تشهد الساحة اللبنانية تكثيفاً للحراك الدولي الدبلوماسي والسياسي والأمني في سبيل الوصول إلى اتفاق يُعيد إرساء الاستقرار في جنوب لبنان. فهناك زحمة موفدين في بيروت، بعضهم زياراتهم علنية والبعض الآخر تبقى زياراتهم طيّ الكتمان، وكلهم يركزون على كيفية التوصل الى صيغة لتطبيق القرار 1701 الذي أنهى حرب 2006 وضمن عملياً الاستقرار لمدة 17 عاماً.

آخر هذه الزيارات أجراها رئيس المخابرات الخارجية الفرنسي، برنار إيمييه، الذي التقى محتلف المسؤولين وقوى سياسية متعددة التوجهات. وبحسب المعلومات، فإن إيمييه جاء الى بيروت بعد زيارة أجراها إلى تل أبيب، بحث خلالها عدم تصعيد المناوشات في جنوب لبنان أو تطورها إلى معركة واسعة، والأهم سبل وقف العمليات العسكرية عندما يحين الوقت.

Ad

هذا التحرك الفرنسي ليس منفصلا عن الرؤية الأميركية التي عبّر عنها المبعوث الرئاسي، آموس هوكشتاين، خلال زيارته الأخيرة الى لبنان، كما أن دولا أوروبية عدة أبرزها ألمانيا تريد تطبيق القرار 1701 بفاعلية، بعد تلويحها بإمكانية سحب كتيبتها العاملة في قوات الطوارئ الدولية بالجنوب.

وبحسب ما تشير مصادر دبلوماسية، فإن الطروحات الدولية كلها تتركز حول شروط العودة إلى وضع يشبه ما كانت عليه الأمور قبل أحداث 7 أكتوبر، مع تأكيد أن أحدا في لبنان ولا في اسرائيل أو الولايات المتحدة لا يسعى للذهاب إلى حرب واسعة.

وتتراوح الرسائل الدولية بين رسائل تصعيدية تضمن تهديدات بأن استمرار المواجهات سيدفع إسرائيل إلى تنفيذ عملية واسعة وضرب أهداف في العمق اللبناني، وبين رسائل تهدئة تشير إلى ضرورة التفاوض حول سبل إرساء الاستقرار ووقف التصعيد.

في المقابل، يتمترس حزب الله خلف موقف مفاده أنه مع توقّف المعارك العسكرية في قطاع غزة، فإن الوضع في جنوب لبنان سيعود إلى الاستقرار كما كان سابقاً، ولا حاجة الى أي بحث في تعديل القرار 1701 أو نقله إلى التطبيق تحت بند الفصل السابع، خصوصاً في تقييم للحزب يفيد بأن الصين وروسيا سيستخدمان الفيتو لإسقاط اي محاولة من هذا النوع في مجلس الأمن، فضلا عن أن الحزب يعتبر إدراج الـ 1701 تحت البند السابع إعلان حرب، فيما تسعى التحركات الدولية الى منع الحرب.

وما طرحه إيمييه في بيروت ليس بعيداً عن طروحات أميركية جرى تقديمها سابقاً، سواء من قبل رئيس المخابرات الأميركية وليم بيرنز قبل سنوات، أو من قبل هوكشتاين، والتي تقترح إيجاد حل للحدود البرية، مما يلغي أي سبب للتوتر بين إسرائيل وحزب الله.

وهنا تجدر الإشارة الى تصريحات هوكشتاين خلال حوار المنامة قبل نحو شهر، عندما أشار الى عدم تعرّض حقل كاريش الغازي البحري لأي صاروخ من حزب الله خلال الحرب، وهو دليل على نجاح وصلابة اتفاق ترسيم الحدود البحرية، ويجب أن يتكرر ذلك باتفاق مماثل بشأن الحدود البرية.

وأحد الاقتراحات هو انسحاب إسرائيل من النقاط الـ 13 المتنازع عليها وتسليمها للبنان، في مقابل إيجاد صيغة لحل وضع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، عبر نشر قوات دولية فيها، بانتظار حسم مسألة ترسيمها نهائياً بين لبنان وإسرائيل وسورية.

وأحد السيناريوهات المطروحة، التي يعمل عليها هوكشتاين، تقوم على 3 طبقات: أولاً، السعي نحو اتفاق ترسيم بري، وثانياً، التفاوض حول صيغة لمعالجة وضع قوة الرضوان العسكرية التابعة لحزب الله على الحدود، على قاعدة إنهاء الظهور المسلح، وثالثاً حصول لبنان على مساعدات مالية. ويبقى السؤال الأساسي هو حسابات إسرائيل وحزب الله بشأن هذا الحل، وكيف يمكن دفعهما باتجاهه.