«مناصرة اللغة العربية» عصارة ندى يافي الدبلوماسية
كتاب صدر حديثاً لأول سفيرة فرنسية من أصل عربي في الكويت
أصدرت أول سفيرة فرنسية من أصول عربية لبلادها في الكويت (2010) ندى يافي، كتابا بعنوان «Plaidoyer pour La Langne Arabe»، ويعني «مناصرة اللغة العربية» عن «دار ليبرتاليا» للنشر، وقدمت من خلاله خلاصة تجربتها الدبلوماسية، وهي التي جمعت بين الأصالة العربية نظرا لأصولها اللبنانية، إلى جانب قيم المجتمع الفرنسي، ورأت من خلاله أن رئاسة أمين معلوف للأكاديمية الفرنسية بمنزلة رد اعتبار للإنسان العربي، وإضافة قيمة ثقافية للمجتمع الفرنسي.
ويضم الكتاب 11 فصلا، تدور في معظمها حول وضع اللغة العربية في «قفص الاتهام»، وفي سياق مفارقات متناقضة، بحيث يتم الاحتفال بها أحياناً، خاصة في البيئة الأكاديمية، وأحيانا تشويهها في وسائل الإعلام؟
مَنْ تناول عرض الكتاب وضع الدبلوماسية النشطة وكأنها تقدم «مرافعتها» وبلغة أدبية راقية وغنية بثرائها الفكري وتسجل شهادة شخصية عن «اللغة العربية» غذّتها بقراءات متعددة، فهذه اللغة حسبما أشار إليها تضيف المعهد الوطني للدراسات الديمغرافية بأن المتحدثين فيها هم الغالبية في عموم فرنسا لتصبح واللغة الثانية الأكثر انتشاراً بعد اللغة الفرنسية.
الترجمة غرست في ذهنها «فعل الكلام» والنهج النشط للغة
عايشت الدبلوماسية ندى يافي التجربة من الداخل، فقد مارست في مختلف المواقع التي شغلتها ورافقتها بالفعل في جميع الوظائف التي تبوأتها، من مترجمة فورية مستقلة إلى مترجمة شفوية رسمية للغة العربية، للرؤساء، فاليري جيسكار ديستان وفرانسوا ميتران وجاك شيراك، وكذلك عملت في مجال التدريس بالمدرسة العليا اللدوريات والترجمة، ودبلوماسية في المنطقة العربية، أيضاً كانت ناشطة في ترجمة النصوص الأدبية والمقالات الصحافية ومحررة الصفحة العربية لصحيفة «أورينت الإلكترونية».
الخيط المشترك لهذا الإنتاج الفكري، أن اللغة كادت تكون المهنة التي لم تفارقها، فقد تفوقت فيها على الدراسات الأكاديمية، فالترجمة غرست في ذهنها «فعل الكلام» والنهج النشط للغة.
المترجم هو أيضا وسيط تحت الضغط تفرض عليه إدارة الوقت، بشكل مختلف عن الأكاديميين أو الباحثين الذين لديهم كل فرصة للتفكير.
من المثير للاهتمام أن تلاحظ أن كلمة «معنى»، باللغة الفرنسية، تعني أيضاً الاتجاه «وهو ما أعطاها القدرة على فهم المعنى كموجه بين المرسل والمستلم.
هجمات خبيثة ضد لغة وجدت نفسها مجبرة على إظهار عدم صلتها بالتطرف
تتذكر أنها ترجمت في حياتها المبكرة حرفيا للرئيس فرانسوا ميتران تعبيراً اصطلاحيا شائعاً جداً باللغة العربية، ولكن يمكن أن يكون معناه مشوباً بفروق دقيقة متنوعة، اعتماداً على السياق، وهذا التعبير هو «إن شاء الله»، ليس له نفس الدلالة كما هو الحال في الفرنسية، حيث يفسح مجالاً أكبر لما لا يمكن استحالة الوصول إليه.
كلمة بكلمة، تعني «إذا أراد الله ذلك»، ولكن يمكن أن يعني ذلك ببساطة، «آمل ذلك»، أو «الخوف من الكائنات»، أو حتى «آمل ذلك بشدة»، أو «بالتأكيد (ربما إضافة: بالله)». لا يشير ذكر الله في هذا التعبير بالضرورة إلى دلالة دينية، كما يمكن فهمه في فرنسا. كل هذا يتوقف على المتحدث، وعادات بلده ومقصده.
لقد حافظتْ دائما على وعي باللغة على النحو الذي يحدده السياق وحالة البيان والهدف الحقيقي للاتصال. يهدف هذا الكتاب إلى أن يكون بسيطا ومباشراً، ومكرسا لأي قارئ لديه فضول بشأن الوضع اللغوي، خارج الدوائر الجامعية، ترجمة اللغة العربية هي تلك التي بدت لها الأكثر شيوعاً في فرنسا، من أجل أكبر قدر ممكن من القراءة، من أجل وضوح الموضوع، اتبعت الاستخدام الذي يميز كلمة الإسلام بأحرف صغيرة، عندما تستحضر الدين بالمعنى الضيق، من كلمة الإسلام بحرف كبير، عندما تشير إلى الحضارة العربية الإسلامية.
«العربية» و«العبرية» من اللغات السامية وهي أكثر بكثير مما يسمى باللغات الشرقية
في صحبتها الطويلة مع اللغة العربية، انصب تفكيرها على الطريقة التي نظر بها الآخرون إلى لغتها الأم، من خلال بعض الأسئلة المقلقة التي طرحت عليها، غالبا ما تكون الأسئلة بريئة ولكن غير المتناقضة تماما مثل سؤال وزير الخارجية، هوبرت فيدرين، في عام 1997، الذي وجهه لها: «في أي بلد نتحدث اللغة العربية الأكثر أناقة؟ - ظل السؤال دون إجابة، ويبدو لها أن المعيار غير مناسب لتصنيف سجلات اللغة، ولكن السؤال دفعها إلى الاهتمام بلغات كل بلد لملاحظة الخصوصيات، اكتشفت لاحقا التصنيف الأكاديمي، الذي عفا عليه الزمن، بين ما يسمى البديل «النبيل» للغة العربية، وما يسمى باللغة العربية الحرفية، أو المتغير «الهمجي»، بالمعنى اللغوي للمصطلح (بدون أي دلالة ازدرائية)، وهي اللهجات.
كانت الأسئلة الأخرى متحيزة في بعض الأحيان – ربما دون وعي- مثل سؤال مستشار سألها كيف تعلمت «التحدث بالمُسلم». فهمت لاحقا أن هذا التعبير، الذي يمكن أن يكون مشابها لانزلاق اللسان، يعكس في الواقع فكرة متجذرة في ثقافة معينة من الدراسات العربية في فرنسا، ألم يكن هناك بعد، حتى بداية القرن العشرين، في مدرسة اللغات الشرقية، «براءة اختراع للغات الإسلامية» تجمع بين العربية والتركية والفارسية؟ هذه رؤية مؤرخة، تركز على الكتابة، تبررها مشاركة الأحرف العربية (حتى عام 1928 للتركية)، ولكن تم نسيان تطور اللغويات، لأن هذه اللغات تنتمي إلى عائلات مختلفة جداً، ومع ذلك، في شكلها الأقل تعلما، تستمر هذه الرؤية في الخيال الجماعي، ويمكن لعدد قليل من الناس اليوم المراهنة على حقيقة أن اللغة العربية تشترك مع العبرية، وهي لغة سامية أخرى، أكثر بكثير مما يسمى اللغات «الشرقية».
قول الدبلوماسية الفرنسية في مقدمة كتابها: «لقد فكرت بشكل خاص في السنوات الأخيرة في الهجمات الخبيثة ضد لغة أُمرت باستمرار بتبرير نفسها، لإظهار أنه ليس لديها صلات خطيرة، خاصة مع المتطرفين الذين يأخذون بعض تعبيراتها كرهائن، ويستثمرونها بتهمة أخرى غير معناها الأصلي، يبدو لي أن هذه الشيطنة لا تؤثر على أي لغة أخرى، أصابني الذعر من عنوان مقال في مجلة L Express بشكل خاص: «العربية لغة محترقة»، هل يمكننا تخيل مثل هذه الصفة المرتبطة بلغة أخرى؟».
لقد أخذتها مسيرتها المهنية كمترجم فوري مستقل إلى العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم، في سياق المؤتمرات الدولية حول الموضوعات الأكثر تنوعاً، من الرياضة إلى التمويل أو الاتصالات السلكية واللاسلكية أو الزراعة، تتذكر الاستيقاظ أحيانا في غرفة فندق تتساءل عما إذا كانت في روما أو نيويورك أو سيؤول.
ماذا حصل مع الرئيس ميتران عندما ترجمت له «إن شاء الله»؟
هذه الذكريات ثمينة بالنسبة لها، لأنها تشهد على تجربة عولمة للغة، لأن اللغة العربية هي واحدة من اللغات الرسمية الست للأمم المتحدة وغالبية وكالاتها المتخصصة، مثل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) والاتحاد الدولي للاتصالات (ITU)، ولكن أيضا صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، لقد أبقيته على قيد الحياة عميق الشعور بلغة عالمية متعددة الأبعاد، تضم جميع المجالات الدلالية، تستمر هذه العولمة الشاملة اليوم مع اعتماد اللغة العربية من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم الفيفا.
سنواتها كمترجم رسمي للغة العربية مع السلطات الفرنسية، ركزت إلى حد ما على الدبلوماسية والدفاع، قادتها أيضا إلى أركان العالم العربي الأربعة، في الوفود الرئاسية أو الوزارية، في اليمن ومصر وسورية والأردن ولبنان وفلسطين والعراق ودول الخليج الست، اتخذت هذه الرحلات أحيانا شكل مكوك لعدة أيام في المنطقة. المترجمون الفوريون في المجال الدبلوماسي يجعلون أنفسهم غير مرئيين هي نقطة شرف.
ستكون البلدان الأقل زيارة هي المغرب العربي، لسبب واضح، تجري المقابلات باللغة الفرنسية، وبالتالي يمكن الاستغناء عن مترجم فوري، إلا عندما يتعلق الأمر بالمؤتمرات المتعددة الأطراف، خلال هذه الرحلات، ولكن أيضا خلال زيارات الوفود العربية لفرنسا، تمكنت من التحقق من أي متغير باللغة تم فهمه واستخدامه من قبل محاورينا، في الاجتماعات الرسمية كذلك في الزيارات الميدانية، سأعود إليها في وقت فراغي، لأن مسألة متغيرات اللغة العربية هذه غالباً ما تكون موضوع نقاش حيوي، في العالم العربي كما هو الحال في فرنسا.
أعطتها سنوات عملها كدبلوماسية الفرصة للقاء زملاء Quai d Orsay الذين أظهروا ارتباطاً شديداً بهذه اللغة، إلى جانب اتقان سجلها الأكثر دقة، ناهيك عن إلمامهم بعدة لهجات مريحة في الاجتماعات الثنائية أو المتعددة الأطراف، أكدت كفاءتها باللغة العربية، وهذا ما يميز الدبلوماسية الفرنسية، التي شكلتها هيئة مهنية سيكون من المؤسف للغاية أن تراها تختفي.
سمحت لها سنوات عملها في دمشق كمسؤول صحفي، وفي دبي كقنصل عام لفرنسا، وفي الكويت كسفيرة، بقياس الميزة النسبية التي منحتها معرفتها الحميمة باللغة مقارنة ببعض النظراء غير العرب.
في صحبتها الطويلة مع اللغة العربية انصب تفكيرها على الطريقة التي نظر بها الآخرون إلى لغتها الأم
في منصبها كمدير لمركز اللغة والحضارة العربية، في معهد العالم العربي، تمكنت من التحقق من ارتفاع الطلب على تعلم اللغة العربية الذي لا يمكن أن تلبيه قدرات الاستقبال المحدودة في IMA. تمكنت من مقابلة المتعلمين من جميع الأعمار والأصول: رؤوس شقراء أو بنية صغيرة من فصول الصحوة، والمراهقين من دورات للجمهور الشاب، والبالغين من جميع الخلفيات المهنية والجنسيات.
في فرنسا، وكوني من أصول لبنانية، اكتشفت حقا بلدان المغرب العربي، من خلال الشخصيات المحببة لمعلمي IMA، الذين قاموا بتدريس اللهجات الجزائرية أو المغربية أو التونسية، بالتوازي مع الدورات العربية القياسية، أولئك الذين كانوا يتحدثون البربرية لم يكونوا أقل براعة في اللغة العربية الحرفية من زملائهم، على عكس الأفكار الشعبية بين بعض «الشرقيين»، كما هو الحال بالنسبة لزملائهم في المغرب العربي، من هذه الفترة أخذت أيضا مقياساً لما يعنيه المغرب العربي بالنسبة لفرنسا، وخاصة الجزائر.
هنا تمكنت من تعميق فكرة تعليم اللغة العربية كلغة أجنبية، بفضل المعرفة الثمينة بمجموعات التعليم الوطني.