من صيد الخاطر: «كُلُّ الصَّيْدِ في جَوْفِ الفَرَا»
«كُلُّ الصَّيْدِ في جَوْفِ الفَرَا»، مثل عربي قديم، وهو كسائر الأمثال لابد أن وراءه قصة، فيُروى أن ثلاثة رجال قد خرجوا يوما للصيد، فصاد أحدهما أرنبا، وصاد الآخر ظبيا، أما ثالثهما فصاد حماراً وحشياً.
فرح صاحب الأرنب وصاحب الظبي بما نالاه من صيد طيب، وأخذا يسخران من صاحب الحمار، ويستهزئان من صيده، فقال لهما: «كُلُّ الصَّيْدِ في جَوْفِ الفَرَا»، والفرا هنا هو الحمار الوحشي وجمعه فَرَاء، فكل ما اصطدتموه لصغرهما سيسعهما جوف الحمار الوحشي، وبمقدوره ابتلاع كل صيدكم، وكأنه يقول لهم: إن قَدر ما نلته أكبر من قَدر ما نلتماه مجتمعين.
وقد استشهد رسولنا محمد، صلّى الله عليه وسلم، بذلك المثل عندما فتح مكة، وأذن لأهلها بالدخول عليه، وكان من بينهم أبو سفيان، فتجنبه الرسول قليلا، ولم يأذن له بالدخول مباشرة، فلما أُذن له دخل أبوسفيان على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وعاتبه قائلا: لقد كدت تأذن لجانبي الوادي قبل أن تأذن لي، فقال له الرسول متودداَ: أنت يا أبا سفيان كما قيل «كُلُّ الصَّيْدِ في جَوْفِ الفَرَا»، قاصداً بالفرا الشيء الأعم والأشمل، الذي يغني عن صغائر الأمور.
هذا المثل يُقال لشخص له حاجة كبيرة وحاجات غيرها أصغر، فإذا قضيت له الحاجة الكبيرة أغنته عن الصغيرة، ولم يعد لها عنده قيمة، فهو مثل له وقع طيب على النفوس في الأمور الحياتية، فضلًا عن أنه يؤلف بين القلوب إذا ما أصابها جفوة، أو إحساس بالغبن، فيكسب به القلوب بالتودد به بين النَّاس.
ملحوظة: المثل منقول من التراث بتصرف.