شركة الزيت العربية واتفاقية النفط مع الكويت عام 1958م
نتيجة التطورات والقرارات التي سبقت استقلال الكويت عن بريطانيا عام 1961م، تطلعت اليابان إلى المنافسة والحضور في منطقة الخليج، والحصول على النفط، فكانت المحاولات حثيثة والجهود مضنية في ذلك الاتجاه، مما دفعها لتثبت حضورها من خلال اتفاقية كانت هي الأكفأ والأجدر بالحصول عليها في منطقة حساسة بين دولتَي الكويت والسعودية في منطقة الخليج، ومنذ ذلك الوقت المبكر. وقد استطاعت الحصول على الاتفاقية من بين فكَّي قطبَي النفط - الشركات البريطانية والأميركية على حد سواء - التي كانت تتنافس فيما بينها للحصول على اتفاقيات امتياز نفطية من دول المنطقة.
ولعل البداية المبكرة لذلك الحدث الجليل كانت عام 1949م عندما قام رئيس شركة نيسان (Nissan) أيوكافا غيسوكي بإجراء مباحثات مع الجانب السعودي، من أجل الحصول على حق تنقيب النفط، غير أن تلك المباحثات باءت بالفشل، وتبعتها محاولة أخرى عام 1955م، لكن هذه المرة مدير شركة تيكوكو سيكيو كاسميوتو كانتارو، إلا أنها فشلت أيضاً.
لكن بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م، وما أسفر عنه من أزمة بين الدول العربية والغرب، وما تبع ذلك من توترات، لاحت في الأفق فرصة تاريخية لليابانيين، فاستغلوا الأزمة، وقدَّموا امتيازات للنفط وشروطاً أفضل، مما جعلها مقبولة، خصوصاً أن اليابان لم تكن طرفاً، ولم تشارك في الحرب ضد العرب، لذا توجَّه رجل الأعمال الياباني تارو ياماشيتا إلى السعودية، وأثناء عقده المشاورات تبيَّن إمكانية حصوله على حق الامتياز النفطي، وكان ذلك في فبراير 1957م، مما دعاه للعودة السريعة إلى اليابان، وبعد مشاورات مكثفة أعلنت أثناءها الحكومة اليابانية دعمها هذا المشروع، لأنها كانت تدرك أهميته في مجال الطاقة، وما يعنيه من إضافة مستحقة، وكانت تعي تماماً أن حصولها عليه في هذا التوقيت يعني الكثير للمستثمرين، ولحضورها في المنطقة على وجه الخصوص.
لذا تكاتفت الجهود، لتسفر عن انضمام أربعين شركة يابانية من الشركات الكبرى، لتنشأ شركة الزيت العربية برأسمال قدره 10 مليارات ين ياباني، وبعد خمسة أشهر فقط، وتحديداً في يوليو 1957م عاد ياماشيتا ليجري مفاوضات مع الحكومة السعودية، وقد أسفرت عن اتفاق رسمي في 10 ديسمبر 1957م بمنح الشركة امتياز المناطق المحايدة بين السعودية والكويت، وبموجبه حصلت الشركة على حق تنقيب النفط واستخراجه في المناطق المحايدة بين السعودية والكويت.
وبعد أن ضمنت الجانب السعودي بتوقيعه الاتفاقية معها، اتجهت الشركة بالاتجاه الآخر- الكويت، حيث أخذت منها قراراً، مُنحت بموجبه امتيازاً للتنقيب عن النفط في المنطقة التابعة لها بالمنطقة المحايدة أيضاً، ونالت اليابان حق الامتياز في يوليو 1958م، وبذلك يكون الشيخ عبدالله السالم، حاكم الكويت، أعطى امتيازاً نفطياً مدته 44 عاماً لشركة الزيت العربية المحدودة، بشرط تقديم خدمات مجتمعية وصحية من قِبلها، كما سنرى لاحقاً، وقد تضمَّنت الاتفاقية شروطاً أخرى، هي:
- تعيين الكويت والسعودية ثلث أعضاء مجلس الإدارة.- مراقبة حسابات الشركة عن طريق لجنة مؤلَّفة من ممثلي الدولتين والشركة.
- لا تتدخل الشركة في الشؤون السياسية.
- تسدد الشركة ضريبة الدخل في الدولتين.
- لا تبيع الشركة إنتاجها للدول المُعادية.
- تقدَّر الأرباح على أساس الإنتاج والتسويق معاً.
- يحصل حاكم الكويت من الشركة على 1.5 مليون دولار بشكل ربع سنوي عند اكتشاف النفط، وخمسة ملايين عند وصول النفط إلى معدل 50000 برميل يومياً.
- تُعيد الشركة النظر في بنود الاتفاقية، إذا حصلت أي دولة من دول الشرق الأوسط على امتيازات أفضل مما أعطته الشركة للكويت والسعودية.
ولعل من أفضل المزايا التي حصلت عليها الكويت من هذه الاتفاقية، تعهد الشركة عند وصولها إلى حد معيَّن من الإنتاج ببناء وصيانة معهد للأبحاث في الكويت على حسابها، لدراسة الموارد الطبيعية، وموارد المياه في الكويت. ويبدو أن الكويت حصلت على شروط أفضل من أي دولة أخرى، فحصلت على نسبة 57 في المئة من الأرباح، في الوقت الذي حصلت السعودية على 56 في المئة. ويتبيَّن من ذلك أن المفاوضات مع الكويت لم تكن سهلة، وأيضاً شهدت مقاومة شديدة من شركات النفط البريطانية والأميركية على حد سواء.
وجاء يوم الثالث من أبريل 1961م ليكون عام البدء والانطلاق والتصدير للشركة، إذ غادرت أول شحنة نفطية من المنطقة المحايدة في حقل الخفجي، بحضور الشيخ عبدالله السالم والملك سعود بن عبدالعزيز، ليكون ذلك إنذاراً رسمياً لجميع الشركات النفطية، في أن التواجد الياباني أتى ثماره، وأنه مقنع، ويحظى بالتقدير من حُكام المنطقة، وأنه أعدل وأنسب بالشروط والحقوق من الشركات الأجنبية الأخرى.
وبالنسبة لمساهمة الشركة في تقديم الخدمات الاجتماعية والصحية، وتطبيقها للبند المتفق عليه مع حاكم الكويت، فقد التزمت به، وقامت بإنشاء مساكن لأبناء العاملين الكويتيين فيها، مع مدارس للتعليم، وكذلك محطة لتحلية مياه البحر، وأخرى لتوليد الكهرباء، كما تطورت في مرافقها، لتشمل مستوصفاً عام 1962م يقدم خدمات طبية مجانية للعاملين الكويتيين وأبنائهم، وبعد زيادة عدد الموظفين، وتطور عمل الشركة، عملت على بناء مستشفى بسعة مئة سرير عام 1967م.
سفير الكويت والدبلوماسيون العرب لدى طوكيو
لعبت الدبلوماسية الكويتية دورها عبر سفير الكويت لدى طوكيو طلعت يعقوب الغصين، وتحديداً كان ذلك بعد الاجتماع العاصف الذي تم بالكويت، وبعد يومين منه، وتحديداً في 19 أكتوبر اجتمع وزير الخارجية الياباني ماسايوشي أوهيرا مع عشرة من السفراء العرب المعتمدين في طوكيو، وطالب هؤلاء السفراء الذين يمثلون: الكويت، والسعودية، وقطر، والعراق، وليبيا، ولبنان، ومصر، والسودان، والمغرب، والجزائر، أن تقدم اليابان الدعم الكامل للموقف العربي.
من جانبها أيضاً، كانت اليابان تتعرَّض للضغوط من قِبل الأميركيين، فكانت الرسائل تصلها من العاصمة الأميركية (واشنطن) عبر سفيرها هناك ياسوكاوا تاكيشي بألا ترضخ للعرب مهما يكن. وقد كانت السياسة الخارجية اليابانية منذ الخمسينيات توجّه تبعاً لأربعة مبادئ أساسية صاغها رئيس الوزراء لمرحلة ما بعد الحرب شيجيرو يوشيدا، وهي كالآتي:
1) أن يكون الهدف الرئيسي لليابان التنمية.
2) أن تكتفي اليابان بالتسلح الخفيف، وأن تتفادى التورط في النزاعات الدولية.3) على اليابان أن تتبع القيادة السياسية للولايات المتحدة، وتتقبل حمايتها العسكرية.
4) على الدبلوماسية اليابانية ألا تكون دبلوماسية عقائدية، وينبغي لها أن تركز على التعاون الدولي.
وزارة التجارة الدولية والصناعة اليابانية
بذل وزير التجارة الدولية والصناعة الياباني ياسوهيرو ناكاسونه جهوداً حثيثة في قيادة دفة السياسة الخارجية اليابانية، وتحويلها لمصلحة العرب، حيث يُعرف عنه التعاطف مع القضايا العربية، فقد كان رجال الأعمال اليابانيون، وبعض الأجنحة داخل الحزب الديموقراطي الليبرالي الحاكم يريدون حدوث تغيير في الموقف السياسي، وكان ذلك يتعارض مع ما يراه وزير الخارجية أوهيرا، ونائبه هوغن، وهو اتخاذ موقف مساند للأميركان.
وكانت هناك أسباب خاصة باليابانيين أنفسهم، فرغم عدالة القضية الفلسطينية، فإن الانتخابات المحلية لمجلس الشيوخ الياباني كانت على الأبواب مطلع عام 1974م، ويبدو أن الشركات النفطية الكبرى جعلت اليابانيين يحسمون بدورهم عملية تغيير وجهة نظرهم، واتخاذهم موقفاً قوياً ورسمياً مع العرب، بعد قيام شركة شل (Shell) النفطية الكبرى، وهي ثالث أكبر شركة نفط تزود اليابان بالوقود، بإبلاغ الشركات اليابانية في 2 نوفمبر بقرارها القاضي بخفض إمداداتها النفطية إلى اليابان بمعدل إضافي بلغ 17 في المئة، في أعقاب خفض سابق كان قد بلغ 10 في المئة، وذلك جعل اليابان تبحث عن مصالحها الوطنية.
وتجدر الإشارة إلى وجود حدثين جعلا اليابان جريئة في اتخاذ قرار الوقوف إلى جانب العرب، هما:
* الحدث الأول: يتمثل بوصول وزير الخارجية الأميركي هنري كسينجر إلى طوكيو، العاصمة اليابانية، في 14 نوفمبر، بعد رحلة طويلة شملت منطقة الشرق الأوسط والصين.
* الحدث الثاني: قررت اليابان المُضي في سياسة جديدة شجعها عليها البيان الذي أصدره وزراء خارجية السوق الأوروبية المشتركة في بروكسل في 6 نوفمبر، الذي دعا من خلاله إسرائيل إلى إنهاء احتلالها للأراضي العربية، استناداً إلى قرارات مجلس الأمن، وعدم القبول بالاستيلاء على الأراضي بالقوة، والحث على الاعتراف بالحقوق المشروعة للفلسطينيين.وكانت نتيجة الحدثين السابقين صدور البيان الياباني في 22 نوفمبر 1973م، عبر مدير مكتب رئيس الوزراء سوسومو نيكايدو، قبل يومين من انتهاء المهلة السعودية لقطع العلاقات مع إسرائيل، وخطت فيه اليابان سياستها تجاه الشرق الأوسط، وقد جاء فيه ما يأتي: «وحكومة اليابان إذ تأسف لاستمرار احتلال إسرائيل للأراضي العربية، فإنها تحث إسرائيل على الامتثال لهذه المبادئ، وستستمر حكومة اليابان بمراقبة الموقف في الشرق الأوسط بجدية وقلق، وقد تضطر على أساس التطورات المستقبلية إلى إعادة النظر في سياستها تجاه إسرائيل».
ويمكن ملاحظة أن البيان تضمَّن النقاط الآتية:
أولاً: تأمل حكومة اليابان، بشكل ثابت، تحقيق حل عادل، وسلام دائم في الشرق الأوسط، من خلال التطبيق الفوري والكامل لقرار مجلس الأمن رقم 242، وواصلت مطالباتها الأطراف والدول المعنية ببذل الجهود لتحقيق ذلك، كما ساعدت اليابان في دعم قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بخصوص حق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير.
ثانياً: ترى الحكومة اليابانية أنه يجب الالتزام بالمبادئ التالية للتوصل إلى حل سلمي:
1 - عدم القبول بالاستيلاء على أي أراضٍ باستخدام القوة.
2 - انسحاب القوات الإسرائيلية من جميع الأراضي التي احتلتها في حرب 1967م.
3 - احترام أمن وسلامة جميع البلدان في المنطقة، والحاجة إلى ضمانات لهذا الغرض.
4 - الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، وتحقيق حل عادل وسلمي في الشرق الأوسط.
ثالثاً: تدعو الحكومة اليابانية إلى بذل كل الجهود الممكنة لتحقيق سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط من خلال الالتزام بالمبادئ المذكورة أعلاه.
وقد رحب العرب بهذا البيان، وعدوه مفسراً لمضامين قرار مجلس الأمن رقم 242 لعام 1967م.
وقد جاء الرد العربي على البيان الياباني في قمة الجزائر عبر الأمين العام لجامعة الدول العربية محمود رياض، بقوله: «إن اليابان سوف تُستثنى من خفض إمدادات النفـط بمعدل 5 في المئة، بموجب سياسة الحظر النفطي». ويبدو أن الحكومة اليابانية شعرت بالامتنان، وإن كانت تريد التأكيد على موقفها غير القابل للشك، من خلال إرسالها نائب رئيس الوزراء الياباني تاكيو ميكي كمبعوث خاص إلى ثماني دول عربية، بما فيها الكويت، ليؤكد على سياسة اليابان، وصداقتها للعرب، وأن سياستها الخارجية تخضع لمصالحها الوطنية والقومية التي تخدم الشعب الياباني، وتحافظ على مقدَّراته، فيقول الباحث كينيث جاستر (Kenneth Juster) بعد تلك الأزمة، والكيفية التي تعاملت اليابان بها: «استعادت اليابان بعضاً من ثقتها الذاتية».
وقد جاءت ردة فعل الجانب الأميركي على البيان الياباني عنيفة، إذ تعرَّض الحليف الياباني لنقد لاذع من الإدارة الأميركية، كما انتقدت إسرائيل بعنف وشدة البيان الياباني، ووصفته بالرضوخ والخنوع للضغوط العربية، وأنه انحراف ياباني خطير عن سياستها المعلنة في الحياد، التي التزمت بها منذ الحرب العالمية الثانية.
يبدو أن البيان الياباني أوضح موقف اليابان في انسجامه مع ما تقرره المواثيق الدولية، وقرارات الأمم المتحدة، التي تمثل ذلك في نهاية المطاف، والموقف الرسمي لاحقاً من أزمة النفط عام 1973م.وقد كان الصراع الداخلي محتدماً ومتطوراً ومتصاعداً إبان الأحداث في الشرق الأوسط، ويبدو أن وزارة الخارجية اليابانية بعد فترة من الترقب والحياد انضمت لرأي وزارة التجارة العالمية والصناعة اليابانية التي كانت منذ اشتعال الأزمة واضحة الخطوات، ومنظمة في مراحل ردات الفعل لديها في الأخذ بزمام المبادرة، وإبداء موقفها الذي لا يساوره الشك من الانحياز لمصالحها مع الدول النفطية من أجل المصلحة الوطنية اليابانية.
وقد أشارت وزارة الخارجية اليابانية في تقريرها الصادر عام 1975م إلى أن «العلاقات مع دول الشرق الأوسط لها أهمية خاصة بالنسبة لبلدنا، وسيكون من الواجب على بلدنا بذل ما بوسعه لتحقيق التنمية والسلام في الشرق الأوسط». بينما كانت وزارة التجارة العالمية والصناعة بدورها تُظهر تعاطفاً مع الدول المنتجة للنفط، بذكرها في تقاريرها: «إن عقيدة تأميم الموارد تسعى إلى تصحيح وتدارك الفجوة بين الشمال والجنوب، علاوة على أنها احتجاج صادق للدول النامية الرافضة لبقائها في موضع المزود للمواد لا غير، بل ينبغي على الدول المتقدمة التعاون معها بفاعلية، مع الأخذ بعين الاعتبار احترام سيادة هذه الدول على مواردها، واحترام تطلعات الدول النامية بتنمية اقتصاد مستقل ذاتياً». وقد تزامن مع تأميم العراق لنفطه عام 1972م، وطرده للشركات الأجنبية.
ورغم التحرك السريع من قِبل المسؤولين اليابانيين، الذين قاموا بزيارة المنطقة، استقبلت العاصمة اليابانية (طوكيو) أيضاً عدداً من المسؤولين العرب والخليجيين، لكن بمجرد انتهاء عام 1974م انتهى ذلك النشاط المحموم.
اتخذ الموقف الياباني سياستين بعد انتهاء أزمة النفط عام 1973م، هما:
أ- منطلق اقتصادي: يتمثل بالدخول في مشاريع ثنائية بينها وبين البلدان المنتجة للنفط، (السعودية – إيران – العراق).
ب- منطلق سياسي: يتمثل في الاستمرار بالتمسك بالدبلوماسية اليابانية، التي تضمَّنها البيان الياباني الصادر في 22 نوفمبر 1973م.
وأخيراً، يتبيَّن لنا أن الزخم الدبلوماسي كان أثره بالغاً إبان أزمة النفط عام 1973م، وأن الكويت واليابان تعاملتا مع الحدث من منطلقات وطنية، وأنه واجب يمليه عليهما عدد من الاعتبارات، فالكويت كانت امتداداً، من خلال سياستها الخارجية، لكل ما يمت للعروبة والقومية بصلة، كما كانت اليابان من منطلقات مصلحتها وسيادتها الوطنية، واعتبارات أخلاقية يفرضها الواقع الاقتصادي العالمي والدولي، منحازة إلى جانب مصلحتها، وبمعنى أوضح انحازت للعرب في تلك الأزمة.