• كيف تقيّمين الوضع الحالي بغزة، وما الدور الذي تؤديه تركيا في وقف هذه الحرب؟

- ما ألاحظه هو أن المناقشات حول التطورات الأخيرة في غزة غالباً ما تقتصر على أحداث ما بعد 7 أكتوبر، باعتماد البعض على الذاكرة القصيرة المدى. ومع ذلك، ترتبط هذه الأزمة ارتباطاً وثيقاً بالتطورات والعمليات التاريخية التي سبقت ذلك التاريخ. وينبغي على المرء أن يأخذ في الاعتبار أن الفلسطينيين لم يكونوا يعيشون في حالة مثالية في السادس من أكتوبر والوقت الذي سبقه، فهناك عقود من الاحتلال الإسرائيلي، والاضطهاد، والحصار، والسجن خارج نطاق القضاء، والقتل العمد للمدنيين، وبناء المستوطنات غير القانونية، ساهمت مجتمعة في تعزيز بيئة تشكّل وصفة لكارثة.

Ad

وما نشهده حالياً، هو عقاب جماعي على نطاق غير مسبوق على الشعب الفلسطيني،

ومأساة إنسانية خطيرة ذات أبعاد كبيرة. لقد وقع العديد من سكان غزة بالفعل ضحية النكبة عام 1948، ويواجهون عام 2023، أي بعد نحو 75 عاماً، كارثة مماثلة.

وتشكّل هذه الأزمة خطراً جدياً بالامتداد إلى منطقتنا، ولهذا السبب أكد رئيسنا رجب طيب أردوغان في مناسبات عدة أنه لا يمكن ضمان الأمن الإقليمي من دون إيجاد حل عملي للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي.

ومنذ البداية، دأبت تركيا على الدعوة إلى تحقيق المتطلبات الأساسية للسلام، وهي على وجه التحديد وقف فوري لإطلاق النار، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وحصار غزة، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة بالكامل على أساس حدود عام 1967، وأي اقتراح سلام لا يلبي هذه الشروط يعني استمرار هذا الوضع الراهن الخطير.

واقترحنا أيضاً صيغة الضامن في الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، وتتطلّب هذه الصيغة مشاركة دول متعدّدة، بما في ذلك تركيا، للعمل كضامنين فور توصّل الطرفين إلى اتفاق، مع مسؤولية ضمان تنفيذه.

ترويع الشعب الفلسطيني

• وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إسرائيل بأنها «دولة إرهابية ترتكب جرائم حرب وتنتهك القانون الدولي»، وشدد في الوقت نفسه على أن «حماس» حزب سياسي وليست منظمة إرهابية، في وقت يرفض الاتحاد الأوروبي والدول الغربية عودة الحركة الإسلامية لحكم غزة، كيف يمكن حل هذه المعضلة؟

- يمكن تعريف الإرهاب ببساطة على أنه استخدام العنف لتحقيق أهداف سياسية. لقد استخدمت إسرائيل العنف أداة رئيسية لتحقيق هدف سياسي مروّع ألا وهو ترويع الشعب الفلسطيني وترهيبه لتقويض مقاومته للاحتلال. وسعياً لتحقيق ذلك، تسبب ذلك في مقتل أكثر من 15 ألف شخص، من بينهم 6 آلاف طفل، في أقل من شهرين، وهذا يعتبر مثالاً نمطياً للإرهاب.

وفي الوقت الراهن، تجاوز الوضع في غزة نقطة الأزمة، وقد بلغت الإجراءات الإسرائيلية حد جرائم الحرب. إن الاستهداف العشوائي وغير المتناسب للمدنيين، وقصف المستشفيات والمساجد والكنائس، إلى جانب التهجير القسري لنحو مليوني شخص إلى ما يسمى بالمناطق الآمنة، حيث يعانون القصف، وقطع الإمدادات الأساسية، والعقاب الجماعي لجميع السكان - كلها تشكّل جرائم حرب بموجب مفهوم القانون الدولي.

والأمر اللافت للنظر هو أننا في عام 2023 نشهد استخدام الغذاء سلاحاً في الحرب، واستخدام المجاعة شكلاً من أشكال العقاب، ومن الأهمية بمكان الاعتراف بهذه الأفعال باعتبارها انتهاكات للقانون الدولي.

وأخيراً، نحن لسنا ملزمين بقبول المسميات والتصنيفات التي تفرضها علينا الدول الأخرى، كما نرفض مناقشة الوضع في غزة بعد الحرب قبل وقف إطلاق النار.

التهجير القسري

• رفضت تركيا التهجير القسري للشعب الفلسطيني إلى خارج غزة، لكن ما يحدث على الأرض هو العكس. كيف يمكن وقف هذا التهجير وتجنّبه؟

- إن التهجير القسري للأشخاص محظور بشكل صارم بموجب القانون الإنساني الدولي. وقد استخدمت إسرائيل هذا التكتيك لتفريغ الأراضي الفلسطينية من سكانها، وتسهيل احتلالها. إن منع تهجير الناس في غزة هو من صميم جهودنا الدبلوماسية الدؤوبة. لقد رفضت العديد من الدول بشدة الهجرة القسرية للشعب الفلسطيني، فغزة ملك لأهلها، هذه أرضهم وجزء لا يتجزأ من فلسطين.

• وهل يمكن فصل غزة عن القضية الفلسطينية؟

- كما ذكرت سابقاً، فإنّ غزة جزء لا يتجزأ من فلسطين، ويجب أن يكون ذلك غير وارد. تحاول إسرائيل عمداً تصفية قضية غزة بقصد رجعي، ويقع العبء على عاتق الجهات الدولية الفاعلة لضمان سلامة غزة داخل فلسطين ومحاسبة إسرائيل عن أي أعمال تهدف إلى تقويضها.

صمت غربي

• ما تعليقك على التزام الدول الغربية بالصمت التام في مواجهة الوحشية الإسرائيلية بقطاع غزة؟ وهل تعتبرون أن الصمت المستمر على عدم التزام إسرائيل بالقوانين في غزة يعطي الضوء الأخضر لانتهاكات القانون في أجزاء أخرى من العالم؟

- إن «الشيك على بياض» والدعم المادي من الدول الغربية يشكّل الوقود الأغلى لآلة الحرب الإسرائيلية. ولولا الصمت الغربي، لما كان لإسرائيل أن تطلق يدها لارتكاب هذه الفظائع، ومن دون أموال دافعي الضرائب الغربيين، لم تكن إسرائيل لتتمكن من قتل طفل كل 10 دقائق بلا عقاب. ومع ذلك، فإن هذا المعيار المزدوج يؤدي بالتأكيد إلى تآكل شرعية ومكانة العديد من الدول الغربية في جميع أنحاء العالم.

وإضافة إلى ذلك، أثبت هذا العدوان أنه لا يحظى بشعبية كبيرة بين الشعوب الغربية، التي نزلت بشجاعة إلى الشوارع للتعبير عن رفضها لدعم حكوماتها غير المشروط لإسرائيل.