بقايا خيال: بوشهري والقضاء على الواسطة!!
خبر قيام النائبة الموقرة الدكتورة جنان بوشهري بتقديم (مدونة السلوك البرلماني) إلى رئيس مجلس الأمة أحمد السعدون تتضمن واجبات ومسؤوليات أعضاء مجلس الأمة استوقفني لأطرح أسئلة حول «الجدوى الأخلاقية» لهذه المدونة في ظل وجود دستور يتضمن واجبات ومسؤوليات النواب داخل والبرلمان وخارجه، وهي واجبات ومسؤوليات يُجْبَرُ النائب، أخلاقياً على الأقل، على التقيد بها طالما أقسم اليمين الدستورية، وبالله العظيم، حسب المادة 91 من الدستور، أن يكون مخلصاً للوطن والأمير، وأن يحترم الدستور وقوانين الدولة، وأن يذود عن حريات الشعب ومصالحه وأمواله، وأن يؤدي أعماله بالأمانة والصدق، ورغم ذلك نرى انحرافات برلمانية فاضحة أحياناً تناقض ذلك القسم العظيم، فهل ستوقف مدونة السلوك البرلماني «البوشهرية» أي نائب عن اللهاث وراء مصالحه الخاصة، حتى إن أقسم على الالتزام بما جاء في هذه المدونة؟
كل من تقدم، أو سيتقدم، للترشح لعضوية مجلس الأمة يدّعي وطنية طاغية ورغبة جامحة لخدمة الوطن والمواطنين، ثم فجأة وبعد أن ينجح في الوصول إلى البرلمان، يتغير هذا النائب، في الغالب طبعاً، خصوصاً نواب هذه الأيام بمقدار 180 درجة، وكأنهم يرددون (للخلف در)، أو كأنه يردد مقولة فرعون (ما أريكم إلا ما أرى)، ظناً منه أنه يهدي الشعب إلى سبيل الرشاد، فكيف تستطيع هذه النائبة، القوية في أطروحاتها السياسية، والسيدة الرقيقة في ملامحها، أن توقف انطلاقة 50 نائباً وتكبح جماحهم نحو تحقيق مصالحهم المتنوعة التي بينها مصالح خاصة كثيرة.
لا أريد أن أضع العصي في دولاب عربة النائبة جنان بوشهري، لعرقلة انطلاقتها الوطنية، فهي تعرفني شخصياً جيداً، لكنها قد لا تدرك أن هناك من سبقها في مضمار الإصلاح الاجتماعي سعياً لتحقيق الحد الأدنى من الإصلاح السياسي والاقتصادي، ولدينا أمثلة حية على ما نقول، ففي تسعينيات القرن المنصرم كان هناك حديث حول «ميثاق الشرف الصحافي» كان يدور في أروقة المؤسسات الصحافية ومنها جمعية الصحافيين الكويتية، لكنه لم يلق قبولاً عاماً، ولم يطبق منه بند واحد، حتى صار ذكرى وأثراً بعد عين.
وقبل عقدين تقريباً عرض مشروع ميثاق شرف لقطاع التأمين في الكويت، لم يحظ بأي قبول من غالبية شركات التأمين المحلية، بل نال صاحبه انتقاداً أكثر منه قبولاً، وهذا يؤكد أن الكويتيين «مشتهين ومستحين»، أي أنهم يريدون أن يصوموا عن الواسطة ولكن ليس لأربع وعشرين ساعة، ويرغبون كذلك في الإصلاح الشامل، مع ترك فسحة أو خط رجعة للجوء للواسطة إذا لزم الأمر، وبمعنى أدق: طبق القانون على كيف كيفك، وعلى من شئت من المخالفين، بس لا تقترب مني، وإلا فما معنى حشر مادة في كل قوانين الكويت تبيح للوزير أن يستثني من يشاء على كيفه؟
لهذا أقول إننا ككويتيين، ومعنا الوافدون، نعرف جميعاً أن 99.9% منا يلجأ بطريقة أو أخرى إلى الواسطة، حتى إن كنا لا نرضى ظاهرياً بالظلم أو بضياع حق مواطن آخر أو وافد آخر، فأي نائب سيقبل بـ«مدونة بوشهري» في وقت امتلأت فيه مؤسساتنا بموظفين نزلوا على وظائفهم بباراشوت الواسطة بدعم من أولئك الذين ترغب الدكتورة جنان أن تكبح جماحهم؟ ومن هم الذين ينجحون في تحقيق واسطات لعامة الناس باستثناء النواب والوزراء والمتنفذين؟ لا أحد!! لهذا أقول للنائبة الموقرة «هدي اللعب شوي»، وتقدمي بمشاريعك القوية دون الإعلان عنها، لأنها، وإن كانت مطلوبة، ستؤلم الكبار كثيراً، وتذكري جيداً «إذا أردت أن تطاع فاطلب المستطاع».