في أواخر 2011 شاركت في بعض الاجتماعات التأسيسية لـ«الجمعية الكويتية للإخاء الوطني» بهدف نبذ القبلية والطائفية، وحضرها كل أطياف الكويت المخلصين، حينها تحدث الراحل د.شملان العيسى حول صعوبة تحقيق أهدافها على المدى القصير، لأن من بين المجتمعين– آنذاك- من ينتمي إلى القبيلة والطائفة، أو إلى تيارات سياسية ودينية، وبعضهم موالون لمتطلبات وظائفهم الحكومية.
وتساءل د.العيسى «كيف يستطيع هؤلاء أن ينفصلوا عن ولاءاتهم الدينية والسياسية والقبلية والوظيفية بسهولة لخدمة جمعية تطوعية؟ وصدق بن عيسى في بعض ما قاله حينها وكأنه يستشرف المستقبل، لأن الجمعية لم تنجح في تحقيق أهدافها كاملاً، فقد تبين، لي شخصياً على الأقل، أنه «ما فيش فايدة يا صفية»، رغم أنني أعددت حينها خطة إعلامية مفصلة لهذه الجمعية وعرضتها على اللجنة الإعلامية التي أشادت بها وناقشتها، إلا أنه لم يطبق منها شيء يذكر.
اليوم وبعد مرور أكثر من عشر سنوات على تأسيس الجمعية لا نرى سوى مقالات متفرقة لبعض مؤسسيها تدعو إلى نبذ القبلية والطائفية وتطبيق قانون الوحدة الوطنية بحذافيره، أما النشاطات الاجتماعة والتثقيفية لنشر الوعي بين مختلف فئات المجتمع فلا أثر لها يذكر حتى لو كان على استحياء.
وقس على هذه الجمعية عشرات من جمعيات نفع عام مازالت تظهر على السطح منذ الستينيات حتى يومنا هذا، أغلبها كانت لتحقيق أهداف مهنية عند التأسيس، ثم تحولت إلى ملتقى للمتقاعدين وقاعات للتأجير لزيادة الإيرادات بعد توقف الدعم الحكومي.
«هبَّة» التأسيس لا تقتصر على جمعيات النفع العام فقط، إنما انتقلت العدوى إلى الهيئات العامة التي تؤسس في البداية لتحقيق أغراض وطنية وأهداف سامية، ثم تتحول إلى أوكار لتوظيف الموالين أو لكسب الولاءات، والحقيقة المرة تقول إن «الحكومة ما تبي تحقق أهداف... مو غصب»، فالهيئة العامة للطرق والنقل العام مثلاً أسست لفك التشابكات بين وزارات الدولة (الداخلية والأشغال العامة والبلدية)، إلا أنها لم تحقق الهدف الأسمى من تأسيسها رغم مرور أكثر من عشر سنوات على ولادتها.
قبل فترة اجتمعت مجموعة جديدة أطلق عليها «الذود عن الهُوية الوطنية»، وأصدرت بياناً ضمنته مطالبة بضرورة إنشاء الهيئة العامة للجنسية، ودعم جهود وإجراءات الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين في البلاد بصورة غير قانونية وحماية الهوية الوطنية والقضاء على شبهات التجنيس، ورغم تأييدي المطلق لجهود هذه المجموعة الوطنية سواء من خلال مقالاتي العديدة وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، الساعية نحو التخلص من مشكلة المزدوجين والمزورين والحفاظ على الهوية الوطنية، فإنني أرى أن جهودهم المخلصة وسمو أهدافهم ستذهب سدى، لأن «حكومتنا ما تبي». والدليل أن هذه الحكومة والحكومات المتعاقبة تعرف تفاصيل قضية البدون المقيمين بصورة غير قانونية قبل ظهور الأخ العزيز صالح الفضالة على المشهد الوطني بعقود، ولكن هذه الحكومات لم تعرها اهتماماً، وتعرف بقضية مزوري وثائق الجنسية، وأسماء المتهمين بتزوير هذه الوثائق، لكنها «ما تبي...»، وتعرف أيضاً قضية مزدوجي الجنسية ومزوري الشهادات العلمية وإجازات قيادة السيارة، وتعرف جيداً من هم تجار الإقامات الذين دمروا التركيبة السكانية، ولكن «عمك أصمخ»، وإلا فلماذا لم تحقق مجموعة الـ26، ومجموعة دواوين الكويت، ومجموعة الثمانين وغيرها من مجاميع وطنية كامل أهدافها طوال السنوات الماضية، رغم أنها سادت في البداية وأخلصت ثم بادت؟ ألم يكن بسبب إهمال الحكومة؟