بقايا خيال: بقي أن يستظل في ظل شجرة قرير العين
قلما تجد حاكماً عربياً نهل من كؤوس السياسة أباً عن جد مثلما نهل صاحب السمو أمير البلاد الراحل الشيخ نواف الأحمد الجابر المبارك الصباح من منابع السياسة التي كانت أقرب إليه من حبل الوريد، فهو وبحق الحاكم ابن الحاكم ابن الحاكم، الذي عرف كيف يتقي الله حق تقاته، فعرف كيف يكسب قلوب أبناء شعبه، فتعرف شعبه عن قرب على خلقه الرفيع وتواضعه الجم منذ نعومة أظافره في عالم السياسة.
وقلما تجد حاكماً اشتهر بتواضعه الشديد وعلاقته الحميمة مع أبناء شعبه، مواطنين ووافدين، كالراحل الشيخ نواف الأحمد، فأين تجد أناساً من علية القوم يهتمون بكل أطياف المجتمع، حتى لو كان عاملاً وافداً، كما يهتم حكامنا بتفاصيل راحة الناس؟ وأين تجد حاكماً كالراحل الكبير الذي أفصح عن قلة نومه وقلقه الشديد على العامل الذي يعمل في الشارع من منطلق المسؤولية الاجتماعية والسياسية لأي حاكم في أي دولة مسلمة، كما روى القصة عن سموه الزميل عادل الزواوي، أمين عام مجموعة الثمانين بالأمس حول آخر زيارة له للراحل، فوجد شحوباً على محيا سموه بسبب قلة النوم، وهذا ما تعلمه سموه عندما كان صغيراً من والده صاحب السمو الشيخ أحمد الجابر المبارك الصباح حاكم الكويت العاشر، الذي كان يشكو لجلسائه من قلة النوم لشدة قلقه على راحة الرعية.
ومنذ أن وطئت قدمي منطقة أبوالحصانية الساحلية في صيف عام 1998، وأنا أسمع عن دوام قدوم الراحل الشيخ الوقور نواف الأحمد الجابر الصباح، سليل الأمراء، إلى هذه المنطقة الهادئة الوادعة البعيدة عن صخب المدينة وضجيجها، من أجل أن يؤدي فريضة صلاة الجمعة في أحد مساجدها (مسجد هيا الإبراهيم)، حيث وجده مكاناً مريحاً وهادئاً للصلاة، بين مجموعة صغيرة متناثرة من الكويتيين وجمع من الوافدين، فهو كان يرى في الناس بمختلف أطيافهم، مواطنين ووافدين، مساواة وسواسية، تعلمه في صباه عندما ألحقه والده، رحمه الله، في المدرسة الجعفرية في مطلع أربعينيات القرن الماضي، ليتعلم أهمية وحدة أبناء الكويت وتكاتفهم في كل الظروف، ومن تقلده مناصب متنوعة علمته ترسيخ القيم الإسلامية والأخلاق الإنسانية، وهي مبادئ جعلت من سموه مدرسة في الإخلاص للوطن وبحراً في الإنجاز لضمان المستقبل.
ولهذا ورغم قصر فترة حكمه فإنها كانت تتميز بالهدوء والاستقرار استعداداً للانطلاق نحو الإنجاز، وهذا ما يدفعنا إلى القول إن شدة تعلق قطبي الحاكم والمحكوم ببعضهما جعلت وجود الحرس حول هذا الحاكم أمراً غير اعتيادي، حتى لو رأى فيه الأغراب عن بلادنا أنه غير مأمون العواقب، ولهذا نقول وبكل فخر إنه لم يبق إلا أن يستظل في ظل شجرة دون حراسة لينام هذا الحاكم قرير العين، ولنثبت للعالم نعمة الأمن والأمان التي نعيشها في الكويت، ولهذا نجدها قليلة في حق الراحل الكبير عندما نقول: «حكمت فعدلت... ورحلت فأبكيت».
نسأل الله أن يتغمد أميرنا الراحل بواسع رحمته، وأن يسكنه فسيح جناته، وأن ينعم عليه بعفوه ورضوانه، وأن يلهمنا الصبر والسلوان، داعين المولى عز وجل أن يوفق أميرنا ووالدنا صاحب السمو الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح في قيادة البلاد إلى ما فيه خير الكويت والإنسانية جمعاء، إنه سميع مجيب الدعاء.