القرار الجديد للأمم المتحدة تطبيق لقرار «الاتحاد من أجل السلام»
نجحت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في مواجهة فشل مجلس الأمن والاضطلاع بدوره في المحافظة على الأمن والسلم الدوليين، باتخاذ قرار يطالب بوقف فوري لإطلاق النار في غزة «لأسباب إنسانية» في محاولة جديدة لوقف ما تعرفه هذه المدينة الصامدة وشعبها من قتل وتدمير وتخريب ومعاناة.
وجاء اعتماد هذا القرار وبتاريخ 13 ديسمبر من هذا الشهر، ولعله جاء متأخراً بمناسبة الاحتفال بمرور 75 عاماً على اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10 ديسمبر 1948، ليؤكد على صحوة جديدة للمجتمع الدولي ممثلاً بالجمعية العامة للأمم المتحدة التي تضم في عضويتها 193 دولة، ومحاولة أخرى من هيئة أممية تمثل عملياً كل دول العالم لوضع حد لما تعيشه مدينة غزة منذ أكثر من شهرين، وما هو مرشح أيضاً لمزيد من الانتهاكات لقواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
لقد تم اتخاذ القرار الأخير للجمعية العامة بفضل التصويت الإيجابي لأغلبية ساحقة من أعضاء هذه الجمعية وصلت إلى 153 صوتاً، مقابل 10 أصوات صوتت ضده، وامتناع 23 دولة عن التصويت. وجاء هذا القرار تطبيقاً لقرار «الاتحاد من أجل السلام» الذي سبق أن اتخذته الجمعية العامة في 3/ 11/ 1950 تحت الرقم (377).
يتضمن هذا القرار رقم (377)، ثلاثة أجزاء، وما يعنينا منه هو الجزء الأول، وبخاصة الفقرة (أ-1) التي تشير إلى ما يلي: «إذا لم يتمكن مجلس الأمن، بسبب عدم إجماع أعضائه الدائمين، من مباشرة مسؤوليته الرئيسة في حفظ السلام والأمن الدولي فيما يخص أية حالة يظهر فيها تهديد للسلم، أو إخلال بالسلم، أو وقوع عمل من أعمال العدوان، تنظر الجمعية العامة في المسألة على الفور بهدف تقديم توصيات مناسبة إلى الأعضاء من أجل اتخاذ تدابير جماعية، بما في ذلك استخدام القوة المسلحة في حالة الإخلال بالسلم أو وقع عمل من أعمال العدوان، وذلك لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه. إذا لم تكن الجمعية العامة منعقدة في ذلك الوقت فيمكن أن تنعقد في دورة استثنائية طارئة خلال أربع وعشرين ساعة من تلقي طلب بعقد مثل هذه الدورة، وتنعقد مثل هذه الدورة الاستثنائية إذا ما طلب عقدها أية سبعة أعضاء في مجلس الأمن أو أغلبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة».
لقد تم اللجوء، حتى الآن، إلى قرار الجمعية العامة رقم (377)، في ثلاث حالات في النصف الثاني من القرن الفائت، وهي:
1- العدوان الثلاثي على مصر 1956:
أدى قرار الجمعية العامة رقم 377 دوراً مؤثراً وناجحاً في نشاطات هذه الجمعية وأعمالها إبان هذا العدوان الثلاثي، وصدرت عدة قرارات لهذه الجمعية تدين إسرائيل وبريطانيا وفرنسا على عدوانها على مصر وتطالبهم بسحب قواتهم العسكرية الموجودة على الأراضي المصرية.
2- تدخل حلف وارسو في هنغاريا 1958:
تم تفعيل قرار الجمعية العامة إثر تدخل قوات حلف وارسو بزعامة الاتحاد السوفياتي في هنغاريا عام 1956، واجتمعت هذه الجمعية لمناقشة هذا الموضوع، ولكن لم يتم تطبيق أي من القرارات الصادرة عنها آنذاك، مما يعني أن القرار 377 لم يؤدّ أي دور في حل الأزمة التي كانت شكلاً آخر من أشكال الصراع الذي عرفه القرن العشرون بين المعسكرين الغربي والشرقي إبان الحرب الباردة.
3- طلب الرأي الاستشاري من محكمة العدل الدولية 2003:
أصدرت محكمة العدل الدولية رأيها الاستشاري بخصوص الجدار العنصري الفاصل في فلسطين اعتماداً على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة (الأعمال الإسرائيلية غير القانونية في القدس الشرقية المحتلة وبقية الأراضي الفلسطينية المحتلة)، تاريخ 12/12/ 2003، وجاء في حيثيات قرار الجمعية العامة تبيان «ما الآثار القانونية الناشئة عن تشييد الجدار الذي تقوم إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، بإقامته في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية وما حولها، على النحو المبين في تقرير الأمين العام، وذلك من حيث قواعد ومبادئ القانون الدولي، بما في ذلك اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة ذات الصلة؟».
واعتمدت محكمة العدل الدولية لتأسيس صلاحيتها القانونية للنظر في الآثار القانونية الناشئة عن تشييد الجدار الفاصل في فلسطين، على قرار الجمعية العامة الآنف الذكر، والذي تم اعتماده، كما أوضحت المحكمة في حيثيات رأيها الاستشاري، بالتطبيق لقرار الجمعية العامة رقم (377)، وكان واضحا من هذا الرأي الاستشاري من أن «تشييد الجدار الذي تقوم إسرائيل، الدولة القائمة بالاحتلال، ببنائه في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية وحولها، والنظام المرتبط به، يتعارض مع القانون الدولي».
هذه هي حالة ثالثة من الحالات التي سمحت باللجوء إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة وبقصد استصدار قرار ومن دون حاجة للجوء إلى مجلس الأمن.
أتاح أخيرا تفعيل قرار (الاتحاد من أجل السلام) للجمعية العامة مناقشة الأوضاع المأساوية التي تعيشها مدينة غزة وشعبها، وكذلك فضح الجرائم البشعة التي ترتكبها دولة الاحتلال في حق الشعب الفلسطيني، ويبقى أن تتضافر الجهود مجدداً لمزيد من المبادرات الدولية في محاولة لدفع الأمم المتحدة بمختلف هيئاتها ووكالاتها لوقف هذه الحرب الهمجية بدءا بوقف إطلاق النار ومحاولة إيجاد حل سلمي، وكذلك محاسبة كل المسؤولين عن مختلف الجرائم التي تم ارتكابها على أفعالهم وتصرفاتهم.
* أكاديمي وكاتب سوري مقيم في فرنسا.