في الكلمة الافتتاحية للقمّة الخليجية الـ 44، قدّم الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي معالي السيد جاسم البديوي التهاني والتبريكات للإمارات على نجاح مؤتمر الأطراف التابع للأمم المتحدة بشأن تغيير المناخ، وللسعودية على حصولها على تنظيم «إكسبو 2030» تزامناً مع رؤية السعودية 2030، ولقطر على نجاح «إكسبو الدوحة للبستنة 2023» (لغدٍ أخضر)، ولم يكن مفاجئاً عدم وجود شيء كويتي تتم الإشادة به. يزيد من وقع تخلفنا عن الركب الخليجي أن مجلس التعاون الخليجي هو نتاج مبادرة كويتية تقدمية هدفت بالأساس لتطوير الشؤون الاقتصادية والتجارية والمالية والسياحية والمواصلات وغيرها، نابعة من أميرنا الراحل الشيخ جابر الأحمد قبل أن تفقد الكويت نزعتها التطويرية ونظرتها الاستراتيجية بتقهقر.
وفي ختام القمّة التي ارتكزت على محاور السياحة والاقتصاد والمواصلات، تم إقرار إصدار الفيزا السياحية الخليجية الموحدة على غرار «شنغن» الأوروبية، نتوقف هنا، فنحن نفهم ونحترم تطلع الأشقاء الخليجيين لهذا القرار لانسجامه مع طموحهم وسلوكهم بأن تكون دولهم جاذبة للسيّاح من مختلف أنحاء العالم لإيمانهم بالأهمية القصوى لهذا القطاع الكفيل بتوفير فرص عمل لعشرات القطاعات الاقتصادية، وما تصريح ولي العهد السعودي باستهداف المملكة الوصول إلى 150 مليون سائح بحلول عام 2030 سوى ترسيخ واضح لتلك التطلعات بانتهاج سياسة الانفتاح الشجاع، أما مكمن الاستغراب فهو أن تصادق الكويت على هذا القرار على الرغم من انتهاجها في الواقع سياسة شديدة العداء للسياحة وللقطاع الخاص، هذا ليس ادعاء من فراغ، فعلى الرغم من تخلفنا الهائل (بالأرقام) والذي يجعلنا نتذيل مؤشر السياحة الخليجية وبفارق شاسع عن أقرب المنافسين، فإن الكويت تنتهج سياسة أكثر انغلاقاً وتشديداً بأبعد ما يكون عن التطلعات الخليجية، ومن العبث أن نسوق أمثلة لتبيان ذلك، فأي معاملة لاستخراج تأشيرة دخول إلى الكويت كفيلة بتفنيد وعود الكويت، وبواقع عملي في هذا القطاع، ستكون لي وقفات كثيرة عن المسؤولين عديمي المسؤولية والذين يتفننون في المراوغة والتسويف والاستهتار واللا مبالاة، والنتيجة هي خنق القطاع الخاص العامل في السياحة والإجهاز عليه.
يأتي القرار الثاني للقمة الخليجية بالتوجيه بإسراع تنفيذ مشروع القطار الخليجي، كيف يمكن للكويتيين أن يقرأوا هذا القرار بدون السخرية والتهكم، فالقطار الوحيد الذي كان يعمل في الكويت هو قطار الموت في المدينة الترفيهية المرحومة، وهو قطار تم إيقافه منذ زمن طويل سابق حتى لإيقاف المدينة بأكملها، من المفارقات أن نية إنشاء القطار الأول كانت عام 1909 إذ تكشف الوثائق الفرنسية السرية* عن مشروع سكة حديد دولي يبدأ بالمغرب ويقف عند الكويت لكونها أفضل ميناء تجاري خليجي بحسب شهادة تلك الوثائق المحايدة، كان ذلك قبل أن تنقلب نظرة الكويت حكومة وشعباً للتجارة ليصبح لفظ التاجر قريناً بالفاسد في تنكر جاحد لماضينا الذي صنع الكويت من لا شيء، ولم يبق لمسؤولينا في مساعيهم الطامسة سوى تغيير شعار دولة الكويت المرتكز على سفينة البوم التجاري كرمز وفاء للتجارة، وليضعوا بدلاً منها رسمة القطار الكويتي المرتقب!
* كتاب الكويت في عهد الشيخ مبارك الصباح – مختارات من الأرشيف الفرنسي (1896 - 1915)