افتتاحية الجريدة: حكمت فعدلت... ثم رحلت
بقلوب يعتصرها الحزن والأسى ويعصف بها الوجع والألم، نشاطر الكويت كلها، كبارها وصغارها، شيوخها وشبابها، رجالها ونساءها، مصابنا الجلل بوفاة فقيدنا الغالي المغفور له بإذن الله تعالى سمو أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد، الذي انتقل إلى جوار ربه، أمس.
وعزاء كبير نتقدم به إلى أبناء سموه وذويه الذين عايشوه إنسانا وأبا وجدا ونهرا عذبا يرتوون من معين أخلاقه وتجاربه وإنسانيته، وسمو تواضعه ونبل خصاله.
أما العزاء الأكبر فنسوقه إلى صاحب الحزن الأعمق على رحيل سموه، عضده المعين وخليفته الأمين سمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الذي اختاره صاحب السمو ليحمله أمانة الكويت وأبنائها في مثل هذا اليوم العصيب من عمر البلاد، وما مات من ترك مثل مشعل الأحمد على سدة الحكم.
رحل نواف الأحمد ذلك الطود الشامخ الذي سطرت أياديه البيضاء مسيرة عطرة من العطاء والتفاني والإخلاص خدم فيها وطنه ومواطنيه، فكان أباً حانياً للجميع، ورمزاً للطيبة والتسامح والرحمة والتواضع، فانعكست تلك الخصال النبيلة الراقية التي جُبل عليه سموه، رحمه الله، منذ بداياته، لتصبح نماذج حية لنبل السلوك ورقي التعامل.
كم تغيّرت عليه المناصب وتعددت المواقع لكنه بقي كما هو جوهراً نقياً أصيلاً مضيئاً لا يتغير، فكان نواف الأحمد الإنسان الخلوق، والأب الحنون والمسلم التقي منذ بدايات توليه المسؤوليات الحكومية حتى تبوأ صدر الإمارة، وقاد مسندها أميراً عادلاً متسامحاً، مخلفاً وراءه إرثاً من الطيبة والتسامح يتذكره به القاصي والداني، ويقف الجميع أمامه مقدرين مدى ما كانت تنطوي عليه نفس هذا الإنسان الراقي.
تلك العيون الدامعة والقلوب الموجعة والنفوس التي يحرقها الألم، تبكي في وداع صاحب السمو، تبكي على الطيبة التي كانت عنواناً لشخصه، وعلى العدل الذي ظل نبراساً في قراراته، تبكي على رجل جعل من هموم الوطن واهتمامات مواطنيه شغله الشاغل، واهتمامه الأول، فظل يحملها على عاتقه حتى آخر لحظات عمره، كان دائماً حاضراً، لا يغيب عن قضايا مواطنيه أو تغمض له عين بعيداً عن تلك المسؤولية التي استرعاه الله إياها، كي يكون لديه جواب واف عندما يسأل عنها بين يدي الله تعالى.
كثير كثير ما أعطاه سموه للوطن ولأهله على حساب صحته وراحته، على قناعة تامة ظل يرددها بأن صحته وراحته هي راحة المواطنين وصحتهم، بقلب ظل يتسع بمحبته وتسامحه حتى وسع الجميع بإشفاقه وحنانه الذي لا ينساه أحد.
نواف الأحمد رمز خالد سيبقى في قلوبنا مثلما أسكننا في قلبه طول حياته، وسوف نستذكر دائماً سيرته العطرة الطيبة، مهتدين بخلقه الحميد، مسترشدين بقيمه مثالاً ودروساً نتعلم منها ونربي عليها صغارنا.
يا صاحب السمو... يعجز القلم الذي يكتب بمداد الدموع عن تعداد محطات سيرتكم المشهودة ومآثركم العديدة... فإلى رضوان الله «في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر».
يا صاحب السمو... لقد حكمت فعدلت فنشرت المحبة ثم رحلت... فنم قرير العين ممتعاً برضوان الله ورحمته، فستبقى في قلوبنا رمزاً حياً خالداً.