وصفهم نعوم تشومسكي بالباحثين عن النجومية، بينما دمغهم المفكر الراحل إدوارد سعيد بدمغة تهكمية بأنهم «الدارسون المقاتلون»، ومثالهم فؤاد عجمي، وكتابه «قصر من أحلامنا»، وسمير الخليل (كنعان مكية، اسمه الحقيقي)، وكتابه «جمهورية الخوف»، ونجم جريدة نيويورك تايمز في مقالاته وتحليلاته عن العلاقات الخارجية توماس فريدمان، وما أكثر ما شدّ هذا الأخير انتباه ربعنا في الكويت وإعجابهم، حين ننبهر ببساطة كتاباته وتوافقها مع كسلنا الفكري!
الراحل فؤاد عجمي، الأستاذ السابق في الجامعات الأميركية، هو أميركي من أصل لبناني، وكان في كتاباته عن مشرقنا العربي يمينياً أكثر من المتطرفين اليمينيين الغربيين في نظرتهم المتعالية عن العرب، وزار الكويت وحاضر في جمعية الخريجين الكويتية قبل حرب الخليج الثانية واحتلال العراق بفترة قصيرة وأثناء استعدادات الأميركان للغزو، وصوّر الأمور القادمة ذلك الوقت بأنها ستكون «سمناً على عسل» في عراق ما بعد صدام... وصفقنا له بكل عفوية بعد المحاضرة، وتم إسكات كل صوت معارض حينها.
وكان فؤاد من فئة كتاب إلقاء اللوم على العرب أنفسهم بكل مآسيهم، فهو من كتب مقالاً قبل سنوات في دورية فورن أفيرز بعنوان «وليس على العرب غير لوم أنفسهم»، وكم أعجبت بها ذلك الوقت وكتبت عنها، فقد كانت تمثل تجاوباً عاطفياً سطحياً مع تيار السذاجة السائد حينها عندي، ومازال مسيطراً عند الكثيرين هنا من فئة كتاب «أنا أكتب إذاً أنا نجم لامع».
يرى المفكر الأصيل إدوارد سعيد أن كلمات فؤاد عجمي تبرئ الولايات المتحدة وصانعي القرار فيها، كما تبرئ إسرائيل بالطبع من أي دور أدته هذه الفوضى المريعة. كتب إدوارد ما سبق في منتصف تسعينيات القرن الماضي، كتب وكأنه يقرأ المستقبل عن مأساة الفلسطينيين ومذابح غزة اليوم والموقف الشائن للولايات المتحدة ومعها دول الغرب الأوروبية التابعة لها.
ماذا يقول إدوارد في كتابه «السلطة والسياسة والثقافة»- وهو مجموعة لقاءات فكرية مع الراحل- عن المثقفين ودورهم المطلوب في مجتمعاتهم؟ وهل لدينا «إنتلكتشول» أي مثقفون حقيقيون هنا؟! هل نتخيل وجودهم مثلاً في الكويت إذا طبقنا مسطرة إدوارد وأستاذه الروحي «أنطونيو غرامشي» في تحديد المثقفين الملتزمين بدولنا العربية؟ وهل يمكن لهؤلاء الملتزمين الفكريين أن يكتبوا الحقيقة كما هي؟ وكيف يحللونها بعقلانية؟ هل لهم أن يعبروا عن فكرهم بمصداقية؟ وهل يمكنهم كسر قيود المحرمات المجتمعية وقوانين الدولة القمعية...؟ لهذا حديث آخر.