استعرض بنك الكويت المركزي لمحة حول أبرز التطورات الاقتصادية والنقدية والمصرفية في الكويت، وإلقاء الضوء على أهم المؤشرات المرتبطة ببعض الدول المختارة خلال الربع الثالث من عام 2022، ويعد هذا الإصدار الأول ضمن سلسلة من الإصدارات الجديدة المطورة لبنك الكويت المركزي، وسيصدر بصفة دورية ربع سنوية.

وقال «المركزي» إن خفض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي وفق تقريره حول آفاق الاقتصاد العالمي لشهر أكتوبر ليصل الى 3.2 و2.7% للأعوام 2022 و2023 على الترتيب، مقارنة بنمو بلغ نحو 0.6% عام 2021 (أقل من توقعات التقارير الصادرة في أبريل ويوليو 2022) نتيجة لأربعة عوامل متداخلة، هي: أزمة غلاء المعيشة الحالية، والسياسات النقدية التشددية في الكثير من دول العالم، وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، والآثار المتبقية من أزمة كورونا.

كما توقع الصندوق أن يصاحب ذلك التباطؤ معدلات متزايدة للتضخم ليصل إلى 8.8% عام 2022 قبل أن ينخفض إلى 5.6% عام 2023.
وفي ذات السياق، رفع صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للكويت ليصل إلى نحو 8.7% لعام 2022 مقارنة بنمو بنحو 8.2% للعام المذكور (توقعات أبريل 2022)، في حين أبقى على توقعاته لنمو بنحو 2.6% لعام 2023 دون تغيير.
Ad


وضمن محاولة البنوك المركزية لتحقيق استقرار مستويات الأسعار، وبالرغم من استمرار معدل التضخم في الولايات المتحدة في التباطؤ منذ يونيو 2022، بعد أن بلغ أقصى نسبة له 9.1% في مايو 2022 ليصل إلى نحو 8.3% في أكتوبر 2022، فإن «الفدرالي الأميركي» استمر في سياسته النقدية التشددية برفع سعر الفائدة بواقع 75 نقطة أساس للمرة الرابعة على التوالي في 2 نوفمبر 2022، وهو الرفع السادس لهذا العام، في محاولة لكبح جماح التضخم الذي وصل لمستويات قياسية، ليقتفي أثره العديد من البنوك المركزية في دول العالم المختلفة، سواء برفع سعر الفائدة بنفس القدر من الزيادة أو بنسب مختلفة، كما اختارت بنوك أخرى تثبيت أسعار الفائدة عند مستوياتها الحالية، حيث لم يجار بنك الكويت المركزي الفدرالي الأميركي في وتيرة تحريك سعر الفائدة بذات المستويات. في السياق، وفي ضوء متابعة بنك الكويت المركزي الحثيثة والمستمرة لكل التطورات والمؤشرات الاقتصادية والنقدية في الأسواق الدولية والتطورات الجيوسياسية وأثرها على الأوضاع الاقتصادية العالمية، وما تفرضه هذه التطورات وتداعياتها من ضرورة الاستجابة بحسب مقتضيات وطبيعة اقتصاد الكويت، وما تظهره البيانات المتاحة من مؤشرات تعكس استمرار سلامة ومتانة أوضاع الاستقرار النقدي والاستقرار المالي في الكويت، فقد تم تفعيل الأدوات المتاحة لديه وتعزيزها في سبيل تحقيق أهدافه، ويأتي ذلك في إطار النهج المتوازن الذي يتبعه بنك الكويت المركزي لسياسته النقدية الهادفة إلى تكريس الاستقرار النقدي والمالي لوحدات القطاع المصرفي والمالي، والمحافظة على جاذبية العملة الوطنية كوعاء موثوق للمدخرات المحلية، وتعزيز الأجواء الداعمة للنمو الاقتصادي المستدام.

وفيما يلي نعرض بإيجاز تحليلا للمؤشرات الاقتصادية والنقدية والمالية للكويت: بداية، نشير إلى استمرار تباطؤ معدل التضخم في الكويت (على أساس سنوي) للشهر الخامس على التوالي، حيث تراجع من نحو 4.71% في أبريل 2022 ليبلغ نحو 3.19% في سبتمبر 2022. في مقابل ذلك، ما زالت العديد من الاقتصادات العالمية (ومن بينها معظم اقتصادات دول المنطقة) تظهر اتجاها متصاعدا للتضخم خلال نفس الفترة.

ويجب أن نشير في هذا الإطار إلى أن البنوك المركزية تقوم بتصميم سياساتها النقدية بناء ومتطلباتها الاقتصادية وأوضاع الاقتصاد المحلي، لكن العديد من تلك البنوك، التي ترتبط عملتها بالدولار الأميركي، كونه العملة الدولية الموثوق بها في إتمام المعاملات التجارية والمالية بين الدول، غالباً ما تلجأ إلى اتباع قرارات الفدرالي الأميركي فيما يخص سعر الفائدة (كإحدى أدوات السياسة النقدية)، أما الدول ذات سعر الصرف المعوم أو المربوط بسلة من العملات لا تتماشى في أغلب الأحيان مع قرارات الفدرالي وفقاً لأوضاعها الاقتصادية.

فيما يخص سعر الصرف بدولة الكويت، ُنشير إلى أنه منذ 20 مايو 2007 وبموجب المرسوم رقم 147 لسنة 2007، تم ربط سعر صرف الدينار الكويتي بسلة مرجحة من العملات العالمية لأهم الشركاء التجاريين والماليين بدولة الكويت.

وتعتبر سياسة بنك الكويت المركزي الخاصة بسعر صرف الدينار الكويتي عاملاً أساسياً في تحقيق الاستقرار النسبي لسعر صرف الدينار مقابل العملات الأخرى، كما ساعدت هذه السياسة في تعزيز الاستقرار والتخفيف بشكل غير مباشر من حدة تداعيات التضخم المستورد على الاقتصاد المحلي، مما يعكس أهمية سعر الصرف بالنسبة للاقتصاد الكويتي الذي لا يفرض أية قيود على حركة رؤوس الأموال. ووسط الأوضاع العالمية الحالية سواء اختناقات سلاسل التوريد العالمية والتداعيات السلبية للأزمة الروسية الأوكرانية التي ترتب عليها ارتفاع أسعار الطاقة والسلع الغذائية الاستراتيجية، مما أدى لزيادة ضغوط التضخم المستورد على معظم الاقتصادات، ومن بينها دولة الكويت التي تقوم باستيراد معظم الاحتياجات السلعية من الخارج (مثلت الواردات من السلع نحو 3.23% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2021). وتشير الأدبيات الاقتصادية إلى أهمية التنسيق بين السياسات الاقتصادية المختلفة في كافة الدول لمعالجة التضخم المستورد ومنها تصميم برامج الضمان الاجتماعي الموجهة لترسيخ مرتكزات الأمن الغذائي، وهو ما تسير على نهجه الحكومة الكويتية.

ثانياً- المؤشرات النقدية والمصرفية المختارة

أ‌. عرض النقد بمفهومه الواسع (M2):

على أساس سنوي، شهد عرض النقد بمعناه الواسع (M2) ارتفاعاً قيمته 1.327 مليار دينار وبنسبة 3.7% لتبلغ قيمته نحو 37.621 مليار دينار في نهاية شهر سبتمبر 2022، مقابل رصيد بلغت قيمته نحو 36.293 مليار دينار في نهاية سبتمبر 2021.

ب‌. أرصدة ودائع المقيمين في البنوك المحلية:

تشير بيانات الودائع بالدينار الكويتي إلى وجود اتجاه تصاعدي لودائع المقيمين لدى البنوك المحلية منذ أبريل 2021، بالرغم من أن سعر الخصم في بنك الكويت المركزي كان عند أدنى مستوياته 1.5% نتيجة السياسة التوسعية التي اتبعها البنك أثناء جائحة كورونا، التي بدأت في 16 مارس 2020 واستمرت عامين.

هذا، وارتفعت أرصدة هذه الودائع بنحو 33.43 مليار دينار وبنسبة 7.7 %خلال الفترة من نهاية أبريل 2021 حتى نهاية سبتمبر 2022. علماً أن هذه الودائع في معظمها تخص القطاع الخاص بنسبة بلغت في المتوسط 76.9% من بداية عام 2022 وحتى سبتمبر عام 2022.

ج. أرصدة التسهيلات الائتمانية للمقيمين:

تشير بتشير بيانات أرصدة التسهيلات الائتمانية للمقيمين إلى ارتفاع قيمتها بنحو 29.42 مليار دينار وبنسبة 6.8% ليصل إجمالي الرصيد إلى 46.486 مليار دينار في نهاية سبتمبر 2022 مقابل رصيد قيمته 43.544 مليار دينار في بداية العام.

حجم الودائع

تشير البيانات التاريخية لمستويات حجم الودائع إلى ارتفاعها، على الرغم من تقارب أسعار الفائدة على الأموال الفدرالية الأميركية وسعر الخصم في الكويت، وعلى الرغم من تراجع الهامش بين السعرين، فإنه لم يؤثر على الاتجاه العام للودائع في البنوك المحلية، ويأتي ذلك تأكيداً على رسوخ الودائع في القطاع المصرفي، ومما يؤشر أيضاً إلى الثقة الدائمة والمستمرة بالعملة الوطنية كوعاء جاذب وموثوق للمدخرات المحلية، لما يتمتع به الدينار الكويتي من استقرار أمام الدولار الأميركي والعملات الرئيسية الأخرى، وهي كلها ضمن محركات جذب واستقرار الودائع في الاقتصاد الوطني وليس سعر الخصم وحده، بل هناك العديد من الأدوات التي يستخدمها البنك المركزي في إطار سياسته الرقابية. في هذا السياق، تشير هذه البيانات إلى السياسات والتعليمات الرقابية الحصيفة لبنك الكويت المركزي، والحدود القصوى للتركز الائتماني والإنكشافات الكبيرة ومخاطر التركزات لدى عملاء الائتمان، إلى جانب ترشيد السياسة الائتمانية بما تتضمنه من ضوابط لمنح القروض من حيث الغرض من هذه التسهيلات والتحقق من استخدامها في مقاصدها، كذلك فإن السياسات الائتمانية للبنوك المحلية في دولة الكويت ساهمت في تحقيقها نتائج مالية إيجابية وفقاً لما أعلنته البنوك من تحقيق أرباح خلال الفترة المنقضية من عام 2022، نتيجة للثقة الكبيرة في أداء القطاع المصرفي الكويتي، وسط ما يتمتع به من مرونة تمكنه من مواجهة التحديات المعاصرة من مركز قوة، وهو ما تؤكده مؤشرات السلامة المالية للقطاع المصرفي الكويتي من حيث كفاية رأس المال والسيولة وجودة الأصول والربحية.

وفي موازاة ذلك، يوفر الاقتصاد الكويتي بيئة استثمارية مناسبة، إذ يمتلك العديد من المزايا التنافسية لأنه بيئة استثمارية آمنة في ظل حالة عدم اليقين وتراجع فرص النمو الاقتصادي في العديد من دول العالم. وختاماً، تؤكد المؤشرات الاقتصادية والنقدية على السياسة النقدية المتوازنة للبنك المركزي ومتابعته الحثيثة للأوضاع الاقتصادية المحلية والعالمية، وفي ضوء ذلك يتم اتخاذ القرار بما يصب في مصلحة الاقتصاد الوطني.

ومن خلال المتابعة التاريخية اتسمت سياسة البنك المركزي الكويتي دائماً في اتخاذ القرارات الخاصة بمختلف أوجه النشاط الاقتصادي ضمن إطار متطلبات التوازن الاقتصادي على نحو يحقق النمو الاقتصادي المستدام، أخذاً بالاعتبار خصوصية الاقتصاد الكويتي والأهداف التي يسعى إليها البنك من تأمين ثبات النقد الكويتي وحرية تحويله إلى العملات الأجنبية الأخرى، وتوجيه سياسة الائتمان بما يدعم التقدم الاقتصادي والاجتماعي وزيادة الدخل القومي، ومراقبة الجهاز المصرفي.