في وقت أطلق قادة الدولة العبرية جملة تصريحات رافضة ومعانِدة للضغوط الدولية الرامية لإجبارهم على قبول وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب الوحشية المتواصلة على قطاع غزة منذ 68 يوماً، تعرضت قوة النخبة الإسرائيلية البرية لضربة قاسية كبدتها أكبر خسارة يومية منذ بدء توغلها في المنطقة الساحلية.
ففي معركة حي الشجاعية، معقل «حماس» الذي يوصف بـ«الكابوس» لقوات الاحتلال، شمال القطاع، أقر الجيش الإسرائيلي بقتل 10 عسكريين من بينهم عقيد وقائد كتيبة وقائد سرية في «لواء غولاني» بعد وقوعهم في كمين محكم لمقاتلي الحركة الإسلامية.
وشهدت عدة محاور معارك محتدمة بين القوات الإسرائيلية وعناصر حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» تركزت في الوسط بدير البلح، وفي الجنوب بخان يونس، إضافة إلى الشجاعية، حيث تسبب القتال بإصابة 29 إسرائيلياً في 24 ساعة.
وبخلاف الأرقام الرسمية، التي تتحدث عن مصرع 115 جندياً وضابطاً بالمعارك المحتدمة في عموم القطاع، نقلت هيئة الإذاعة البريطانية عن مصادر بالجيش قولها، إن العدد الإجمالي للجنود القتلى ارتفع إلى 244، ووصل عدد الإصابات إلى 1645.
وبينما نقلت تقارير عن مصادر أميركية أن الدولة العبرية بدأت استخدام مياه البحر لإغراق بعض أنفاق «حماس» بشكل محدود، قال الرئيس الأميركي جو بايدن تعليقاً على ذلك: «سمعت تأكيدات بأنه لا يوجد رهائن محتجزين حالياً في تلك الأنفاق، وأعلم أن كل وفاة لشخص مدني هي مأساة مطلقة».
وشكل تعليق بايدن، بشأن المخاوف حول حياة الرهائن والمحتجزين بغزة وعددهم 138، أحدث علامة على الخلاف بينه وبين رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بشأن مسارات الحرب بعد أن طالبه بتغيير حكومته اليمينية التي تصعّب على العالم دعم الدولة العبرية.
وغداة تبني الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية 153 صوتاً من أصل 193 قراراً غير ملزم، أمس الأول، يدعو إلى «وقف إطلاق نار إنساني فوري» في غزة، شدد وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين على أن بلده ستواصل الحرب «سواء بدعم دولي أو من دونه»، معتبراً أن وقف إطلاق النار في هذه المرحلة يمثل «هدية لحماس».
ودعا الوزير الإسرائيلي المجتمع الدولي إلى «التحرك بقوة لحماية الممرات المائية» بعد تقارير عن حادثتين منفصلتين قبالة سواحل اليمن وعُمان، قرب مدخل البحر الأحمر حيث تشن جماعة «أنصار الله» الحوثية هجمات تقول إنها تستهدف السفن القادمة أو المتوجهة إلى الموانئ الإسرائيلية.
وعلى جبهات أخرى، أعلن الجيش الإسرائيلي إصابة 4 جنود بعملية استمرت 30 ساعة في جنين بالضفة الغربية المحتلة، فيما جدد ضرب أهداف في جنوب لبنان وسورية بالدبابات والطيران رداً على سلسلة هجمات شنها «حزب الله».
وفي تفاصيل الخبر:
زاد حلفاء إسرائيل ضغوطهم على الدولة العبرية، من أجل إقرار هدنة إطلاق النار في قطاع غزة المحاصر، الذي دمرته الحرب المتواصلة عليه منذ 68 يوما، بينما احتدمت المعارك البرية بين الجيش الإسرائيلي و«حماس» في عموم القطاع أمس.
ورغم تبني الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية 153 صوتا من أصل 193 قراراً غير ملزم، أمس الأول، يدعو إلى «وقف إطلاق نار إنساني فوري» في غزة، حيث تسببت الحرب في إغراق مئات الآلاف من الفلسطينيين في وضع إنساني يائس، تواصل القصف الجوي والقتال البري طوال الليل في أنحاء القطاع، خصوصا في خان يونس ورفح بالجنوب وفي مدينة غزة بالشمال ودير البلح بوسط القطاع الساحلي.
وسجل الجيش الإسرائيلي أكبر حصيلة قتلى في صفوفه منذ بدء الهجوم البري في 27 أكتوبر الماضي، مع إعلانه مقتل عشرة جنود بينهم ضابط وقادة فرق من لواء «غولاني»، قوات النخبة، في كمين لمقاتلي «حماس» في معركة حي الشجاعية، إضافة إلى إصابة 4 جنود بجروح خطيرة، وتكتسب المنطقة رمزية تاريخية لدى الإسرائيليين لأنه أُسرَ فيها الجندي الإسرائيلي شاؤول آرون عام 2014، كما توجد فيها «كتيبة الشجاعية» وهي من أقوى عناصر «القسّام»، وجاءت الضربة غداة توصية وزير الدفاع يؤآف غالانت للجنود بتصفية الحساب مع المنطقة.
وأمس ذكرت «كتائب القسام» و«سرايا القدس» أنهما أوقعتا قوة إسرائيلية قوامها 15 جنديا في كمين محكم، وقالتا في بيان مشترك إن عناصرهما اشتبكت معها من «نقطة الصفر» بالشجاعية، التي تمثل مركزا لثقل «حماس» و«الجهاد» في شمال القطاع.
في المقابل، ذكرت أوساط عبرية أن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أبلغت واشنطن بأنها تنوي الإبقاء على قوات شمال غزة، بعد انتهاء المرحلة الحالية والشديدة من الحرب، رغم معارضة إدارة الرئيس جو بايدن للخطوة.
ونقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن مسؤولين إسرائيليين قولهم: «لن يُسمح بعودة فورية للفلسطينيين الذين يعيشون في القطاع، لكن ستكون هناك عودة تدريجية تمتد على فترة طويلة».
في موازاة ذلك، وصف وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين وقف إطلاق النار في هذه المرحلة بأنه يمثل «هدية لحماس، وسيسمح لها بتهديد إسرائيل مرة أخرى»، بينما أكد عضو مجلس الحرب الوزير بيني غانتس أن «حرب البقاء الثانية التي نخوضها تكبدنا ثمنا باهظا ومؤلما وصعبا».
ورغم دعمه القوي للدولة العبرية، انتقد الرئيس الأميركي حكومة نتنياهو اليمينية لمعارضتها «حل الدولتين» مع الفلسطينيين، وحذرها من خسارة الدعم الدولي لحربها بسبب قصفها العشوائي على غزة.
ومع بروز الخلافات بين البيت الأبيض ونتنياهو للعلن، أمس الأول، قال بايدن إن مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، ووزير الدفاع لويد اوستن سيسافران إلى المنطقة، بهدف إجراء مشاورات مع الإسرائيليين وقادة إقليميين، لاحتواء الصراع الذي يهدد باندلاع أزمة إقليمية أوسع.
وليل الثلاثاء ـ الأربعاء، وبعد أن طالب بايدن نتنياهو بضرورة تغيير حكومته «الأكثر يمينية في تاريخ الدولة العبرية، والتي تصعب على العالم مواصلة دعم إسرائيل»، رفض الرئيس الأميركي الرد بشكل مباشر على سؤال بشأن التقارير التي تفيد بأن سلطات الاحتلال تضخ مياه البحر في شبكة أنفاق «حماس» بغزة، لكنه أشار فقط إلى التأكيدات الإسرائيلية على عدم وجود رهائن في المناطق المستهدفة.
وأمس، أفادت القناة الـ12 العبرية، نقلا عن مصادر فلسطينية، بأن جهاز المخابرات الألمانية يشارك في مفاوضات حول صفقة استعادة مختطفين جديدة بين إسرائيل وحماس، إذ يدور الحديث عن تحرك أكثر أهمية من الجهود التي قادتها قطر، وأثمرت عن اتفاق سمح بهدنة امتدت لأسبوع، وتبادل خلالها الجانبان إطلاق سراح العشرات من النساء والأطفال، قبل أن يستأنف القتال الجمعة قبل الماضية، ولعبت برلين دورا مهما في مفاوضات تحرير رون أراد والجندي جلعاد شاليط.
الخليج
وقالت سفيرة الإمارات لدى الأمم المتحدة لانا نسيبة، في مقابلة مع صحيفة وول ستريت جورنال، أمس الأول، إن الإمارات، الدولة الغنية بالنفط والمطلة على الخليج العربي، ستربط الدعم المالي والسياسي لإعادة إعمار البنية التحتية في غزة بمسار قابل للتطبيق تدعمه الولايات المتحدة نحو حل الدولتين.
وأضافت نسيبة: «الرسالة ستكون واضحة جدا: نحن بحاجة إلى رؤية خطة حل الدولتين قابلة للتطبيق، وخريطة طريق جادة قبل أن نتحدث عن اليوم التالي وإعادة بناء البنية التحتية في غزة».
في الوقت نفسه، ذكر الكاتب الأميركي توماس فريدمان، في مقال بـ«نيويورك تايمز»، بعد عودته من السعودية والإمارات، أنه على إسرائيل أن تعلم أن الدول الخليجية النفطية لن تعيد إعمار غزة مجانا، «ما لم يكن لدى إسرائيل شريك فلسطيني شرعي وفعال، وتلتزم بالتفاوض في يوم من الأيام على حل الدولتين وحتى هذا ليس أمرا مؤكدا».
وإذ أشار إلى أنه عندما تنتهي الحرب في غزة، تظل السعودية ملتزمة من حيث المبدأ باستئناف المفاوضات حول التطبيع، شدد فريدمان على أن السعوديين يريدون من الأميركيين إنهاء الحرب في غزة في أقرب وقت ممكن، بسبب العواقب الخطيرة للحرب على كل المنطقة.
ضغوط دولية
وفي تحرك لافت، أعرب رؤساء وزراء كندا وأستراليا ونيوزيلندا، أمس، عن «قلقهم من تقلص المساحة الأمنية المتوافرة للمدنيين في غزة»، وأضافوا أن «الثمن مقابل هزيمة حماس لا يمكن أن يكون المعاناة المستمرة لجميع المدنيين الفلسطينيين»، بعد أكثر من شهرين على اندلاع الحرب غير المسبوقة التي تسببت في نزوح 85% من سكان القطاع البالغ عددهم 2.4 مليون نسمة، فضلا عن مقتل 18452 فلسطينيا، من بينهم 50 قتلوا في قصف إسرائيلي ليل الثلاثاء.
كما أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين تأييدها فرض عقوبات على المتطرفين من المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية المحتلة ضد الفلسطينيين، منددة أمام البرلمان الأوروبي بتصاعد أعمال العنف التي يمارسونها، والتي اعتبرت أنها تهدد استقرار المنطقة.
وفي موسكو، شدد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على أن بلاده لن توافق على تسوية في الشرق الأوسط تمس أمن إسرائيل، ولا تنص على قيام دولة فلسطينية.