واقعنا بين كوكا وعبلة ابنة مالك
كانت الممثلة كوكا، رحمها الله، قد مثَّلت دور عبلة في فيلم عنترة بن شداد، وهي لا تتمتع بجمال إطلاقا لكنها تملك القدرة الفذة على أداء دور المرأة البدوية، فجعلت عبلة تتكلم وكأنها من بدو مصر، وجرّت معها كل ممثلي الفيلم إلى اللهجة البدوية، فكانت كارثة للعربية الفصحى لهجة عنترة وعبلة.
وكان زوج كوكا نيازي مصطفى هو مخرج فيلم عنترة بن شداد، ومؤكد أن يسند لها دور البطولة، وبهذا الإسناد جنى على عبلة ابنة مالك الحقيقية التي نحت جمالها الفائق شعر عنترة بصوره البيانية، فأظهر لنا فاتنة بارعة الجمال، جمال جعل عنترة بن شداد صريعا منه على شدة بأسه وشجاعته الأسطورية حتى أضحى جمال عبلة هذا لا تخمد لمعة تألقه في مخيلة عنترة، وهو في حومة الوغى والموت يلوح له مع بريق السيوف التي تتحول في نظره إلى مرآة تعكس له بريق ثغرها الباسم، فيود تقبيلها، فيقول عنترة في معلقته الشهيرة:
ولقد ذكرتكِ والرماحُ نواهلٌ
مني، وبيضُ الهند تقطرُ من دمي
فوددتُ تقبيلَ السيوفِ لأنها
لمعتْ كبارق ثغرك المتبسِّم
ويقول في قصيدته المعروفة التي اشتهرت في عالم الغناء:
مُهَفهَفَةٌ وَالسِّحرُ مِن لَحَظاتِها
إِذا كَلَّمَت مَيتاً يَقومُ مِنَ اللَّحدِ
أَشارَت إِلَيها الشَّمسُ عِندَ غُروبِها
تَقولُ إِذا اِسوَدَّ الدُّجَى فَاطلِعِي بَعدي
وَقالَ لَها البَدرُ المُنيرُ أَلا اسفِري
فَإِنَّكِ مِثلِي فِي الكَمالِ وَفِي السَّعدِ
فَوَلَّت حَياءً ثُمَّ أَرخَت لِثامَها
وَقَد نَثَرَت مِن خَدِّها رَطِبَ الوَردِ
وَسَلَّت حُساماً مِن سَواجي جُفونِها
كَسَيفِ أَبيها القاطِعِ المُرهَفِ الحَدِّ
تُقاتِلُ عَيناها بِهِ وَهوَ مُغمَدٌ وَمِن
عَجَبٍ أَن يَقطَعَ السيفُ فِي الغِمدِ
مُرَنَّحَةُ الأَعطافِ مَهضومَةُ الحَشا
مُنَعَّمَةُ الأَطرافِ مائِسَةُ القَدِّ
هذه الصفات الجمالية الساحرة والفائقة تتهاوى أمام مشهد الممثلة كوكا الفاقدة لأدنى درجات الجمال، وكان يفترض لأداء دور عبلة أن يتم اختيار ربات الحسن والجمال أمثال الممثلة الجميلة عايدة هلال أو نعيمة عاكف وغيرهما كي يطرزن بجمالهن مخيلة الجيل المعاصر للفيلم، لكن المخرج «عاوز كده» ولا أظنه مخير إزاء هذا الاختيار، فلوّث، رحمه الله، بذلك مخيلة أجيال بصورة كوكا التي تفارق شكلا ومضمونا أيقونة الحُسْن والجمال عبلة ابنة مالك، كما رسمتها ريشة الشاعر العبقري عنترة بن شداد بخيال شعري رصَّع فضاء المخيلة العربية منذ أحقاب تاريخية متطاولة، تمتد من العصر الجاهلي إلى صدور فيلم عنترة بن شداد الذي مثلته كوكا.
وما أكثر الذين تأتي بهم الواسطة والمحسوبية، فينحتون واقعنا بأزاميل تخبطهم وجهلهم، فنرى واقعنا غاية في التشوه... كل هؤلاء المدَّعون ومن أتت بهم الواسطة والمحسوبية ينغمسون في تأدية أدوار البطولة لكن على مسرح مصيرنا وحياتنا، والغريب أننا ننغمس في دور الجمهور، فمنا من يصفق، ومنا من يهيم بهؤلاء عشقاً، ومنا من يعترض ويشجب، ومع ذلك يستمر العرض، ويستمر الإقبال عليه لأنه مسرح اللا معقول الواقعي يا سادة!
كل هذه الخواطر تسلسلت في خلدي عندما زرت معرض مرزام للديكورات الداخلية الذي صممته المهندسة المبدعة فرح الحميضي، فأذهلتني جماليات وفخامة المكان الذي استجمع كل معاني الدقة وروعة التصميم والتنوع في كل أقسامه وفارقته عشوائية وقبح المعارض التي عهدناها، وتطوح بي التفكير إلى آفاق بعيدة، فتساءلت: ماذا لو تم إسناد الإخراج والتصميم والإدارة إلى أمثال مصممة هذا المعرض؟ كيف سيكون سوق المباركية؟ وكيف ستكون مشاريع المدن الإسكانية ومشاريع الترفيه؟
فالمهم أن نتحرر من كوكا ومخرجها.