أنت ما فيه شي عاجبك!

نشر في 11-12-2023
آخر تحديث 10-12-2023 | 20:46
 د. محمد الدويهيس

التقى أحد الأصدقاء المعروف عنه الصدق وعدم المجاملة والمتخصص في الاقتصاد مع أحد كبار المستشارين في الدولة الذي يتصف بالتزلف والتقرب من أصحاب السلطة والقرار، ودار بينهما الحوار التالي حول أحد المشاريع الكبرى:

المستشار: هاه، ما رأيك في المشروع العملاق الذي يتحدث عنه أغلب من زار البلاد؟!

الصديق: هذا المشروع الذي ترى أنه عملاق، مشروع فاشل وخال من أغلب الأسس الاقتصادية والتنموية!!

المستشار: هذه عادتك لا يعجبك العجب ولا الصيام في رجب!!

الصديق: ولماذا تتهمني بذلك؟!! هذا المشروع رغم جمال شكله وتصميمه الخارجي فإنه يتعارض مع الأسس الاقتصادية والكفاءة والعائد الاقتصادي على البلد!! بل إن هذا المشروع الذي تعتقد أنه عظيم يتعارض مع مبادئ الإدارة العلمية، ويزيد سياسة الاحتكار، ويفرض سيطرته على المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ويحد من مبدأ تكافؤ الفرص، ويقلل من فرص مساهمة الشباب، ويقتل الإبداع الشبابي!! هذا المشروع يكرس ويعيد عهد الإقطاعيين في عصر الحوكمة والحريات الاقتصادية وانفتاح الأسواق والتكامل الاقتصادي بين قطاعات الدولة المختلفة والمجتمع.

المستشار: صحيح أن هذا المشروع قد احتكر وسيطر على أغلب المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ولم يعط فرصة للشباب، لكنه مشروع متميز ليس في الكويت فقط، بل على مستوى الشرق الأوسط!

الصديق: الدولة تتجه واقعياً إلى قتل طموح وإبداعات الشباب الكويتيين من خلال إسناد كثير من المشاريع الحكومية إلى بعض التجار ورجال الأعمال الذين يستفيدون من التسهيلات والدعم والمميزات الحكومية مثل الأراضي والكهرباء، وعدم وجود الضرائب الحكومية التي لو تم احتسابها لاتضح مدى فشل وخسارة هذه المشاريع!!

المستشار: ولكن هذه الأموال والدعومات بكل أشكالها تذهب لمواطنين لا أجانب!!

الصديق: نعم مواطنون لكنهم يأخذون من المواطن ولا يعطونه بالمقابل!!

المستشار: وكيف ذلك؟! يكفي أنهم أقاموا هذه المشاريع العملاقة!!

الصديق: أنت ومن حولك من أصحاب السلطة والتجار ورجال الأعمال المستفيدين من هذه المشاريع بشكل مباشر أو غير مباشر هم فقط من يعتقدون أن هذه المشاريع عملاقة!! وفي قرارة نفس بعضهم يعرف تمام المعرفة أنها مشاريع جوفاء وفاشلة اقتصادياً، ولولا المميزات والدعم والتسهيلات الحكومية لأعلنت إفلاسها!

المستشار: إنت ما في شي يعجبك؟!!

الصديق: نحن تعجبنا الأشياء عندما تكون حقيقية وغير مضخمة وشفافة وتحقق العدل والمساواة بين المواطنين، وتمنح مبدأ تكافؤ الفرص، وتشجع الإبداع والابتكار للشباب الجادين، وتقضي على الشللية والاحتكار، وتحد من الفساد وتعارض المصالح وتزيد الشفافية والنزاهة!

المستشار: أعرف أنك مواطن صالح وصادق ومحب لوطنك!

الصديق: أعرف أنك تعرف أنني مواطن صالح!! وأعرف أنكم تحبون المواطنين الصالحين المطيعين ولكن أعرف جيداً أنكم لا تحبون المصلحين!! وتحاولون التقليل من تأثيرهم عليكم وعلى مصالحكم الزائلة بوصفكم لهم بالعديد من الأوصاف السلبية!!

انتهى الحوار اللفظي بين الصديق والمستشار، أما لغة الجسد Body Language فقد نطقت بالشيء الكثير!!

ودمتم سالمين.

back to top