الله يغير علينا!
ينبغي أن نقف كثيراً عند قرار سمو الأمير «مشكوراً» بإيقاف التعيينات والنقل والندب «والنهب» في جميع أجهزة الدولة، حفاظاً عليها من لعبة المصالح المدمّرة بين الحكومة والمجلس، والتي كشف عنها صراحةً فور توليه مسند الإمارة في مفاجأة حطّمت الأصنام البروتوكولية المعتادة، هذا القرار كشف عن فوهة بركان خامد سيثور قريباً في غمرة انشغالنا بلعبة الكراسي الموسيقية النشاز بين هذا الفريق وذاك، وهو بركان سنتناوله في هذا المقال، ونتمنى أن يُستكمل المشوار بنظرة شاملة حداثية وهيكلية لكل مؤسسات الكويت الخَرِبة، ولا يقتصر على تعيين الشواغر والترقيات، بل بمراجعة إنتاجية وأهداف كل جهة بشكل كلي وتفصيلي إلغاءً واستحداثاً، توسعةً وانكماشاً، مع تعيين قيادي إداري مقتدر لرئاسة الحكومة، يتحلى بالنظرة والفهم والقدرة والشجاعة والنزاهة، نحلم بذلك بعد أن خُذلت الكويت كثيراً.
ولأن الأرقام لا تكذب، بعكس أغلب مسؤولينا، بلغت الرواتب الحكومية في موازنة السنة المالية الحالية 10 مليارات دينار، مع استئثار المؤسسات الأمنية (الداخلية والدفاع والحرس)، بالإضافة إلى وزارة التربية، بقرابة 80% من ذلك البند! (4 جهات من بين 30 جهة)، وعلى الرغم من الإنتاجية المتدنية والمتردية لهذه القطاعات مع تخمتها، شهدت مؤخراً ترقيات ومكافآت وتوزيع رتب بشكل هستيري لم تشهده الكويت حتى في أحلك ظروفها الأمنية والسياسية! وعند الاطلاع على رواتب الجهات الأخرى مع عقد بعض المقارنات المتعلقة بإنتاجيتها نكتشف الكثير من المفارقات، منها تجاوز رواتب وزارة الإعلام السنوية الـ235 مليون دينار (بما يتجاوز 3 أضعاف رواتب أكبر المؤسسات الإعلامية في العالم مثل BBC وCNN)، ومنها بلوغ رواتب وزارة الأوقاف 407 ملايين دينار، بالمقارنة مع 31 مليوناً فقط للوزارة السلحفاة المعنية بحقوق ومصالح المواطنين، وهي وزارة العدل، يحيا العدل!
عن البركان الخامد، ليس سراً إدراك عجز الكويت عن تعيين 25.000 موظف جديد (خريجي سوق العمل سنوياً) في جسدها الحكومي المتعب، ولا يقتصر الأمر على التعيين بل يتعداه إلى أهمية كون الوظائف ذات فائدة حقيقية للدولة والمجتمع بآليات حقيقية للثواب والعقاب، تتناسب مع إنتاجية المنظومة والفرد بعيداً عن سخافات تفضيل الأقدمية والواسطات وشهادات الدكتوراه (مع احترامي للكفاءات من بينهم)، وهذا ما لا (ولن) تستطيع الدولة تأمينه، فسبيلها الوحيد لذلك عبر توفير بيئة عمل تنافسية محفزة لقطاع خاص حقيقي لا يقتات من موائد الدولة الباذخة، يتكفل باحتضان الكوادر الكويتية بدون قرارات حكومية قراقوشية ساعية لإجباره على ذلك (وفي ذلك الكثير من المحاولات الفاشلة)، لن أشطح بعقد مقارنات مع الدول المتفوقة عالمياً، بل مع محيطنا الخليجي الصغير، سأختصر المقال بحقيقة عمل الغالبية العظمى (68%) من الموظفين الخليجيين في القطاع الخاص بدولهم (2.7 مليون موظف من أصل 3.9 ملايين موظف)، في مقابل عمل 15% فقط من الموظفين الكويتيين في هذا القطاع المحارِب والمحارَب، وهي نسبة ازدادت انحساراً في السنوات الأخيرة، إذ انخفض عددهم من 80.000 عام 2011 إلى 73.000 في العام الحالي، بالتزامن مع تضاعف عدد موظفي الحكومة الكويتيين في نفس الفترة من 200.000 إلى قرابة 400.000، على العكس من وعود حكوماتنا الفارغة، هذه نظرة الخليج لمستقبله واستدامته، وهذه نظرتنا، والله يغيّر علينا.