مع تركُّز الحرب المتواصلة منذ 61 يوما في جنوب قطاع غزة، وسط دعوات إقليمية ودولية للضغط باتجاه وقف الأزمة التي تهدد باندلاع حريق إقليمي وكارثة إنسانية، نقلت إذاعة جيش الاحتلال عن مصادر رسمية قولها إن «المناورة البرية في جنوب قطاع غزة ستستمر شهرا آخر».

وذكر المصدر الرسمي للإذاعة العبرية، أمس، أن الجيش سيواصل الضغط على «حماس» عسكرياً، مما سيؤدي إلى استئناف المفاوضات التي تتوسط فيها قطر ومصر لإبرام صفقة تبادل محتجزين بـ «شروط أفضل».

Ad

في موازاة ذلك، أفاد تقرير لشبكة سي إن إن، بأن الولايات المتحدة تعتقد أن إسرائيل يمكن أن تنهي عملياتها العسكرية الواسعة النطاق في جنوب قطاع غزة بحلول شهر يناير المقبل، ثم تنتقل إلى هجمات أكثر استهدافاً على مسلحين وقادة محددين من «حماس».

ونقلت الشبكة الأميركية عن العديد من كبار المسؤولين في إدارة الرئيس جو بايدن، قولهم إن «البيت الأبيض يشعر بالقلق من كيفية تنفيذ هجوم الجيش الإسرائيلي في الأسابيع المقبلة، وحذّر إسرائيل للحد من الأضرار والخسائر في صفوف المدنيين». لكن مسؤولاً كبيراً - نقلا عن التقرير- يقول إنهم غير مرتاحين لاستخدام كلمة «متقبل» لوصف رد إسرائيل على النصيحة الأميركية.

وقال مسؤول كبير في الإدارة إنه من غير المرجح أن تحقق تل أبيب هدفها المتمثل في منع «حماس» من القدرة على تنفيذ هجوم آخر مثل «7 أكتوبر» بحلول نهاية العام، وأن القوات الإسرائيلية ستواصل السعي لتحقيق هذا الهدف كجزء من «عملية أطول أمداً».

نتنياهو والرهائن

وليل الثلاثاء ـ الأربعاء، بعث رئيس حكومة الحرب المصغرة بنيامين نتنياهو رسالة إلى عائلات المختطفين الإسرائيليين في غزة، وذلك بعد اجتماع عاصف معهم قائلا: «إن القتال العنيف والضاري هو السبيل الوحيد لاستعادتهم».

وتطرّق نتنياهو إلى يوم ما بعد الحرب التي تهدف إلى القضاء على «حماس»، وقال: «يجب أن تكون غزة منزوعة السلاح، ويوجد فقط قوة واحدة يمكنها الاهتمام بإخلائها، وهذه القوة هي الجيش الإسرائيلي، ولا يمكن لأي قوة دولية أن تتحمل المسؤولية عن ذلك، ولن أغمض عيني وأقبل أي ترتيب آخر».

وتشير تصريحات نتنياهو، ضمنا، إلى معارضة التسريبات عن خطط أميركية لإشراك قوات عربية ودولية في إعادة الاستقرار إلى القطاع، تمهيدا لإعادة سلطة فلسطينية متجددة لإدارته في حال نجحت سلطات الاحتلال بالقضاء على الحركة الإسلامية.

وقبل أن تجدد «حماس» رفضها لاستئناف مفاوضات إطلاق المحتجزين وعددهم 138 بينهم نحو 100 عسكري، أعلنت «مقار أهالي المختطفين الإسرائيليين» أنها تلقت معلومات تفيد بتدهور الحالة الصحية للمختطفين، وأن حياتهم في خطر، وطالبت مجلس الوزراء الحربي بـ «التحرك بشكل عاجل ومبادرة وإبداع للتوصل إلى اتفاق بشأن الإفراج عنهم جميعا».

دعم أميركي

ورغم بروز الخلاف بين إسرائيل وواشنطن بشأن مستقبل القطاع، أبدى الرئيس الأميركي، خلال تصريحات أمس، دعمه لاستراتيجية الضغط على «حماس» من أجل إطلاق سراح بقية الرهائن من النساء لديها.

وقال بايدن خلال فاعلية في البيت الأبيض تعليقا على الحرب المدمرة: «دعوني أكون واضحا، رفض حماس إطلاق سراح الشابات المتبقيات هو ما أدى إلى انهيار هذا الاتفاق وإنهاء وقف إطلاق النار»، في إشارة إلى اتفاق التبادل الأول الذي سمح بإطلاق سراح 102 بينهم 78 إسرائيليا كلهم من النساء والأطفال، مقابل الإفراج عن 234 امرأة وطفلا من الفلسطينيين المحتجزين بمعتقلات الاحتلال خلال هدنة استمرت أسبوعا وانتهت الجمعة الماضية.

كما شدد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، جون كيربي، على أن واشنطن أبلغت إسرائيل مواصلة دعمها لعملياتها، «لكننا نريد التأكد من أخذها في الاعتبار أرواح المدنيين قدر الإمكان».

ولفت إلى أن واشنطن تعتقد أن 8 أميركيين ما زالوا محتجزين رهائن لدى مسلحين في غزة، مشيرا إلى استمرار العمل مع الشركاء في المنطقة لاستعادة الهدنة الإنسانية وإخراج المحتجزين.

جاء ذلك في وقت أفادت وزارة الدفاع الإسرائيلية بأن «الطائرة رقم 200 وصلت إلى تل أبيب محملة بالعتاد والسلاح والمركبات المصفحة الأميركية».

وأوضحت أن الدولة العبرية تسلمت 10 آلاف طن من السلاح والعتاد الأميركي ضمن الجسر الجوي منذ بداية الحرب.

ونقلت وكالة رويترز عن مسؤولين أميركيين قولهم إن إدارة بايدن لن تستخدم سلاح الدعم العسكري للضغط على حكومة نتنياهو لتغيير نهجها في غزة.

تضرُّر «حماس»

وفي غضون ذلك، ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن «حماس» مازالت تحتفظ بقوتها، رغم مرور 61 يوما على العدوان الإسرائيلي الذي تسبب في مقتل 16 ألفا وجرح أكثر من 40 ألفا وتشريد 1.7 مليون نسمة حتى الآن.

وأوضحت الصحيفة الأميركية أن العمليات العسكرية في شمال القطاع، التي بدأت في 27 أكتوبر الماضي، بعيدة عن الاكتمال، رغم أن مدينة غزة سوّيت بالأرض، وأن قوات الاحتلال البرية لم تدخل بعد إلى بعض معاقل «حماس» الرئيسية في الشمال.

وأشارت إلى أنه خلال الهدنة الأخيرة «ظهر عشرات من المسلحين الذين يرتدون الأقنعة في ساحة رئيسية لتسليم المحتجزين»، في إشارة إلى وجود مقاتلي الحركة في المنطقة التي خاض فيها الجيش الإسرائيلي معارك ضارية، واعتقد أنه أضعف سيطرتها عليها.

ونقلت عن الرئيس السابق للقسم الفلسطيني في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية قوله إن «ثلث مدينة غزة خارج سيطرة القوات الإسرائيلية، بما فيها مناطق يتوقع أن تكون شديدة التحصين».

وأوضح تقرير الصحيفة الأميركية أن جيش الاحتلال قام بالالتفاف حول معاقل «حماس» العسكرية المعروفة، بما في ذلك الشجاعية وجباليا، حيث وقعت بعض المعارك الأكثر شراسة في عملية الرصاص المصبوب عام 2008 لتفادي تحصينات الحركة التي ستجعل المعركة صعبة للغاية، في ظل جاهزية البنية التحتية لـ «حماس».

وذكر مسؤول إسرائيلي أن عمليات الجيش في جنوب القطاع ستكون مختلفة عن عملياته في الشمال، فيما اعتبرت الصحيفة أن «المعركة الحقيقية في قطاع غزة لم تبدأ بعد».

وأشارت إلى أن التقديرات تشير إلى أن ثلث أنفاق المقاومة ما زال سليما. وشككت بإعلان إسرائيل أنها قتلت 5 آلاف من مقاتلي الحركة دون تقديم أدلة على ذلك.

واعتبرت «واشنطن بوست» أن حكومة نتنياهو تركز على النَّيل من قائد الحركة يحيى السنوار، بدلا من قتل الآلاف من عناصرها، مؤكدة أنه من الصعب على إسرائيل تدمير قدرات «حماس» الصاروخية بشكل كامل.

في السياق، قال مسؤولون إسرائيليون إن الجيش قتل نحو نصف قادة الحركة من المستوى المتوسط، بينما توغلت القوات البرية الإسرائيلية في خان يونس جنوب القطاع الذي يُعتقد أن زعيم الحركة يتحصن به، في محاولة للقضاء على كبار قادة التنظيم العسكريين.

وقد فشلت إسرائيل حتى الآن في اغتيال القيادة العليا للجماعة، التي تضم السنوار، وقائد الجناح العسكري بكتائب القسام، محمد ضيف.

عمليات وجرائم

ميدانياً، شنّ الجيش الإسرائيلي المزيد من عملياته العدوانية على عموم مناطق غزة، وركّز هجومه البري في جنوب القطاع بمدينة خان يونس، حيث زعم أنه حاصر منزل السنوار.

وقصف الجيش المدينة الرئيسية في جنوب القطاع، خلال ما وصفه بأنه أشرس قتال منذ أن بدأ غزوه البرّي للقضاء على «حماس» قبل 5 أسابيع.

وأفاد بأنه تم استهداف 250 هدفًا في غزة خلال الـ 24 ساعة الماضية، حيث اكتشف ودمّر أسلحة ومداخل أنفاق وعبوات ناسفة والعديد من البنى التحتية الأخرى.

وقال إنه عثر على مخزن كبير للأسلحة والطائرات المسيّرة والصواريخ قرب مدرسة بشمال القطاع.

في المقابل، تمكنت فصائل المقاومة الفلسطينية من تكبيد الجيش الإسرائيلي خسائر على عدة محاور، أبرزها خان يونس، حيث تدور معارك ضارية.

وخاضت عناصر حركتَي حماس والجهاد اشتباكات عنيفة مع الجيش الإسرائيلي في جباليا والشجاعية شمالا.

وأمس، أقر الجيش الإسرائيلي بمقتل 2 من عناصره، ليرتفع عدد قتلاه منذ 7 أكتوبر الماضي إلى 410.

على جبهة أخرى، قُتل فلسطينيان خلال مواجهات ليلية مع القوات الإسرائيلية في مخيم الفارعة للاجئين شمال الضفة الغربية، فيما أعلنت عقوبات «الخارجية» الأميركية فرض عقوبات على مستوطنين إسرائيليين ضالعين بأعمال عنف ضد الفلسطينيين تتضمن حرمانهم من الحصول على تأشيرات دخول لأميركا.

جهود إقليمية

على صعيد الجهود الإقليمية لاحتواء الصراع، وصل وزير الخارجية المصري سامح شكري في زيارة إلى الولايات المتحدة، يتوقع أن يبحث خلالها مع مختلف المسؤولين الأميركيين الحرب بين إسرائيل و»حماس»، والجهود المبذولة لإنهائها.

من جانب آخر، نقلت تقارير عن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قوله، أمس، إن أنقرة ترفض خططاً لإقامة منطقة عازلة في غزة بعد انتهاء القتال بالقطاع، مضيفاً أن مثل هذه الخطة لا تحترم الفلسطينيين.

وشدد الرئيس التركي خلال عودته من قطر، بعد مشاركته في القمة الخليجية، أمس الأول، على ضرورة أن مستقبل غزة بعد الحرب يقرره الشعب الفلسطيني، وأن إسرائيل يجب أن تعيد الأراضي التي تحتلها.

وقال أيضا إن الدعم الغربي لإسرائيل، وتحديداً من الولايات المتحدة، هو الذي تسبب في الوضع الحالي بالمنطقة، وحذّر تل أبيب من ملاحقة أعضاء «حماس» في تركيا، قائلا إن «إسرائيل ستدفع ثمنا باهظا للغاية مقابل ذلك».

مسيرة يهودية للمطالبة بإنهاء وصاية الأردن على القدس
سمحت الشرطة الإسرائيلية لناشطين يهود من اليمين المتطرف بتنظيم مسيرة إلى المسجد الأقصى اليوم الخميس، للمطالبة بإنهاء سيطرة الأوقاف الإسلامية الأردنية في مدينة القدس.

وأفادت صحيفة «هآرتس» العبرية، بأن ناشطي اليمين الإسرائيلي يدعون إلى «استعادة السيطرة اليهودية الكاملة على جبل الهيكل»، المسمى التوراتي للمسجد الأقصى، ضد استمرار سيطرة عمّان على المقدسات الإسلامية بالقدس الشرقية التي كانت تخضع لسيادتها حتى حرب 1967.

وسوف تتبع المسيرة، التي تصادف الليلة الأولى من «عيد الحانوكا» اليهودي، مسارَ «موكب العلم» عبر باب العامود والحي الإسلامي في البلدة القديمة بالقدس.