غداة عرقلة الولايات المتحدة مشروع قرار يدعو إلى هدنة تسمح بوقف الحرب الإسرائيلية المتواصلة على غزة منذ 64 يوما باستخدام حق النقض «الفيتو» في مجلس الأمن الدولي، واصفة إياه بأنه «منفصل عن الواقع، وسيترك «حماس» في وضعها، قادرة على إعادة تنظيم صفوفها وتكرار الهجمات» التي ارتكبتها ضد الدولة العبرية في 7 أكتوبر الماضي، شدد أعضاء اللجنة الوزارية المكلفة من القمة العربية الإسلامية المشتركة الاستثنائية، برئاسة وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، خلال لقاء مع وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في واشنطن أمس، على رفض تقسيم القضية الفلسطينية، ومناقشة مستقبل القطاع المحاصر بشكل منفصل عن القضية الفلسطينية.
وأكد أعضاء اللجنة الوزارية، لبلينكن، مطالبتهم الولايات المتحدة بتحمل مسؤولياتها، واتخاذ ما يلزم من إجراءات لدفع سلطات الاحتلال نحو الوقف الفوري للحرب، معبرين عن استيائهم جراء استخدام واشنطن حق النقض ضد مشروع القرار الذي تقدمت به الإمارات، بهدف فرض هدنة لأسباب إنسانية.
وأعرب أعضاء اللجنة الوزارية عن موقفهم الرافض جملة وتفصيلاً لكل عمليات التهجير القسري، التي يسعى الاحتلال لتنفيذها.
وأشاروا إلى دعوتهم لضرورة الوقف الفوري والتام لإطلاق النار وضمان حماية المدنيين، ووقف المأساة الإنسانية، التي تتعمق كل ساعة، ورفع كل القيود التي تعرقل دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع الذي نزح نحو 85 من سكانه داخليا جراء العمليات العسكرية الإسرائيلية.
وجددت اللجنة الوزارية التأكيد على إيجاد مناخ سياسي حقيقي يؤدي إلى حل الدولتين، وتجسيد دولة فلسطين على خطوط عام 1967، معربين عن رفضهم لتجزئة القضية الفلسطينية ومناقشة مستقبل القطاع، الذي سيطرت عليه «حماس» في 2007، بمعزل عن القضية الفلسطينية.
من جهته، قال بلينكن إنه ناقش الجهود المبذولة لتخفيف الأزمة الإنسانية في غزة مع الوفد الذي ضم، بالإضافة إلى بن فرحان، رئيس مجلس الوزراء القطري، محمد عبدالرحمن آل ثاني، ونائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، ووزير خارجية مصر سامح شكري ونظيره بالسلطة الفلسطينية رياض المالكي، ووزير الخارجية التركي هاكان فيدان.
وأضاف بلينكن بحثنا «هدفنا المشترك المتمثل في إنشاء دولة فلسطينية مستقبلية إلى جانب إسرائيل»، خلال اجتماعه يوم الجمعة مع وزراء الدول العربية وممثلي السلطة الفلسطينية، لكنه لم يذكر وقف إطلاق النار.
بن فرحان وبلينكن
وفي لقاء ثنائي، استعرض بن فرحان مع بلينكن العلاقات بين المملكة والولايات المتحدة، كما جرى مناقشة التطورات في قطاع غزة ومحيطها، وأهمية اتخاذ جميع الخطوات العاجلة لوقف إطلاق النار، وبذل كل الجهود الممكنة لخفض وتيرة التصعيد، وضمان عدم اتساع رقعة العنف لتلافي تداعياته الخطيرة على الأمن والسلم الدوليين.
وفي تصريحات منفصلة خلال لقاء متلفز، أكد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان أن ما يجري في القطاع الآن أشبه بمذبحة لم يسبق لها مثيل.
وأعرب عن اختلافه مع موقف أميركا بشأن عرقلة الهدنة، وقال: «لسوء الحظ نرى أن وقف إطلاق النار بات كلمة سيئة، ولا أستطيع أن أفهم ذلك».
وبسؤاله عن مستقبل غزة في أعقاب حرب إسرائيل، شدد الأمير فيصل بن فرحان، على أنه «لا يمكن الحديث عن مستقبل غزة دون الحديث عن فلسطين كلها»، وقال «إنه موقف موحد للعالم العربي. لقد قلنا إنه لا يمكننا الحديث عن المستقبل دون إنهاء القتال، لأننا لا نعرف، ماذا يعني المستقبل، كيف يبدو؟ كيف تبدو غزة؟».
ونفى بن فرحان أن يكون للسعودية أو لأي من الدول العربية «خطاب مزدوج»، إذ قال المحاور، نيك شيفرين، إن مسؤولين غربيين أبلغوه أن هناك خطاباً مختلفاً في السر بشأن «تدمير حماس». وتابع: «أنا فخور بأن ما نقوله في العلن وفي السر، هو الشيء نفسه، لا أستطيع أن أقول الشيء ذاته عن بعض مخاطَبينا الغربيين».
انتقادات واسعة
في غضون ذلك، توالت ردود الفعل الدولية المنددة بإجهاض واشنطن مشروع مجلس الأمن الدولي الذي كان يدعو إلى وقف فوري لإطلال النار بغزة، ويطالب بإطلاق سراح الرهائن المحتجزين في القطاع فوراً وبدون شروط، وكذلك السماح بوصول المساعدات الإنسانية.
وصرح رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بأن «الفيتو عدواني وغير أخلاقي، وانتهاك صارخ لكل القيم والمبادئ الإنسانية»، قال عضو المكتب السياسي لـ«حماس» عزت الرشق، إن «عرقلة أميركا صدور قرار بوقف النار، مشاركة مباشرة للاحتلال في قتل أبناء شعبنا، وارتكاب المزيد من المجازر والتطهير العرقي».
واتهم النائب الأول للمندوب الروسي الدائم بالأمم المتحدة ديمتري بوليانسكي واشنطن بـ«التواطؤ في المذبحة رغم قولها الكثير من الكلمات الجميلة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان».
من جانبها، أعربت الصين عن «خيبة أملها وأسفها الشديدين» جراء خطوة واشنطن التي «تظهر ازدواجية المعايير». ووصفت النرويج العجز عن وقف الحرب بأنه «أمر مأساوي»، فيما تساءل الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، مستنكرا عن «عدالة القرار الأميركي».
العملية الإنسانية تنهار
وفي وقت حذر مسؤول بالأمم المتحدة من أن نصف سكان غزة يتضورون جوعا والعملية الإنسانية تنهار، مطالبا بفتح كل المعابر التي يتحكم فيها الاحتلال لإدخال المساعدات، وعدم الاكتفاء بمعبر رفح مع مصر، حذرت القاهرة الدولة العبرية والولايات المتحدة من نزوح الفلسطينيين من غزة، بحثاً عن ملجأ في شبه جزيرة سيناء، مشيرة إلى أن «مثل هذا النزوح قد يتسبب في تمزق في العلاقات بين مصر وإسرائيل».
وأمس، نقلت هيئة البث الإسرائيلية «مكان»، عن مصادر سياسية قولها، إنه لا خطة لإجلاء سكان القطاع إلى منطقة رفح الفلسطينية بالقرب من الحدود المصرية.
وتوقعت الهيئة أن توافق إسرائيل على إنشاء 4 مستشفيات ميدانية في غزة تقيمها تركيا، ومصر، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، ومنظمة «أطباء بلا حدود».
5 مناطق وأسرى
ميدانياً، دعا الجيش الإسرائيلي سكان 5 مناطق في شمال ووسط وجنوب غزة إلى الإخلاء الفوري، وسط معارك شرسة مع عناصر حركتي «حماس»، و«الجهاد» على عدة محاور في مقدمتها خان يونس جنوبي القطاع والشجاعية بالشمال.
وتسببت غارات إسرائيلية مكثفة في مقتل 160 فلسطينياً في خان يونس ودير البلح ورفح، وإصابة نحو 200 في وسط غزة.
في المقابل، أعلنت كتائب القسام، الجناح العسكري لـ«حماس»، أنها تمكنت خلال الـ24 ساعةً الماضية، من تدمير 21 آليةً عسكريةً، وقالت إنها أفشلت محاولة لتحرير جندي أسير يدعى ساعر باروخ أودت بحياته، إضافة إلى قتل وإصابة عدد آخر من «الأسرى الصهاينة» بسبب «القصف الهمجي لمناطق غزة».
وأطلقت الفصائل رشقات صاروخية على بلدات غلاف غزة الإسرائيلية، بالإضافة إلى عسقلان وتل أبيب.
من جانب آخر، برر متحدث باسم الحكومة الإسرائيلية في تصريحات لـ«CNN» انتشار صور تظهر العشرات من الأسرى الفلسطينيين وهم عراة، باستثناء الملابس الداخلية، بالقول إن «الجيش يعتقل من هم بسن الشباب بشمال غزة لكونهم مؤهلين للقتال ويحقق معهم، ويطلق سراح غير المسلحين وغير المرتبطين بحماس».
وفي وقت سابق زعمت إسرائيل أن المعتقلين مسلحون في «حماس».
مرحلة انتقالية من 18 شهراً... ورحيل نتنياهو
قال إيهود أولمرت، رئيس وزراء إسرائيل الأسبق في تقرير نشرته «فورين بوليسي» يضم مقالات لعدة خبراء، حول النهاية المتوقعة لحرب غزة، إنه «على حكومة بنيامين نتنياهو أن ترحل فوراً، لأن ايقاف الحرب يتطلب خطوات جريئة هذه الحكومة عاجزة عن القيام بها».واقترح أولمرت «مرحلة انتقالية في غزة، تستمر 18 شهراً تقود خلالها الامم المتحدة بموجب الفصل السابع من ميثاقها عملية بناء السلطات المدنية وأنظمة الحكم في القطاع، على أن تتولى الأمن قوة دولية من الناتو، لرفض أي طرف عربي تولي الأمن في غزة بحال انسحاب الجيش الإسرائيلي». وبحسب أولمرت، «يجب على دولة إسرائيل أن تعلن أنه فور توقف الحملة العسكرية، ستبدأ المحادثات مع السلطة الفلسطينية على أساس حل الدولتين في إطار مبادرة السلام العربية»، مشيرا الى أن «القضاء على حماس سيستغرق وقتًا أطول مما سيكون قادة المجتمعات الغربية على استعداد لتحمّله».
إصابة 5 آلاف جندي إسرائيلي |
أفاد موقع «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلي، أمس، بأن نحو 5 آلاف من جنود الاحتلال أُصيبوا من بداية الحرب الحالية على غزة، لافتاً إلى أن مراكز التأهيل تستوعب نحو 60 مصاباً جديداً يومياً. ولفت الموقع إلى أن هناك نحو 2000 جندي اعتُرِف بهم على أنهم أصحاب إعاقات جراء خدمتهم العسكرية، فيما سيظهر «تسونامي الصدمة» لاحقاً. ويتوافق هذا العدد مع ما كانت قد نشرته صحيفة «هآرتس» في الأيام الأخيرة، التي أشارت بدورها إلى إصابة 2000 جندي في غزة، وهو الرقم المعترف به حتى الآن. |