في وقت ضيّقت دعوات أوروبية لفرض هدنة إنسانية فورية الخناق على حكومة الحرب الإسرائيلية، التي تواجه انتقادات لاذعة من المعارضة الداخلية التي تتهمها بالفشل في تحقيق أهداف حملتها العسكرية المتواصلة على غزة منذ 72 يوماً، استعرت المواجهات بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس على عدة محاور في القطاع الفلسطيني المحاصر، خصوصاً في منطقة جباليا والشجاعية في الشمال والسطر الغربي والكتيبة والمحطة وسط خان يونس بجنوب المنطقة المتاخمة للحدود المصرية أمس.
وشن الطيران الإسرائيلي غارات جوية جديدة على القطاع أوقعت عشرات القتلى والجرحى بعد توعّد رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو بمواصلة الضغط العسكري، رغم تزايد الدعوات الرامية لجلبه إلى طاولة تفاوض لإقرار هدنة إنسانية وإجراء تفاوض يتيح إطلاق رهائن وأسرى تحتجزهم «حماس».
وأعربت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا من تل أبيب عن قلق بلادها البالغ إزاء الوضع في غزة جراء الحرب التي دخلت شهرها الثالث، مطالبة بهدنة فورية، وخفض التصعيد على الحدود بين الدولة العبرية ولبنان، التي تشهد تبادلاً لإطلاق النار بين الجيش الإسرائيلي و»حزب الله»» بشكل يومي منذ بدء العدوان على القطاع.
وقالت وزيرة الخارجية الفرنسية، خلال مؤتمر مشترك مع نظيرها الإسرائيلي إيلي كوهين، في تل أبيب، إن «الكثير من المدنيين قتلوا في غزة».
وذكرت كولونا أن «خطر التصعيد يبقى قائماً وفي حال خرجت الأمور عن السيطرة، أعتقد أن ذلك لن يكون في مصلحة أحد، وأقول ذلك لإسرائيل أيضاً»، مضيفة «هذه الدعوة إلى الحذر وخفض التصعيد تنطبق على الجميع».
وبعد أن نددت بالقصف على بناية سكنية، طلبت كولونا من إسرائيل تفسير ظروف استهداف منزل موظف فلسطيني بالمعهد الفرنسي ووفاته في غزة.
من جهته، قال كوهين: «نسمع من العالم دعوات لوقف إطلاق النار ضد حزب الله وحماس وذلك يعتبر مكافأة للإرهاب. أدعو كل الدول للوقوف إلى الجانب الصحيح من التاريخ».
وأضاف: «نحن لا نقاتل حماس فحسب بل نقاتل أيضاً الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان، وحكم الإرهاب في إيران».
ودعا كوهين نظيرته الفرنسية إلى العمل من أجل إبعاد «حزب الله» عن الحدود، وقال إن «المسألة يمكن حلها دبلوماسياً أو بالعمليات العسكرية».
تضييق خناق
في غضون ذلك، انضمت بريطانيا وألمانيا، أبرز حلفاء إسرائيل بعد الولايات المتحدة، إلى مطالب فرض هدنة مؤقتة بغزة.
وفي مقال مشترك في صحيفة «صنداي تايمز»، أكد وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون ونظيرته الألمانية أنالينا بيربوك «الحاجة العاجلة لتحقيق وقف دائم لإطلاق النار».
لكنهما قالا إنهما «لا يعتقدان أن الدعوة الآن إلى وقف عام وفوري لإطلاق النار هي السبيل للمضي قدماً، لأن ذلك يتجاهل سبب اضطرار إسرائيل للدفاع عن نفسها: حماس هاجمت إسرائيل بوحشية وما زالت تطلق الصواريخ لقتل المواطنين الإسرائيليين كل يوم. يجب على حماس أن تلقي سلاحها».
كما أعرب بابا الفاتيكان البابا فرنسيس، عن أسفه لمقتل امرأتين من الرعية الكاثوليكية في غزة.
وقال الحبر الأعظم إثر صلاة التبشير الملائكي في الفاتيكان: «مازلت أتلقى من غزة أنباء مؤلمة وبالغة الخطورة. يتم استهداف مدنيين عزّل بقصف وإطلاق نار».
وأضاف: «قتلت أم وابنتها وأصيب اشخاص آخرون برصاص قناص إسرائيلي» داخل رعية العائلة المقدسة في غزة، وهي الكنيسة الكاثوليكية الوحيدة في القطاع.وأمس، أفادت مصادر بأنه من المنتظر أن يتناول مجلس الأمن الدولي قراراً جديداً بشأن غزة خلال الأسبوع الحالي بعد عدة محاولات فاشلة للقيام بذلك.
وقدمت الإمارات مشروع قرار يتم تداوله الآن ومناقشته خلف الكواليس وفقاً للمصادر الدبلوماسية.
وتدعو المسوّدة في المقام الأول إلى تسهيل لوجيستي لإيصال المزيد من المساعدات الإنسانية إلى القطاع، ويمكن التصويت على المسودة اليوم.
وسبق أن فشل المجلس الدولي عدة مرات في إصدار قرارات بشأن وقف الحرب بسبب دعم واشنطن لإسرائيل واستخدامها لحق النقض «الفيتو».
تفعيل وتفويض
وعشية وصول وزير الدفاع الأميركي لويد أوستين للدولة العبرية لمناقشة جملة من الملفات التي تتعلق بالحرب ضمن جولة إقليمية تشمل قطر، ألمح نتنياهو إلى إعادة تفعيل التواصل مع الدوحة لإبرام اتفاق بشأن الرهائن على غرار الاتفاق السابق الذي توسطت به ونجح في إطلاق سراح 102 بينهم 78 اسرائيلياً مقابل هدنة امتدت أسبوعاً والإفراج عن 240 فلسطينياً. وقال نتنياهو: «لدينا انتقادات شديدة لقطر... لكننا نحاول الآن استكمال عملية استعادة رهائننا».
وذكر مكتب نتنياهو أنه سمح لأول مرة منذ بدء الحرب بإدخال مساعدات وإمدادات للقطاع المحاصر من معبر كرم أبوسالم إلى جانب معبر رفح المصري، حيث تزداد الأزمة الإنسانية حدة بعد نزوح 85 في المئة من سكان المنطقة نحو 1.9 مليون شخص بسبب القتال والقصف.
وجاءت تلك التطورات بعد أن زعم نتنياهو أنه حصل على تفويض بمواصلة القتال في غزة من عائلات الجنود الذين قتلوا بالقطاع. وقال نتنياهو تعليقاً على حادث مقتل 3 رهائن برصاص الجيش الإسرائيلي عن طريق الخطأ «إننا كنا على مقربة من احتضانهم»، مضيفاً «رغم كل الحزن العميق، أريد أن أوضح أمراً: الضغط العسكري ضروري لإعادة الرهائن وضمان النصر على أعدائنا».
في هذه الأثناء، طالبت عائلات الرهائن الذين لا يزالون محتجزين في غزة منذ عملية «طوفان الأقصى» التي شنتها حماس، حكومة نتنياهو بخطة تتيح الإفراج عنهم.
وقال زعيم المعارضة يائير لابيد، إنه لا يمكن لنتنياهو الاستمرار بمنصبه، معتبراً أنه من الممكن إجراء انتخابات في زمن الحرب التي أكد أنها يجب أن تستمر حتى يتم القضاء على «حماس».
وتأتي تصريحات زعيم المعارضة الإسرائيلية بينما دعت وزارة الخارجية الفلسطينية الولايات المتحدة والمجتمع الدولي إلى تحميل نتنياهو المسؤولية المباشرة عن تخريب جميع فرص السلام، واعتباره شخصاً غير صالح لأي مفاوضات أو ترتيبات مستقبلية في حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وأمس، أعلنت منظمة الصحة العالمية أن قسم الطوارئ في مجمع الشفاء الطبي بشمال غزة استحال «حمام دم» وبات يحتاج إلى إعادة تأهيل» بعد تعرضه لأضرار بالغة جراء القصف الإسرائيلي، فيما اتهمت حكومة غزة قوات الاحتلال باعتقال النزلاء والطواقم الطبية في مستشفى «كمال عدوان» وبتجريدهم من ملابسهم وبدفن جثامين قتلى بالجرافات داخل المقر الطبي.
وعلى جبهة أخرى، أعلنت وزارة الصحة مقتل 6 فلسطينيين على يد قوات إسرائيلية في طولكرم وجنين بالضفة الغربية المحتلة، ليصبح بذلك عدد القتلى الفلسطينيين في الضفة منذ السابع من أكتوبر، حوالي 290 شخصاً.