1- تبنى الدستور الكويتي النظام البرلماني، الذي يعرف في كنفه ما يسمى «ثنائية رئاسة السلطة التنفيذية»، فسمو الأمير وفقاً للمواد 52,54,56,57,58 من الدستور هو رئيس للسلطة التنفيذية ورئيسها إلى جوار رئاسة رئيس مجلس الوزراء أيضاً، بل الأمير هو رئيس لرئيس الوزراء وللوزراء بحكم أنه هو من يقوم بتعيينهم وفقاً للمادة 56 من الدستور، ويعيد تعيينهم مع بداية كل فصل تشريعي وفقاً للمادة 57 من الدستور، وثقته بهم تكفي، ولا تحتاج الحكومة عند تشكيلها لثقة البرلمان «وهذا مظهر للنظام الرئاسي في الدستور الكويتي».
ومن ثم، يملك سمو ولي العهد حينما يتولى اختصاصات الأمير عند الإنابة عنه، وفقاً للمادة 61 من الدستور، أو بناء على استعانة سمو الأمير به للقيام ببعض أعماله، كما هو بالوقت الراهن ومنذ سنتين تقريباً وفقاً للأمر الأميري الصادر في 15 نوفمبر 2021 بالاستعانة بولي العهد، الاختصاص نفسه.
2- إن الأمير بحكم رئاسته لرئيس مجلس الوزراء والوزراء يقوم بمنحهم ثقته، ويكونون مسؤولين أمامه سواء كانت مسؤولية جماعية، أو مسؤولية فردية، رئيس الوزراء أو الوزراء، كل على انفراد، ويملك محاسبتهم، استناداً للمادة 58 من الدستور، فسموه، وفقاً لهذه السلطة (والمستمدة من بعض سمات النظام الرئاسي الذي تبناه الدستور)، يملك توجيههم وأمرهم ومحاسبتهم شفاهة أو كتابة وفقاً لتقديره في اختيار كيفية القيام بذلك عن طريق رئيس الوزراء أو من قبله مباشرة، بل وقد يقوم بإعفائهم من الاستمرار في المنصب الوزاري متى ما فقد أي منهم ثقته أو لم يقوموا بواجباتهم أو لم يلتزموا بأوامره وتوجيهاته، بما في ذلك رئيسهم نفسه، وقد حدث هذا لدينا ثلاث مرات بإعفاء وزير العدل، ووزير الدفاع، ووزير الداخلية، بأمر أميري منفرد حينما كان هناك حرج أو مبرر لعدم اشتراك رئيس الوزراء في هذا الإجراء.
ومن ثم يملك ولي العهد حينما يتولى اختصاصات الأمير عند الإنابة عنه وفقاً للمادة 61 من الدستور أو بناء على استعانة الأمير به للقيام ببعض أعماله، كما هو بالوقت الراهن، ومثلما أشرنا إليه سابقاً، هذا الاختصاص أيضاً.
3- إن الأمير يملك إعفاء رئيس الوزراء ووزرائه بأي وقت شاء دون قيد أو سبب، وإنما بإرادته المطلقة وفقاً للمادة 56 من الدستور، وهو من يقرر ذلك، تقديراً لمصلحة البلاد العامة أو لأي اعتبار آخر.
4- وعليه، فدستورياً، وهو ما يحدث عادة، يملك الأمير توجيه وزرائه شفوياً كجزء من سلطته وصلاحياته لمنحهم ثقته واستمرارها، ومحاسبتهم وفقاً للمواد 56 و57,58 من الدستور، وتعليقات متفرقة بشأن الموضوع ذاته بالمذكرة التفسيرية للدستور بشأن ما للأمير من سلطة تجاه الوزراء، ومن ثم - وكما أسلفنا- تنتقل هذه السلطة لولي العهد بحكم التفويض.
5- وعليه: هل يملك الأمير، ومن ثم ولي العهد، إصدار تلك التوجيهات بشكل مكتوب؟
الرأي الأرجح، وفق المعطيات الدستورية، هو نعم، خصوصاً أن تلك التوجيهات أو القرارات أو الأوامر تكون موجهة للوزراء، مجتمعين أو منفردين، وهي تسري على كل الأجهزة التنفيذية التابعة لهم والتي تتقيد بذلك التوجيه أو تلك القرارات.
6- وتبقى الأداة محلاً للسعة والاختيار وفقاً لإرادة سمو الأمير أو سمو ولي العهد حسب الأحوال، فلئن كانت الأوامر الأميرية والمراسيم الأميرية تستخدم بأحوال معينة وبإجراءات محددة، فإن ذلك لا يسري على التوجيهات والأوامر والقرارات التي تصدر من سمو الأمير كرئيس لمرؤوسيه، فله أن يصدرها شفوياً أو كتابة، والكتابة أفضل لأن العلم بها يكون محققاً وجازماً.
والأداة يُترك تقديرها للأمير، فالتوجيه أو القرار أو التكليف أو الأمر، وغيرها ممكن، وعليه فإن القرار - في الحالة الراهنة - الصادر من ولي العهد بتاريخ 5 ديسمبر 2023 والمنشور بالجريدة الرسمية بالعدد 1664 بتاريخ 6 ديسمبر، هو الأداة المنطقية لمثل تلك التوجيهات حتى لا يبرر أياً كان بعدم العلم بها لأنها صدرت شفوية. خصوصاً أن الأمير وفقاً للمادة 52 وغيرها من مواد الدستور هو رئيس السلطة التنفيذية.
7- وإذا أخذنا بالاعتبار وجود مظاهر للنظام الرئاسي في الدستور الكويتي، فإن ذلك القرار لا يتعارض والدستور الكويتي بل يعتبر صحيحاً ومتوافقاً معه، ويكون سليماً دستورياً، إن دعت له مقتضيات المصلحة العامة للدولة، كما ورد بالقرار، أو لأي سبب آخر وفقاً لتقديرات سمو الأمير أو سمو ولي العهد، كما أشرنا أعلاه.
وللحديث تتمة.