وصول أول بعثة يابانية إلى الكويت عام 1880م
ترجع بداية العلاقات الكويتية - اليابانية إلى زمن مبكر جداً منذ عام 1880م، لاسيما مع بعثة ماساهارو يوشيدا، عندما قامت حكومة ميجي Meiji بإرسال ماساهارو يوشيدا إلى تركيا، وبلاد فارس، والخليج العربي، لدراسة الوضع العام، وإعطاء تصوُّر عن الفرص التجارية السانحة في تلك المناطق، ورافقه في تلك الرحلة يوكوياما ماجويتشيرو، ومترجم هندي يُدعى رامشاندرا. وقد رافقهم في رحلتهم، لكن على ظهر سفينة «هيي»، نويوشي فوروكاوا، وكان نقيب مهندسي الجيش، ونائب ماساهارو يوشيدا. وقد ذكر الأخير في كتابه الموسوم «سفريات إلى بلاد فارس» أن السفينة كانت تُدعى «هيي»، وقد غادرت اليابان في مهمتين، هما:
الأولى: اكتساب الخبرة اللازمة للملاحة البحرية في المحيط الهندي.
الثانية: توفير التسهيلات لبعثة «ماساهارو يوشيدا»، من خلال إمدادها بما تحتاجه من الموانئ الرئيسية في الخليج العربي.
ولعل من المناسب ذكره أن «هيي» تُعد إحدى السفن الثلاث التابعة للقوات البحرية للإمبراطورية اليابانية، أي أن رحلة ماساهارو يوشيدا كانت تحظى بدعم الحكومة اليابانية، حتى إنهم وصلوا إلى الكويت، والحديث عن يوشيدا ويوكوياما، فكانا أول من يزور الكويت من اليابانيين.
يقول يوشيدا في كتابه: «وصلت سفينتنا إلى ميناء يُدعى الكويت يقع على مصب النهر العربي، وقد وقعت أحداث غريبة على متن السفينة حرَّكت فضولي، فقد كان على متن السفينة أمير الكويت، الذي عاد إلى بلده بعد زيارة بومباي بصحبة ولديه، وكان الأمير ضخماً، ويضع على رأسه عمامة مصنوعة من خيوط ذهبية، وكان يرتدي عباءة بنية اللون مصنوعة من وبر الأغنام البرية، وهي عبارة عن ثوب طويل من دون ياقة مع حواف كم سفلية واسعة. وعندما يحين وقت الطعام كان يجلس على كعبيه على سجادة يأمر بفرشها، ليأكل بيده الرز واللحم، ومرق الكاري المُعد في طبق كبير، وبمجرد أن توقفت السفينة في المرسى المخصص لها اقترب صندلان من السفينة لتحية الأمير، وكان يجلس في وسطهما أكثر من عشر نساء يغطين وجوههن بالكامل، كما لو كُن نساء يابانيات يرتدين «كازكي» (قطعة قماش كانت النساء اليابانيات يغطين بها وجوههن عندما يخرجن للنزهة في العصور القديمة). وبما أنهم قاموا بإنزال مئات الصناديق من القطن والحبوب في الصندلين، فمن المرجح أن المباني البعيدة على ضفاف الأنهار الصفراء عبارة عن مخازن تجارية. وأكملنا رحلتنا إلى مصب النهر العربي، ويطلق عليه السكان المحليون اسم (شط العرب)».
وكانت لتلك الرحلة آثار كثيرة جعلتها حاضرة ومسجلة خلال فترة «ميجي»، وتؤكد المصادر والمراجع أن اليابان كانت حاضرة في منطقة الخليج العربي، وأن العلاقات التجارية بين الشرق والغرب كانت لا تزال في المراحل الاستكشافية الأولى، ويبدو من المناسب ذكر أن الشاي وديدان القز قد بدأ تصديرهما من اليابان إلى الشرق الأوسط في تلك الفترة.
افتتاح خطوط التجارة (1883 - 1934م)
بدأت التجارة بين البلدين في مرحلة مبكرة جداً من عام 1875م، عبر افتتاح أول طريق تجاري بحري من اليابان، حيث قامت شركة «Yupin Kesen Mitsubishi Ltd» بافتتاح طريق تجاري بحري جديد بين يوكوهاما وشنغهاي، إلا أنه يمكن اعتبار عام 1893م هو عام الافتتاح الرسمي للخطوط التجارية التي تصل من خلالها إلى منطقة الخليج العربي، إذ افتتحت شركة «NYK» طريق بومباي، وافتتحت أيضاً الطريق المزدوج لرحلات أسبوعية بين اليابان وأوروبا، حيث كانت السفن تمرُّ بعدن، والسويس، وبورسعيد، وهي موانئ عربية في الشرق الأوسط، مما يعني زيادة الخطوط التجارية في محاولات توسعية للنشاط التجاري الياباني، آنذاك، عبر مراحل وخطوات متسلسلة. ويذكر في كتاب الحوليات الإحصائية للإمبراطورية اليابانية الثاني المنشور عام 1883م أن السلع الرئيسية التي تم تصديرها من اليابان عام 1881م كانت: الحرير، والشاي، والفحم، والكارفور، والأعشاب البحرية المجففة، والخزفيات الخشبية، والفخاريات، كما ذكر التقرير أيضاً الكبريت، والخزف الصيني، والخزفيات الملونة.
وبذلك، تُعد البضائع اليابانية قد وصلت إلى الخليج العربي بواسطة طريق بومباي وعدن، إلا أن التوسع أخذ مكانه، إذ تشير إلى الارتفاع الملحوظ أثناء الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918م)، لأن الدول الأوروبية لم يكن بوسعها تصدير السلع، في ظل الحروب الشرسة، لذلك حوَّلت دول الشرق الأوسط وجهتها في استيراد المنسوجات القطنية والمنتجات الصناعية من أوروبا إلى اليابان، وكانت هناك عوامل تعزز من ارتفاع الإقبال على المنتجات اليابانية، هي:
- انخفاض أسعار السلع.
- انخفاض رسوم النقل للسفن اليابانية.
- تكاليف العمالة رخيصة.
- انخفاض قيمة الين الياباني.
ونستنتج من ذلك أن اليابان نجحت نجاحاً اقتصادياً باهراً يُحسب لها، من خلال رفع مستوى صادراتها، حيث أصبحت أهم مورد للمنسوجات القطنية، وأصبحت المورد الأول أو الثاني بالخليج العربي في ثلاثينيات القرن المنصرم.
وتوالت الشركات اليابانية المهتمة بعمليات التصدير إلى الخليج العربي في إدراج الطرق التجارية، فيذكر أن عدداً من السفن اليابانية وصلت إلى ميناء عدن وهي في طريقها من يوكوهاما إلى ليفربول، وهذا هو الطريق الذي افتتحته شركة «NYK» عام 1928م، وفي عام 1933م أعلن ياماشيتا كيسين للمرة الأولى تقديم خدمات خاصة من اليابان إلى الخليج العربي، وبعد عام 1934م أصبحت خدمات النقل منتظمة.
ومن المناسب ذكر أنه لأول مرة يُدرج اسم الكويت وعمان واليمن والسعودية وإيران والعراق في كتاب الحوليات الإحصائية للإمبراطورية اليابانية، على اعتبار أنها محطات استيراد مستقلة، مما يعني أن هناك بضائع تنقل مباشرة إلى منطقة الخليج العربي.
تطور العلاقات الكويتية - اليابانية (1950 – 1961م)
شكَّلت خمسينيات القرن المنصرم منحنى جديداً، وتطوراً في العلاقات الكويتية - اليابانية، فبعد الحرب العالمية الثانية استأنف البلدان النشاط التجاري بينهما، وبدأت التجارة تدريجياً في العودة، أو محاولة العودة إلى مستواها السابق ما قبل الحرب، وبدأ النفط يأخذ وضعه مصدراً رئيساً للطاقة بشكل عام، وللكويت سلعة أساسية في تصديره، وباتت اليابان المستورد الأساسي له.
ومضت الكويت في مرحلة بناء الكويت الحديثة، كان ذلك حتى قبل الاستقلال عن بريطانيا عام 1961م، وكان النشاط التجاري وعمليات استيراد كل ما يهم البنى التحتية من آلات ومعدات، فكان التبادل التجاري بين البلدين يسير بمنحنى تصاعدي أسفر عن تبادل الزيارات للمسؤولين الكويتيين لليابان، وإن كانت قد بدأت منذ عام 1963م، وقد زارها كل من الشيخ صباح الأحمد الصباح، بصفته وزيراً للخارجية في أبريل 1964، وأكتوبر 1986، والشيخ جابر الأحمد الصباح، بصفته وزيراً للمالية والصناعة في أكتوبر 1965.
ويُعد 1953م عام الانطلاقة الكويتية نحو اليابان، فكانت الكويت تطمح أن تحظى بالاطلاع، واكتساب الخبرات اليابانية الصناعية، لأن نظرة حاكم الكويت، آنذاك، الشيخ عبدالله السالم الصباح، ورؤيته كانت تعطي إشارات واضحة لبناء نهضة الكويت في شتى المجالات، وكسب الخبرات وجلبها للكويت، ومحاولة الاستفادة من تجربة اليابان التي باتت محل أنظار الجميع ما بعد الحرب العالمية الثانية.
ولم يكن تجار الكويت بعيدين عن الحدث، فالمجتمع الكويتي اقتصادي من الدرجة الأولى، فبدأوا بالسفر والذهاب حول العالم، إلا أن هناك حدثاً كاد يتسبَّب في أزمة سياسية بين الكويت واليابان عام 1957م، حيث تم رفض منح مواطن كويتي يحمل جوازاً كويتياً تأشيرة الدخول لليابان من قِبل القنصل الياباني في بومباي، وقد تم إبلاغ المواطن الكويتي أن ذلك القرار جاء بناءً على تعليمات من قِبل وزارة الخارجية اليابانية، وأنه صدر قرار برفض منح تأشيرة اليابان لجميع الجوازات الصادرة في حكومات دول الخليج الواقعة تحت الحماية البريطانية، واحتج على هذا القرار الشيخ عبدالله السالم لدى بريطانيا، وطالبها بالنظر في هذا الأمر، كون الكويت لا تزال تحت الحماية البريطانية.
ومن الطبيعي أن تبدي بريطانيا استغرابها من ذلك القرار، معربة عن خيبة أملها في معاملة دولة صديقة تلك المعاملة، ومشيرة إلى أن في ذلك إضراراً بالمصالح اليابانية مستقبلاً، ومن الممكن أن يتخذ حاكم الكويت الشيخ عبدالله السالم إجراءات مستقبلية فيها إضراراً بالمصالح اليابانية في سبيل حماية حقوق مواطنيه، وربما يمنع السفر لليابان. وبالفعل استجابت «الخارجية» اليابانية بإيعاز من حكومتها على سحب التعميم السالف الذكر، والسماح بإعطاء التأشيرات للجوازات الكويتية، وانتهت تلك الأزمة التي كادت تعصف بالعلاقات بين البلدين.
التمثيل الدبلوماسي
بعد أن وقَّعت الكويت معاهدة الاستقلال مع بريطانيا عام 1961م، وبناءً على ما تم الاتفاق عليه، تبادل الطرفان: البريطاني من جهة، والكويتي من جهة أخرى، الرسائل في 19 يونيو 1961م، وكانت عبارة عن كتاب رسمي للكويت يتضمن إلغاء اتفاقية 1899م، وذلك نزولاً عند رغبة الكويت في الحصول على استقلالها.
ولعل بريطانيا قد اقتنعت بأن علاقاتها بالكويت تمرُّ بمرحلة جديدة، كما أنها أدركت أن الوضع العالمي قد تغيَّر، ولم يعد في مصلحتها، إذا أرادت أن تحتفظ بعلاقة عميقة ووثيقة معها، لذا كان الاستقلال ضرورة ومطلباً آنياً مهماً في تلك المرحلة من العلاقات بين البلدين، لذا أصدرت سكرتارية حكومة الكويت بياناً ذكرت فيه مضمون تلك الرسائل المتبادلة، وأشارت فيه إلى أنها تمت في تمام الساعة الثامنة من صباح يوم 19 يونيو 1961م بحضور كل من الشيخ عبدالله السالم، والسيد ويليام لوس William. Luce المقيم السياسي البريطاني في الخليج، ومعه الوكيل السياسي البريطاني جون ريتشموند John Richmond، في قصر السيف، مقر الحكم بالكويت، وتبادل الطرفان بعد ذلك مراسيم الترحيب والأحاديث الودية، ثم قدَّم لوس Luce الكتاب الموجَّه من الوكيل السياسي في الكويت، الذي تضمَّن الاتفاق على ما يأتي:
1 - إلغاء اتفاقية 23 يناير 1899م، كونها تتنافى مع سيادة واستقلال الكويت.
2 - استمرار مسيرة العلاقات بين البلدين بروح الصداقة الوثيقة.
3 - تتشاور الدولتان مع بعضهما في الأمور التي تهم الطرفين.
4 - لا تؤثر نتائج الاتفاق على استعداد الحكومة البريطانية في مساعدة الكويت، إذا طلبت مثل هذه المساعدة، وأن تعد اتفاقية 23 يناير 1899م منتهية اعتباراً من 19 يونيو 1961م.
واصطف رجال الحرس الأميري لإلقاء التحية، حيث كان يوماً تاريخياً مشهوداً في تاريخ الكويت، فخطت فيه بخطوات ثابتة نحو فرض نفسها كدولة حديثة الاستقلال ساعية من أجل الحضور في المحافل الدولية، تشارك دول العالم الأخرى في مساعيها وتعاونها فيما يخدم الأمن والسلم العالميين.
وما إنْ أُعلن استقلال الكويت، حتى انهالت البرقيات والتهاني من جميع الدول العربية وغير العربية، معربة عن فرحتها وترحيبها بنيل الكويت الاستقلال والسيادة الكاملة.
وفي اليوم التالي أرسلت الكويت صورة من اتفاقية الصداقة الكويتية – البريطانية إلى نيويورك، لتسجيلها في الأمم المتحدة كاتفاقية ومعاهدة بين البلدين الصديقين، وبدأت الكويت على الفور ممارسة سيادتها، فطلبت الانضمام إلى جامعة الدول العربية والأمم المتحدة، ونالت الكويت العضوية في جامعة الدول العربية في عام استقلالها نفسه، إلا أنها التحقت عضواً بالأمم المتحدة عام 1963م بعد استخدام الاتحاد السوفياتي حق الفيتو ضد الكويت، كونه حليف العراق، كما سنرى عند الحديث في أزمة عام 1961م.
وكان من الطبيعي أن تتبادل الكويت، كونها دولة مستقلة، التمثيل الدبلوماسي مع دول العالم العربي، والأجنبي، وبما أن الكويت ذات ثقل اقتصادي لليابان، كان لابد أن تحرص الحكومة اليابانية على توطيد العلاقات معها، من أجل دعم العلاقات في شتى المجالات، وبالفعل كلفت «الخارجية» اليابانية سفيرها في العاصمة اللبنانية (بيروت)، ليقوم بمهامه سفيراً لطوكيو في الكويت إلى حين افتتاح مقر للسفارة اليابانية هناك.
وقامت السفارة اليابانية، مشكورة، بتزويدي بقائمة تضم أسماء السفراء الذين نالوا شرف تمثيل بلادهم لدى الكويت منذ افتتاح السفارة عام 1963م إلى حين كتابة هذه السطور 2023م. وفي الجدول الآتي توضيح لسنوات الخدمة التي قضاها كل واحد منهم لدى الكويت. انظر الجدول رقم2
ولم تكن السفارة الكويتية في العاصمة اليابانية بعيدة عن التعاون، بل قدمت قائمة أدرجها هنا بأسماء السفراء الكويتيين الذين نالوا شرف تمثيل الكويت منذ بداية التمثيل الدبلوماسي إلى حين كتابة هذه السطور 2023م، وهذه الأسماء في الجدول رقم 3.
وقد بدأت العلاقات الكويتية – اليابانية تأخذ شكلاً دبلوماسياً رسمياً، بعد أن أصدر الشيخ عبدالله السالم في 21 ديسمبر 1961م أمراً أميرياً بتعيين سليمان محمد الصانع سفيراً فوق العادة في اليابان، وكان السفير قد وصل إلى العاصمة اليابانية (طوكيو) في فبراير 1962م، وقدَّم أوراق اعتماده. وبذلك أصبح أول سفير كويتي لدى اليابان. وفي مارس 1963م تم افتتاح السفارة اليابانية لدى الكويت.