يؤذنون في مالطا
ثلث غزة خارج السيطرة الإسرائيلية، وفي هذا الثلث الذي يتحصن به مقاتلو «حماس» ستجري المعارك الدامية («واشنغتون بوست»، الكاتبة لوفدي موريس).
ويذكر تقرير هذه الكاتبة، أيضاً، أن خمسة آلاف مقاتل من «حماس» قتلوا، وإذا كان تقدير «الاستخبارات» الإسرائيلية أن عدد المقاتلين الذين تريد إسرائيل استئصالهم في المعارك التي تجري الآن يبلغ ثلاثين ألفاً، فعلى ذلك سيكون عدد الضحايا من المدنيين، وأغلبهم من الأطفال والنساء، في حدود خمسة وسبعين ألفاً وأكثر، سيتم سكب دمائهم خلال الأيام والأسابيع القادمة.
على ذلك، ليست هي «جرائم حرب» فقط يمكن «نظرياً» أن تُدان بها إسرائيل، بل هي إبادة جماعية (جنوسايد)، ويستحيل أمام انحياز معظم دول الغربية ذات الثقل، مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا، للجانب الإسرائيلي واصطفاف الولايات المتحدة المطلق معها، أن تُدان إسرائيل أو يتم الضغط عليها بصورة جدّية لوقف المجزرة.
هناك تظاهرات إنسانية ضخمة في عواصم كبرى من العالم ضد همجية ووحشية الاحتلال الإسرائيلي، وأغلب شعوب الأنظمة العربية لا يمكنها أن تخرج بمثل تلك التظاهرات، فهي محرّمة حسب القوانين الاستبدادية والأمنية العروبية.
الدول الغربية الكبرى وجدت بعملية «حماس» في السابع من أكتوبر غايتها، فحين يتم وصفها بأنها «إرهابية»، فإن تلك الدول تتحرر من الثقل التاريخي للاحتلال الإسرائيلي للضفة وحصار وتجويع أهل غزة لما يقرب من عشرين عاماً، فكلمة «إرهاب» تبرر بانتهازية كل تصرُّف إجرامي تقوم به إسرائيل بعذر الدفاع المشروع عن النفس.
ماذا ستفعل دول النظام العربي من المحيط الهادر للخليج الثائر أمام تشكيل الخريطة الـ «جيوسياسية» الذي يجري؟! لا شيء، وستسلّم أمرها للمكتوب، فهذا ما ستفرضه الواقعية السياسية بتركة «حاكم غشوم ولا فتنة تدوم»، أما المُثل والحق والعدالة الأفلاطونية فدعوها وشأنها تتسلّى بها النخب النضالية الثقافية، فهُم يؤذّنون في مالطا.