«أنا أقبل تفويض الشعب، الآن سنستعيد الحقوق التاريخية لفنزويلا في مقاطعة إيسيكويبو»... بهذه الكلمات الصارمة تحدث رئيس فنزويلا نيكولاس مادورو، ليثير المخاوف بشأن تصعيد الأزمة التاريخية مع دولة غيانا «غويانا» المجاورة.
وبعد هدوء دام سنوات طويلة، كان الصراع على النفط في بؤرة التصعيد الأخير بين الدولتين الواقعتين في أميركا الجنوبية.
اشتعال الخلاف الحدودي
وأصدر رئيس فنزويلا أمرا إلى الشركات الحكومية باستكشاف احتياطيات النفط والمناجم في مقاطعة إيسيكويبو الواقعة تحت سيطرة دولة غويانا المجاورة، واقترح قانوناً لمنع جميع الشركات التي تعمل بامتيازات من جانب غويانا من أي تعاملات، مع منحها مهلة ثلاثة أشهر للانسحاب من المنطقة بعد إقرار القانون، كما أمر بنشر خرائط جديدة لفنزويلا تظهر المقاطعة كجزء من أراضيها.
وجاءت قرارات مادورو بعد قيام حكومته بتنظيم استفتاء شعبي حول المطالبة بثلثي أراضي جاراتها، حيث صوت 95% من المشاركين لمصلحة خمسة أسئلة بشأن مقاطعة إيسيكويبو، ما يشمل إنشاء دولة جديدة تشمل المنطقة، ومنح الجنسية الفنزويلية لسكان المقاطعة، ورفض اختصاص محكمة العدل الدولية لمناقشة النزاع.
وأثار خطاب مادورو العدائي المخاوف من أن فنزويلا قد تستخدم القوة للاستيلاء على منطقة إيسيكويبو التي تسيطر عليها غويانا.
على الجانب الآخر، رد رئيس غويانا عرفان علي بقوله إنه سيرفع الأمر إلى مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية، مشددا على أن قوات الدفاع في حالة تأهب قصوى.
من جانبها، اتخذت الولايات المتحدة جانب غويانا في الصراع، حيث أبدى البيت الأبيض دعمه الكامل لسيادة الدولة، مع القيام بتدريبات عسكرية مشتركة مع قوات غويانا، بينما أرسلت البرازيل -التي تمتلك حدودا مشتركة مع فنزويلا وغويانا- قوات إضافية إلى المنطقة الحدودية، مع مطالبة الجانبين بتجنب توسيع نطاق الصراع.
خلفية تاريخية للصراع
ويعود النزاع حول مقاطعة إيسيكويبو بين فنزويلا وغويانا إلى أكثر من قرن من الزمن، ففي عام 1899 منحت محكمة تحكيم دولية تبعية مقاطعة إيسيكويبو إلى بريطانيا، عندما كانت غويانا لا تزال تحت حكمها الاستعماري.
وعارضت فنزويلا هذا القرار منذ ذلك الحين، بدعوى أن المقاطعة تعتبر حقا أصيلا لها، وأنها كانت داخل حدودها خلال الفترة الاستعمارية الإسبانية، رافضة الحدود التي رسمها المحكمون الدوليون آنذاك.
وأشارت إلى أن نهر إيسيكويبو إلى الشرق من المنطقة يشكل حدوداً طبيعية معترفا بها منذ عام 1777، لكن غويانا ترى أن الاتفاق قانوني وملزم، حيث إن حدود إيسيكويبو تم تحديدها قبل أكثر من قرن، وطلبت من محكمة العدل الدولية عام 2018 أن تقضي بهذا الأمر، وظل الصراع خامدا لفترة طويلة، لكن الأمر تغير مؤخرا بعد اكتشافات نفطية ضخمة في المنطقة الغنية بالخام.
دور النفط في الأزمة
وتبلغ مساحة مقاطعة إيسيكويبو نحو 160 ألف كيلومتر مربع، حيث تعادل نحو ثلثي مساحة غويانا الإجمالية، كما يبلغ عدد سكانها نحو 125 ألف شخص من إجمالي سكان غويانا البالغ 800 ألف نسمة، وتعتبر المقاطعة موطنا لمساحات كبيرة من غابات الأمازون المطيرة، وهي منطقة غنية بالمعادن، وتحتوي على رواسب هائلة من الذهب والنحاس.
وفي عام 2015، ارتفعت قيمة المقاطعة بشكل كبير، بعد أن اكتشفت شركة إكسون موبيل كميات كبيرة من النفط قبالة سواحلها، وتشير تقديرات إلى أن منطقة ستاربروك في مياه غويانا تمتلك احتياطيات نفطية تبلغ نحو 11 مليار برميل، ما جعلها الأعلى في العالم من حيث نصيب الفرد.
وبدأت غويانا تنظيم عطاءات لبيع حقوق تنقيب عن النفط في إيسيكويبو خلال أغسطس الماضي. وتعمل «إكسون موبيل» حالياً على زيادة الإنتاج في منطقة ستابروك البحرية الواقعة في مقاطعة إيسيكويبو. واحتج الرئيس الفنزويلي على التراخيص الممنوحة في منطقة لم تحدد محكمة العدل الدولية رسمياً تابعيتها حتى الآن.
وقال المحامي الدولي راموز إسكوفار ليون إن أمر مادورو لشركات النفط الفنزويلية ببدء استكشاف النفط في منطقة إيسيكويبو سيكون صعب التنفيذ، معتبرا أنه بشكل نظري يمكن منح التراخيص، لكن التنفيذ غير مضمون.
من جانبه، طلب نائب رئيس غويانا بهارات جاغديو من الشركات الأجنبية عدم الالتفات إلى تصريحات رئيس فنزويلا، مشددا على أن الشركات تعمل بشكل قانوني في المنطقة.
وتمتلك فنزويلا وغويانا كميات ضخمة من النفط الخام، سواء فيما يتعلق بالإنتاج الحالي أو الاحتياطات المؤكدة، ولدى فنزويلا أكبر احتياطي مؤكد من النفط الخام في العالم بنحو 300 مليار برميل، لكن يظل استخراج هذا النفط أمرا صعبا بالنظر إلى معاناة البلاد من سوء الإدارة والعقوبات الاقتصادية.
وعانت فنزويلا في السنوات الماضية أزمة اقتصادية حادة، تشمل التضخم الجامح وانهيار العملة المحلية وارتفاع معدل الفقر ونزوح ملايين الأشخاص إلى الدول المجاورة.