منذ السابع من أكتوبر حتى ساعة كتابة هذه السطور وأنا عاجز عن وصف ما يحدث في غزة من مجازر وإبادة جماعية لم نرها من قبل على شاشات التلفزيون أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث كنا في السابق نقرأ عنها، لذلك لن تكون مشاعر الإنسان حين يقرأ أو يسمع مثلها حين يرى بأم عينه الحدث.
لم نكن نتوقع من العالم الذي كنا نعتقد أنه متحضر، ويطالب بحقوق الإنسان واحترام القوانين والمواثيق الدولية، أن ينقلب بكل بجاحة وبلا خجل على كل ذلك، بل إنه يدعم عصابة إرهابية وهمجية تقتل الأطفال والنساء والأبرياء دون تمييز، وتهدم منازلهم ومستشفياتهم ومدارسهم على رؤوسهم دون هوادة، مخالفة بذلك كل القيم والأعراف وشرف الجيوش وعملها، لتثبت للعالم أنها ليست دولة ولا جيشها جيش دولة بل هي كيان محتل وعصابة إرهابية مسلحة هدفها إبادة سكان الأرض التي اغتصبوها وإرهاب جيرانهم.
وهنا نتساءل: من الذي يحق له الدفاع عن نفسه كما يتبجح بها بعض دعاة السلام والحرية وحقوق الإنسان الضحية أم الجلاد المحتل، أم القاتل أم المقتول الذي اغتصبت أرضه؟ كيف لمنطق أعوج بشع يبرر للمحتل القتل والتدمير والتشريد في حين يصف مقاومة الاحتلال بالإرهابيين والخارجين عن القانون الدولي؟
لقد شاهدنا ما تعجز الكلمات عن وصفه من قتل لم يستثن حتى الأجنة في بطون أمهاتهم والرضع على صدورهن، فهل هذه الحرب التي كنا نقرأ عنها بين الجيوش النظامية وعن قوانينها وشرفها أم أنها حرب همجية تعيدنا لعصر التتار والمغول وحرب عصابات وقطاع طرق لا قانون يردعهم ولا مواثيق تمنعهم، والأدهى والأمر من كل هذا هو الدعم الأميركي والغربي لهم وتبريرهم هذه الجرائم اللا أخلاقية والمنافية لحقوق الإنسان التي يتشدقون بها والقوانين الدولية التي يطالبون باحترامها وتطبيقها.
الحقيقة التي كنا نعتقدها في العالم الغربي المتحضر باتت أكذوبة وشعارات زائفة بعد السابع من أكتوبر وبعد مشاهدتنا الجرائم البشعة والهمجية التي يرتكبها الكيان الصهيوني في غزة بذريعة حق الدفاع عن النفس هو أمر مباح وقانوني ليقتلوا الأطفال والنساء والأبرياء ويهدموا المساكن والمستشفيات والمدارس ودور العبادة على رؤوسهم بها ويروعوا ويرهبوا من بقي منهم على قيد الحياة، ويمنعوا عنهم المساعدات الإنسانية والطبية.
هذا العالم الذي كنا نعتقد أنه يسعى للسلام والحرية والديموقراطية وحوار الأديان والحضارات كشف عن وجهه الحقيقي الذي يثبت بما لا شك فيه أنه عالم مزيف وكاذب يحتقر من هم ليسوا من عرقهم ولا دينهم، والسلام الذي يتحدثون عنه هو العبودية لهم والخنوع لأوامرهم ودفع الجزية لخزائنهم، وها هم اليوم يثبتون لنا كشعوب أنهم مخادعون ويدعمون العصابات والمجرمين، فبعد «داعش» وما تبين لنا من حقائق ها هم اليوم يدعمون أكبر عصابة منظمة زرعوها في أرضنا منذ 75 عاما لتمثل مصالحهم وهيمنتهم على مقدراتنا وثرواتنا فكشفتهم المقاومة الفلسطينية، وأفسدت مخططاتهم، وأثبتت للعالم أجمع أنهم يدعمون كياناً إرهابياً همجياً متوحشاً لا يخضع لقوانين دولية ولا يحترم المواثيق الحقوقية، وفعل ما لا تفعله حتى «داعش» أو العصابات الإرهابية التي سمعنا عنها.
يعني بالعربي المشرمح:
«طوفان الأقصى» كشفت لنا الكثير من الأمور التي كانت تخفى علينا من هشاشة وضعف الجيش الصهيوني الذي كنا نعتقد أنه لا يهزم لو اجتمعت جيوش العرب، وكشف لنا سُذج العرب الذين يبررون القتل لإخوانهم فقط لاختلافهم أو كرههم لحماس وفصائل المقاومة، وكشف لنا حقيقة الدول الغربية وزيف شعاراتها، كما كشف حقيقة القوانين الدولية والمواثيق الحقوقية والمنظمات الإنسانية وعدم اكتراثها للمجازر الصهيونية وحرب الإبادة الجماعية التي ترتكب في غزة وحق الشعب الفلسطيني، فما أبشع العالم بعد أن كشف قناعه الحقيقي، وظهرت ملامح وحشيته بعد السابع من أكتوبر الماضي.