رغم تعافي كل أسواق العالم المالية من التحديات والتداعيات التي برزت منذ الأزمة المالية العالمية أواخر 2008 وما تلاها من اضطرابات سياسية وجائحة وغيرها، فإن بورصة الكويت تدخل العام الجديد (2024) محمَّلة ومُثقلة بالعديد من التحديات، التي لا تزال ترزح تحت وطأتها، وتحتاج إلى معالجات جذرية ناجعة، بعد أن فشلت كل الفرص والمساعي الرديفة للسوق في استيعاب المستثمرين وسيولتهم، فالسوق محور ارتكاز مهم في المعادلة، ويجب أن يتم تصحيح مساره.

يفقد السوق تدريجياً جاذبيته، سواء الاستثمارية أو المضاربية، فقاعدة الشركات التي تصلح للمضاربة تضيق شيئاً فشيئاً، بسبب المخاطر التي باتت تحملها هذه الأسهم من شطب أو إيقاف، نتيجة ممارسات داخلية تُرتكب، فيما الشركات الممتازة تضيق أمام حجم السيولة الهائل الذي يستهدفها، وغالبيتها تشبَّعت بملكيات كبيرة ومجمَّدة لا تشهد معدلات دوران مُرضية، بسبب استقرار الملكيات وضيق قاعدة رأس المال أمام حجم السيولة الباحث عن فرص.

Ad

البورصة تدخل 2024 بعد أيام قليلة، لكنها متخمة بكم كبير من التحديات الجسيمة، وفق وصف مديري استثمار تحدثوا لـ «الجريدة»، وكانت جملة التحديات هاجساً مشتركاً، خصوصاً أن رتابة الأداء وغياب التجديد والتحديث حوَّلا البورصة إلى مستنقع لتجميد الأموال.

فبنظرة سريعة يمكن تلمُّس أن في السوق شركات منذ 15 عاماً لم توزع أي أرباح للمساهمين، سواء بشكل نقدي أو منحة، تعيش فقط على الإشاعات أو علاقة قرابة بهذه المجموعة أو تلك، حتى أداؤها لا يشفع لها من نافذة أن الأداء مميز، والشركة تبني استثمارات للمستقبل ويمكن التغاضي عن التوزيعات، بل على العكس، بعضها يحقق أرباحاً بعشرات الآلاف، وهي لا تليق أبداً بشركة مدرجة رأسمالها بالملايين.

وجملة التحديات التي تؤرق المستثمرين، مؤسسات قبل الأفراد، تحتاج إلى معالجات سريعة في بيئة تشهد سرعة تشريعات وتعليمات وقوانين تنظيمية أسرع من عمليات التطوير والتحديث، ويمكن تسليط الضوء على هذه التحديات، علَّها تجد طريقاً للمعالجة والاهتمام:

1- ملف الإدراجات، حيث الوضع القائم للسوق حالياً ليس مُرضياً لجموع المستثمرين والمضاربين، فشركة واحدة نشيطة في البورصة لا يمكن أن تقود أو تستوعب سوقاً بأكمله. وقبل أن يصل السوق إلى مرحلة الاختناق مطلوب عمليات تجديد وإحلال، ووضع خطة على الأقل، بأن يتم إدراج 10 شركات خلال العام الواحد، بحيث يكون هناك برنامج زمني يقوم على إدراج شركة كل شهر، لم لا؟

2- معالجة ملف الأدوات الاستثمارية الذي تحوَّل إلى عقدة، فكيف أن نعلم أن بعض الأسواق فيها عشرات الأدوات الاستثمارية، في حين أن بورصة الكويت، الأقدم والأكثر عراقة، لا يوجد فيها سوى التداول النقدي الفوري.

3- 95 في المئة من حسابات التداول راكدة وخاملة، أي 403.5 آلاف حساب، بسبب المشاكل الجاسمة على صدور صغار المستثمرين الذين تم تدميرهم ونهب أموالهم من جانب شريحة من الشركات خرجت من مقصورة الإدراج، وفقدت 90 في المئة من قيمتها، وحتى فرصة التخارج من هذه الشركات عبر منصة «OTC» معقدة، وتحتاج إلى إجراءات وروتين غير مرن، وهو ما يجب معالجته، وتسهيل التعامل في هذه المنصة على المستثمرين أصحاب أسهم الشركات المشطوبة، وتخفيف حجم الرسوم الباهظة المطلوبة من شركات وساطة للاشتراك في تلك النافذة، ما دفعها للعزوف عن هذا السوق «الراكد»، حيث يجب ربطه بسجل المساهمين، وإتاحته عبر التطبيق المجاني لشركات الوساطة، وتخفيف ضرورة طلب شهادة أسهم حديثة وأي قيود معيقة لعملية التخارج.

4- سوق الاكتتابات الأولية تراجع واضمحل، وبعد أن كان سوق الكويت واحداً من أنشط الأسواق في الإصدارات، فقد هذه الريادة لمصلحة أسواق أخرى باتت أكثر جذباً للسيولة. وليس سراً أن شركات محلية باتت تقوم بدور وكيل استثمار وبيع لفرص خليجية وإقليمية وعالمية، وتخرج سنوياً مبالغ ضخمة، باحثةً عن فرص.

5- سوق السندات شبه اختفى، بعد أن كان يشهد نشاطاً كبيراً وتلجأ إليه الشركات الكبرى للتوسع والاستحواذ على فرص وتوفير سيولة طويلة أجل بشكل مستقر ومستدام كانت تمثل فرصة ووعاء استثمارياً لجزء غير قليل من أصحاب السيولة الراغبين في تنويع استثماراتهم بين فرص قليلة المخاطر.

6- الصكوك أداة إسلامية تشهد إقبالاً واسعاً في كل دول العالم، نظراً لطبيعتها التشاركية، كما أنها أداة قابلة للإدراج وتبادل الملكية، وفي السوق الكويتي بنوك وشركات رائدة في هذه الإصدارات، وتشارك في إصدارات مليارية عالمية، لكن محلياً لا رغبة ولا فرص ولا نشاط، كما هو حال البورصة عموماً.

7- الصناديق الاستثمارية، بات التأسيس على استحياء، وأصبح الإقبال عليها من الأفراد ضعيفاً جداً، بعد أن كانت أهم أداة في السوق تحقق تنوعاً للمستثمرين، وتُدر عليهم أرباحاً رديفة لمضارباتهم، فتراجعت الشهية الاستثمارية، واضمحلت سيولة هذه الأداة المهمة التي تحرِّك كل أسواق العالم، من خلال سيولة مؤسسية طويلة الأجل.

8- سوق الاستحواذات تراجع، وشهد ضعفاً حاداً، بعد مرحلة من النشاط والحيوية، حيث ضاقت الفرص الجيدة أو المقنعة، نتيجة ضعف الاقتصاد التشغيلي وتراجع المشاريع وخمول كثير من المجاميع، وكل هذه التراجعات شكَّلت عبئاً كبيراً وضاغطاً على إيرادات قطاعات كثيرة كانت تقدم خدماتها الاستشارية والمالية والتمويلية.

9- هدوء خيَّم على شركات الاستثمار، فبعد موجة من النشاط والفورة توقفت وباتت شريحة إما تعتمد على عقار استثماري أو تجاري يُدر عليها إيراداً أو بحثاً عن دور في صفقة تخارج أو إدارة.

10- اختفت زيادات رأس المال التي كانت إحدى قنوات الربح للمكتتب والشركة، فالشركة تحصل على سيولة رخيصة، والمستثمر يستفيد من فارق سعر الاكتتاب والسوق، فباتت الزيادات خطراً على قطاع البنوك الأكثر أماناً وثقة، وتشفع له توزيعاته النقدية السنوية ومحافظته على أرباح مستدامة في كل الأحوال.

يتبقى أن نعرف بالأرقام أن حجم الودائع للقطاع الخاص في القطاع المصرفي يصل حالياً إلى 37.72 مليار دينار (117 مليار دولار)، بسبب ضيق الفرص، سواء في البورصة وأدواتها الاستثمارية المالية أو غيرها.