الشرق الاوسط، حيث تحتفظ بقوات في سورية حيث لديها قاعدة بحرية دائمة.
بلينكن ووانغ يي
في موازاة ذلك، أجرى وزيرا خارجية الصين وانغ يي والولايات المتحدة أنتوني بلينكن مباحثات هاتفية أمس تناولت الحرب على غزة، واتفقا على ضرورة خفض التصعيد.
وإذ جدد بلينكن تأكيده ضرورة أن تعمل جميع الأطراف على منع توسع الصراع، طالب ضمناً الصين بالمشاركة في تأمين ممرات الملاحة خصوصاً في البحر الأحمر والخليج، مشدداً على أن هجمات الحوثيين الأخيرة ضد السفن التجارية «تشكل تهديداً غير مقبول للأمن البحري والقانون الدولي الذي يتعين على جميع الدول الالتزام به».
واعتبر وانغ يي أن «الأولوية المطلقة هي وقف إطلاق النار ووضع حد للحرب في أقرب وقت ممكن»، وقال: «يتعين على الدول الكبرى التزام الإنصاف والعدالة، والتمسك بالموضوعية والحياد، وإظهار الهدوء والعقلانية، وبذل كل جهد ممكن لتهدئة الوضع ومنع كوارث إنسانية واسعة النطاق»، حسبما نقلت عنه وزارة الخارجية.
وكرر دعوات تسوية النزاع عن طريق حل الدولتين واستعداد الصين للعمل مع كل الأطراف لبذل الجهود لتحقيق ذلك، مشدداً على أن «أي ترتيب يتضمن مستقبل فلسطين يجب أن يعكس إرادة شعبها».
وفي حين اتفق الجانبان أيضاً على البناء على «التقدم المحرز في القضايا الرئيسية» خلال قمة الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الصيني شي جينبينغ الشهر الماضي في كاليفورنيا، والتي أدت إلى استئناف الاتصالات العسكرية، حذر وانغ بلينكن أيضاً من التدخل في تايوان ودعم أو التساهل مع أي من قوى استقلالها عن الصين.