أحدث الأخبار المفرحة في عالم الصحافة الاستقصائية خرجت من بيروت هذا الأسبوع، فقد أطلقت الجامعة اليسوعية في لبنان «الدبلوم الجامعي في الصحافة الاستقصائية» وهو الأول من نوعه في لبنان وربما في العالم العربي، وسيشكل إضافة نوعية لهذا الحقل وسيحفز الطلبة على إظهار مهاراتهم وإبرازها بتقديم محتوى شيق ومهني ويعمل على تأهيل صحافيين متمرسين يبحثون عن الحقيقة.
هذا الحدث تزامن مع انطلاق فعاليات «ملتقى أريج» السادس عشر في الأردن وبمشاركة نحو 600 صحافي وصحافية تحت شعار «التعاون العابر للحدود في عالم مقسم». شبكة «أريج» باتت من أهم المؤسسات والمرجعيات في عالم الصحافة الاستقصائية على المستوى العربي، أعلنت الجوائز السنوية للصحافة الاستقصائية العربية لعام 2023، وتنافس عليها 149 تحقيقاً من 16 دولة. ما يميز هذه الجوائز أن أريج تكشف وتوزع تلك التحقيقات وتعلن القائمين عليها وتتيحها للقارئ ومن يرغب في عكس بعض المؤسسات الإعلامية الخليجية التي تكتفي بإعلان أسماء الفائزين وصورهم ومقدار حجم الجائزة المالي.
تحقيق الصحافة الاستقصائية ليس بالأمر السهل، بل يتطلب جهداً أو تعاوناً بالغين سواء بعدد المشاركين أو الجهات التي تساعد في تقديم وتدقيق المعلومات، والأهم أنه يحتاج إلى أشهر وربما سنوات لإعداده والانتهاء منه، وعلى تمويل غير عادي من الصحيفة أو التلفزيون أو المنصة التي تنشر هذا التحقيق، ولكل تلك الأسباب ما زال هذا النوع من التحقيقات الاستقصائية غائباً عن الصحف العربية التقليدية، بل نراه أكثر في المنصات والمواقع الإلكترونية والفضائية إلى حد ما.
استوقفني تحقيقان استقصائيان استعرضتهما «أريج» في دورتها السادسة عشرة ونشرتهما في موقعها الإلكتروني: الأول، تحقيق عابر للحدود لمجموعة من الصحافيين الاستقصائيين بعنوان «في خدمة البنتاغون.. انتهاك حقوق العمالة المهاجرة في القواعد الأميركية»، كشف انتهاكات حق العمالة المهاجرة في معسكرات للجيش الأميركي في دول خليجية من بعض الشركات المتعاقدة مع وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) واستمرار حصول هذه الشركات على عقود بملايين الدولارات رغم الانتهاكات خلافاً للقوانين والسياسات الأميركية، وحصد هذا التحقيق سبع جوائز أميركية ودولية مشاركة بين «أريج» والاتحاد الأوروبي للصحافيين الاستقصائيين مع جريدة «واشنطن بوست».
المساهمون في التحقق 7 صحافيين يعملون في مواقع وصحف ومؤسسات مختلفة وهو إنتاج مشترك بين عدة مجموعات من بينهم إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج).
https://arij.net/investigations/labor-trafficking/
أما التحقيق الثاني والفائز بالجائزة الفضية فكان بعنوان «سجناء التدوير.. تعطيل ممنهج لمجرى العدالة في مصر» أعده صحافي مصري انتحل اسماً مستعاراً (إيزيس قاسم) نشر بالمشاركة بين «أريج» وموقع المنصة، أظهر خمس حالات تدوير لسجناء من قضية إلى أخرى، من دون أن توجه لهم اتهامات بإرتكاب وقائع محددة، مما أدى إلى إطالة حبسهم شهوراً وسنوات خلافاً للقوانين.
https://arij.net/investigations/recycling-egypt/
هذا النوع من تحقيقات الصحافة الاستقصائية يشكل قيمة مضافة وذات مصداقية كبيرة للصحافة كأداة إعلامية لرفع مستوى الوعي وفي الوقت نفسه تعكس صورة حقيقية لقضايا مجتمعية لا أحد يجرؤ على الاقتراب منها، إما لخطورتها وما تسببه من مخاطر على حياة أصحابها، وإما لكلفتها المالية الباهظة، أو لتجنب المؤسسات الإعلامية التقليدية في العالم العربي الخوض في مثل تلك الملفات الصعبة.
سمعنا عن تدوير النفايات لكننا لأول مرة نسمع عن تدوير السجناء! ولولا هذا النوع من الصحافة الاستقصائية لما كنا نملك معلومات ومعرفة عن «الظاهرة المخيفة» وهذا نظام اتبعته السلطات المعنية لعدم الإفراج عن السجناء السياسيين ممن ترغب في بقائهم محبوسين رغم انتهاء فترة حبسهم!
***
الكتاب ليس ممنوعاً
أعتذر عن الخطأ الذي وقعت فيه في مقال الأسبوع الماضي وكان بعنوان «قراءة في كتاب ممنوع» للباحث عبدالرحمن الإبراهيم بتاريخ 6/ 12/ 2023، فقد تبين لي أنني كنت ضحية معلومة غير صحيحة والكتاب ليس ممنوعاً بل إن المنع لكتابين آخرين لهما علاقة بالبدون.