كم مرة علينا ترديد عبارة «انفخ يا شريم»؟!
عشرون نائباً طالبوا ألا تصدر أيّ قوانين ما لم تكن موافقةً للشريعة، هم بذلك ينادون بتعديل المادة 79 من الدستور، ولو حدث ذلك، فلنقل وداعاً لما تبقّى من نصوص الدستور، وبهذا المعنى أصدرت عدة جمعيات نفع عام، وناشطون سياسيون بياناً يحذّرون فيه من مغبة تلك المطالبات البرلمانية، التي يمثّل أصحابها أكثر من ثلث نواب المجلس.
لا جديد في مطالبات هؤلاء النواب، فهي تتكرر «تقريباً» مع كل فصل تشريعي منذ عام 1992، ولا جديد في ردود التقدميين و«الليبراليين»، والنعت الأخير يصفهم به خصومهم الدينيون «اللاهوتيون»، بقصد السخرية والازدراء، فهم يرون الليبرالية ككأس خمر وتعرٍّ وفجور وكل الموبقات التي تضجّ بها ثقافة المحرّمات والممنوعات التي تلاحق الإنسان في أدقّ خصوصياته، وهي ثقافة كما يرونها «مقدسة»، ومن وحي إلهي أزلي غير قابل للنقاش والجدل، وعندهم أنه في اللحظة التي يتم فيها تعديل الدستور كي يتطابق مع دعوتهم للدولة الدينية، ستحل كل المشاكل المزمنة بالدولة من أزمات أخلاقية وقانونية وفساد، وتصبح الكويت جنة الله على الأرض، رغم أن هذه الجنة التي يحلمون بها قد تكون متحققة في أفغانستان أو في المناطق التي خضعت في السابق لحُكم «داعش» أو حركة الشباب في الصومال وبعض أجزاء من نيجيريا.
هل من المجدي التحذير من عدم المساس بالدستور أو من إرساء دعائم الدولة الدينية والضياع الحتمي للحريات المدنية وحكم القانون الوضعي بإجراءاته التي تثبّت المراكز القانونية في المعاملات المدنية كعمليات البنوك والتعاقد أو الشرط الجزائي كعدم جواز مصادرة حرية إنسان من دون إذن قضائي، وعدم جواز التعذيب وغيرها، الإجابة هي عبارة «لا جدوى»!
فهؤلاء النواب انتُخبوا بعد أن أطلقوا وعودهم لقواعدهم الانتخابية بأسلمة القوانين، وكأن القوانين كائنات بشرية وليست مجازاً خيالياً مثل وصف الدولة بحدّ ذاتها، فهي يمكنها أن تقف وتقول الشهادة، تلك المجاميع الانتخابية لا تدرك معنى الدولة الدينية وتداعياتها في مصادرة حقوقهم، أو ربما هم لا يكترثون لتلك الحقوق بداية كحريات التعبير؛ ماداموا يستظلون - حسب فهمهم - بحكم الشريعة، وهم يخلطون تماماً بين العقيدة والشريعة.
فكل إنسان له مطلق الحرية في اختيار عقيدته، ولو أن هذا ليس له ظل من الحقيقة في الكويت؛ سواء في الدستور الكويتي الذي يحدّد هوية الدولة بالإسلام، أو بالقوانين الجزائية التي تلاحق الأفراد في عقائدهم وتصادر أيّ عقيدة غير إسلامية، كمنع كسب الجنسية لغير المسلمين، الشريعة بدورها كقوانين جزائية ومعاملات مدنية ظهرت مع قيام الإسلام يمكن أن تُعدّل وتتغير حسب الظروف الزمانية والمكانية، فمن غير المعقول أن يُحكم الأفراد باجتهادات فقهاء - مهما كانت عظمتهم - قبل أكثر من ألف عام.
من جديد نعيد طرح السؤال: هل من جدوى من هذا الكلام؟ والإجابة بالنفي، فنحن في مجتمع ضحل في فكره وثقافته، مسطّح تماماً في وعيه الغارق بمستنقع الاستهلاك والرّيع. عدد من دعاة الليبرالية - وهم ليسوا «ليبراليين» حقيقيين وإنما «ليبرتاريون»، أي يمثّلون طبقة مصالح خاصة تجارية تقوم على مصادفة الوراثة والكسب السهل - لهم مواقف سيئة في مضمار قضايا حقوق الإنسان.
ماذا بعد؟ لا شيء أبداً غير ترديد عبارة «انفخ يا شريم»... كم سئمنا هذه الحال!
لا جديد في مطالبات هؤلاء النواب، فهي تتكرر «تقريباً» مع كل فصل تشريعي منذ عام 1992، ولا جديد في ردود التقدميين و«الليبراليين»، والنعت الأخير يصفهم به خصومهم الدينيون «اللاهوتيون»، بقصد السخرية والازدراء، فهم يرون الليبرالية ككأس خمر وتعرٍّ وفجور وكل الموبقات التي تضجّ بها ثقافة المحرّمات والممنوعات التي تلاحق الإنسان في أدقّ خصوصياته، وهي ثقافة كما يرونها «مقدسة»، ومن وحي إلهي أزلي غير قابل للنقاش والجدل، وعندهم أنه في اللحظة التي يتم فيها تعديل الدستور كي يتطابق مع دعوتهم للدولة الدينية، ستحل كل المشاكل المزمنة بالدولة من أزمات أخلاقية وقانونية وفساد، وتصبح الكويت جنة الله على الأرض، رغم أن هذه الجنة التي يحلمون بها قد تكون متحققة في أفغانستان أو في المناطق التي خضعت في السابق لحُكم «داعش» أو حركة الشباب في الصومال وبعض أجزاء من نيجيريا.
هل من المجدي التحذير من عدم المساس بالدستور أو من إرساء دعائم الدولة الدينية والضياع الحتمي للحريات المدنية وحكم القانون الوضعي بإجراءاته التي تثبّت المراكز القانونية في المعاملات المدنية كعمليات البنوك والتعاقد أو الشرط الجزائي كعدم جواز مصادرة حرية إنسان من دون إذن قضائي، وعدم جواز التعذيب وغيرها، الإجابة هي عبارة «لا جدوى»!
فهؤلاء النواب انتُخبوا بعد أن أطلقوا وعودهم لقواعدهم الانتخابية بأسلمة القوانين، وكأن القوانين كائنات بشرية وليست مجازاً خيالياً مثل وصف الدولة بحدّ ذاتها، فهي يمكنها أن تقف وتقول الشهادة، تلك المجاميع الانتخابية لا تدرك معنى الدولة الدينية وتداعياتها في مصادرة حقوقهم، أو ربما هم لا يكترثون لتلك الحقوق بداية كحريات التعبير؛ ماداموا يستظلون - حسب فهمهم - بحكم الشريعة، وهم يخلطون تماماً بين العقيدة والشريعة.
فكل إنسان له مطلق الحرية في اختيار عقيدته، ولو أن هذا ليس له ظل من الحقيقة في الكويت؛ سواء في الدستور الكويتي الذي يحدّد هوية الدولة بالإسلام، أو بالقوانين الجزائية التي تلاحق الأفراد في عقائدهم وتصادر أيّ عقيدة غير إسلامية، كمنع كسب الجنسية لغير المسلمين، الشريعة بدورها كقوانين جزائية ومعاملات مدنية ظهرت مع قيام الإسلام يمكن أن تُعدّل وتتغير حسب الظروف الزمانية والمكانية، فمن غير المعقول أن يُحكم الأفراد باجتهادات فقهاء - مهما كانت عظمتهم - قبل أكثر من ألف عام.
من جديد نعيد طرح السؤال: هل من جدوى من هذا الكلام؟ والإجابة بالنفي، فنحن في مجتمع ضحل في فكره وثقافته، مسطّح تماماً في وعيه الغارق بمستنقع الاستهلاك والرّيع. عدد من دعاة الليبرالية - وهم ليسوا «ليبراليين» حقيقيين وإنما «ليبرتاريون»، أي يمثّلون طبقة مصالح خاصة تجارية تقوم على مصادفة الوراثة والكسب السهل - لهم مواقف سيئة في مضمار قضايا حقوق الإنسان.
ماذا بعد؟ لا شيء أبداً غير ترديد عبارة «انفخ يا شريم»... كم سئمنا هذه الحال!