مع احتدام المعارك وجهاً لوجه بين جيش الاحتلال و«حماس» في قطاع غزة، أبلغ وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض جيك سوليفان بأن «الأمر سيستغرق عدة أشهر لإلحاق الهزيمة بالحركة» الإسلامية المسيطرة على القطاع المحاصر.
ووسط ضغوط أميركية لاحتواء الحرب، التي أودت بحياة نحو 19 ألف فلسطيني وشردت نحو 1.8 مليون من سكان القطاع داخلياً، ولمنع توسعها إلى مواجهة إقليمية، شدد غالانت خلال استقبال سوليفان في تل أبيب على «ضرورة إعادة الإسرائيليين إلى منازلهم بالقرب من الحدود مع لبنان، وإنهاء تهديد حزب الله هناك»، كما قال، إن تل أبيب جاهزة للمساهمة في أي تحالف دولي لحماية البحر الأحمر من «تهديد الحوثيين».
وفي وقت بعثت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بإشارة على قرب نفاد صبرها تجاه الطريقة التي تخوض بها الحكومة اليمينية بزعامة بنيامين نتنياهو الحرب ضد غزة ورفضها مقترح إعادة السلطة الفلسطينية لإدارته بحال نجاح خطط «إزاحة حماس»، ألمح القيادي في الحركة موسى أبو مرزوق خلال مقابلة مع موقع «المونيتور» إلى أن جماعته ستعترف ضمناً بالدولة العبرية، في حال انضمامها إلى منظمة التحرير الفلسطينية.
إلى ذلك، وجه وزير الدفاع الإيراني محمد رضا أشتياني تحذيراً للولايات المتحدة من أنها ستواجه مشكلات «استثنائية كبيرة» في حال نجحت مساعيها لتشكيل تحالف دولي لتأمين الملاحة في البحر الأحمر، حيث يبدو أن جماعة الحوثي اليمنية قد زادت من هجماتها على السفن التجارية في الممر المائي الاستراتيجي الممتد للمحيط الهندي دعماً للفلسطينيين في قطاع غزة.
وأفادت تقارير أمس، بأن الحوثيين نجحوا في السيطرة على سفينة ثانية، وتحويل مسارها باتجاه اليمن، بعد أن فشلوا في خطف سفينة أخرى منذ سيطرتهم في 19 نوفمبر الماضي على سفينة «غالاكسي ليدر» المرتبطة برجل أعمال إسرائيلي.
جاء ذلك، فيما قال المبعوث الأميركي إلى اليمن تيم ليندركينغ، إن واشنطن تعمل على «تشكيل أوسع تحالف بحري ممكن لحماية السفن في البحر الأحمر»، من خلال توسيع «فرقة المهام المشتركة 153» العاملة في المنطقة والمكونة من 39 دولة بقيادة الأسطول الخامس الأميركي المتمركز في البحرين.
وفيما تعرضت القوات الأميركية لهجمات جديدة في سورية، أعلن المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة في العراق اللواء يحيى رسول، أمس، اعتقال عدد من المتورطين في قصف السفارة الأميركية في 8 الجاري، مبينا أن عدداً منهم على صلة بالأجهزة الأمنية وتم توقيفهم تمهيداً لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم.
وتزامن ذلك مع إعلان العراق رفع حالة التأهب العسكري لأقصى مستوياته.
وفي تفاصيل الخبر:
تركزت المعارك البرية التي تزداد حدتها يوماً بعد يوم بين قوات الاحتلال والفصائل الفلسطينية في 10 مناطق بغزة مع دخول الحرب الوحشية التي تشنها إسرائيل على القطاع المحاصر يومها الـ 69، أمس، وسط جهود عربية ودولية لوقفها ومنع تمددها إقليمياً.
واندلع قتال عنيف بين عناصر حركتي «حماس» و«الجهاد» والجيش الإسرائيلي في جنوب دير البلح، وشرق بني سهيلة ومحيط مخيم خان يونس، وتل الهوى، وشرق الزيتون وجحر الديك، وأطراف جنوب غرب حي الشجاعية، والشيخ رضوان، وجباليا، وبيت حانون.
وكشف المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، أن قواته تقاتل بإسناد من القوات الجوية وقوات المظليين في خان يونس وجباليا والشجاعية.
ووجهت «كتائب القسام» ضربة جديدة لقوات النخبة الإسرائيلية في حي الشجاعية بتأكيدها قتل 10 آخرين من ضباطه وجنوده، كما أعلنت سلسلة من العمليات شملت استهداف قوات مشاة، وتدمير دبابات وناقلات جند، في حين أقر الجيش الإسرائيلي بمقتل ضابط برتبة رائد وبإصابة 36 جندياً وضابطاً خلال 24 ساعة.
ودمرت الغارات الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة، منذ ليل الأربعاء وحتى صباح أمس، عشرات المنازل في خان يونس ورفح، بينما استمر القصف المدفعي الإسرائيلي العنيف على مدى ساعات الليل، مستهدفاً مناطق شرق ووسط رفح المتاخمة للحدود المصرية بجنوب القطاع الفلسطيني، ومناطق بطن السمين، وبني سهيلة، ومعن بخان يونس، ودير البلح.
وأشار مكتب الإعلام الحكومي في قطاع غزة، إلى أن الغارات والقصف الإسرائيلي استهدفا مربعاً سكنياً في بلدة جباليا شمال القطاع، ما أسفر عن تدمير 11 منزلاً.
وأودت الاستهدافات الإسرائيلية، بحياة 67 مدنياً، كما أصابت نحو 100 شخص.
وفي وقت تتهم أوساط عبرية الاستخبارات الإسرائيلية بالفشل في الوصول إلى أماكن احتجاز الرهائن المدنيين والأسرى العسكريين بالقطاع الفلسطيني منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر الماضي، قام الجيش الإسرائيلي بتوزيع منشورات في غزة يعد فيها بمكافأة مالية كبيرة لأي شخص يقدم معلومات عن مكان وجود كبار مسؤولي «حماس» وعرض دفع 400 ألف دولار لمن يرشد عن زعيم الحركة الإسلامية يحيى السنوار.
وفي موازاة مواصلته للحرب غير المسبوقة على القطاع المعزول شن الجيش الإسرائيلي لليوم الثالث على التوالي عملية عسكرية واسعة، بمشاركة 1400 جندي، في جنين بالضفة الغربية المحتلة أمس.
وأفادت وزارة الصحة الفلسطينية بأن 14 فلسطينياً قُتلوا وأصيب 20 على الأقل منذ بدء حملة المداهمات التي تنفذها سلطات الاحتلال بمدينة جنين ومخيمها.
وشهد الحي الشرقي من جنين مواجهات بين شبان وقوات الاحتلال التي فرضت حصاراً كاملاً على الحي، وأغلقت جميع مداخله بالآليات العسكرية والجرافات، ودمرت بنية تحتية وممتلكات خاصة خلال تمشيطها لنحو 400 مبنى واعتقال مئات المطلوبين.
وزاد عدد المعتقلين في الضفة منذ بدء الحرب على غزة على 4000 فلسطيني، بينما زاد عدد القتلى إلى 282 وعدد الجرحى إلى 3300 شخص.
سعي وتخلٍّ
وفي ظل تشكيك سلطات الاحتلال وأطياف المعارضة الإسرائيلية بقدرة الكيانات الفلسطينية على توحيد صفها لتقرير مصيرها أو إبرام اتفاق تطمح الإدارة الأميركية للتوصل إليه في حال النجاح بإنهاء حكم «حماس» لغزة، صرح القيادي في حماس موسى أبو مرزوق بالقول، إن الحركة الإسلامية التي لا تعترف بالدولة العبرية «تسعى لأن تكون جزءاً من منظمة التحرير الفلسطينية وستحترم موقفَها من إسرائيل».
وتزامن تلميح القيادي الإسلامي باحتمال الاعتراف بإسرائيل، مع تلويح محمود العالول، نائب رئيس حركة «فتح» التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بـ«عدم الاستمرار في التمسك باتفاقيات لا يلتزم بها أحد أطرافها» في إشارة إلى العديد من الاتفاقات التي أبرمتها السلطة الفلسطينية مع الدولة العبرية منذ اتفاق أوسلو عام 1993.
وقال العالول عبر منصة «إكس»: «أولويتنا الآن إيقاف شلال الدماء النازف في غزة وجنين، وكل محافظات الضفة بدل الانشغال في قضايا عبثية».
وأضاف: «الشعب الفلسطيني واحد والدم الفلسطيني واحد، وعلينا أن نقف جميعاً ومعاً لحماية الدم الفلسطيني، وهناك تواصل مع الكل الفلسطيني».
ضغط ودقة
ومع بروز مؤشرات على بدء نفاد صبر الحليف الأميركي، الذي يواجه ضغوطاً داخلية وخارجية تنتقد تعامله مع الكيفية التي تشن بها إسرائيل هجومها الوحشي على القطاع، أجرى مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، أمس، مشاورات شائكة مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في تل أبيب.
وعشية وصول سوليفان إلى تل أبيب في محاولة لضبط خطوات الائتلاف اليميني المتطرف بالأزمة التي تسببت في تشريد 85 في المئة من سكان القطاع، فضلاً عن مقتل نحو 19 ألف فلسطيني، أرجأت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ترخيص صفقة بيع بنادق «M16» لإسرائيل، بسبب مخاوف بشأن هجمات المستوطنين الإسرائيليين المتطرفين ضد الفلسطينيين في الضفة.
وذكرت شبكة «سي إن إن» أن ما بين 40 و45 في المئة من 29 ألف قنبلة ألقتها إسرائيل من الجو على غزة كانت غير موجهة أو ما يعرف بـ«القنابل الغبية» التي تشكل خطراً كبيراً على المدنيين.
وقبل سفره إلى تل أبيب التقى سوليفان مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في المملكة لمناقشة الحرب، وسبل ايجاد سلام دائم، ومنع تمدد النزاع إقليمياً، في ظل الهجمات التي تشنها جماعة «أنصار الله» الحوثية المتمردة من اليمن ضد السفن التجارية المتجهة إلى إسرائيل بهدف الضغط عليها.
تأييد وجدول
وفي وقت أظهر استطلاع رأي عبري أن أغلبية الشعب الإسرائيلي تؤيد مواصلة الحرب بهدف «سحق حماس» رغم تزايد عدد قتلى الجيش الإسرائيلي، تحدثت تقارير عن طرح إسرائيل لجدول زمني تواصل خلاله القتال المركز والمكثف حتى نهاية شهر يناير المقبل رغم مطالبة واشنطن بإنهاء تلك المرحلة بحلول بداية الشهر ذاته قبل الانتقال إلى عمليات محددة لاستهداف أنفاق «حماس» وقادتها بهجمات نوعية.
وأضافت مصادر أن إسرائيل ستكون بحاجة إلى بضعة أسابيع أخرى بعد انتهاء القتال المكثف، لاستكمال انسحاب القوات من قلب غزة ونشرها في الخطوط الدفاعية، بعضها داخل القطاع وبعضها خارجه.
وبحسب الأوساط العبرية، فإن التقديرات في إسرائيل تفيد بأن «مرحلة استكمال القضاء على حماس» ستمتد على مدى العام المقبل.
من جهة أخرى، ألغت سلطات الاحتلال زيارة لرئيس الموساد ديفيد بارنيا كانت مقررة إلى قطر أمس بهدف بحث صفقة جديدة لإقرار هدنة وتبادل إطلاق سراح محتجزين ورهائن بعد تقارير عن رفض «حماس» لمناقشة الإفراج عن العسكريين الإسرائيليين المحتجزين لديها قبل وقف الحرب.
قلق مصري
إلى ذلك، تزايد القلق المصري من دفع سكان غزة إلى النزوح باتجاه سيناء مع اشتداد حدة المعارك بجنوب القطاع المكتظ بنحو 1.8 مليون نازح من الشمال، وقال النائب المصري البارز مصطفى بكري، إن «الجيش الإسرائيلي يشن هجوماً بطول الحدود المصرية الفلسطينية على محور فلادلفيا بزعم تدمير أنفاق بين مصر وغزة». وتابع: «تطور خطير قد يدفع إلى انفجار الموقف بين مصر وإسرائيل بعد أن وصلت الضربات إلى أمتار قليلة من الحدود المصرية، العدو يتمادى في مخططاته. حدود مصر خط أحمر».
في السياق، أعلن وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون، فرض عقوبات ضد إسرائيليين متهمين بارتكاب أعمال قتل وترهيب ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية.
تعهد إسرائيلي لواشنطن بعدم تكرار «صور العراة»
أعلنت وزارة الخارجية الأميركية، ليل الأربعاء ـ الخميس، أن إسرائيل أقرت بأن التقاط ونشر صور لعشرات المعتقلين الفلسطينيين في قطاع غزة، مجردين من ملابسهم، باستثاء الداخلية، ومعصوبي الأعين، كان غير مناسب.
وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر إن الإسرائيليين «أوضحوا لنا أنه لم يكن ينبغي التقاط هذه الصور، ولم يكن ينبغي بثها، وأوضحوا أن تلك لن تكون من ممارساتهم في المستقبل، وأنهم إذا قاموا بتفتيش معتقلين سيعيدون إليهم ملابسهم على الفور». وكانت واشنطن أعربت علناً عن قلقها إزاء نشر الصور التي تخالف القانون الإنساني الدولي.