مع تحذيرات الخبراء من مواجهة الاحتلال «حرب استنزاف»، خصوصاً مع إقراره بتكبده أكبر خسارة بشرية منذ بدء توغله برياً في غزة، بخسارته 14 من ضباطه وجنوده خلال المعارك في 24 ساعة، أفادت هيئة البث بأن حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تريد إنشاء هيئة في القطاع تتولى إدارة المساعدات وتوزيعها على سكانه، بالتعاون مع المنظمات الدولية، على أن تكون من السكان المحليين، بهدف تأهيلها «الكيان العميل» لإمساك زمام الأمور بالمنطقة الفلسطينية المعزولة التي سيطرت عليها «حماس» عام 2007.

وفي حين تواصلت المعارك الضارية في شمال وجنوب ووسط القطاع، أوضحت الإذاعة العبرية أن الهيئة المزمع تشكيلها ستركز عملها في شمال قطاع غزة، الذي تعتقد إسرائيل أنها انتزعت السيطرة عليه عسكرياً من «حماس»، مضيفة: «هذا النموذج سيكون ممكناً بفضل حقيقة مفادها أن الجيش الإسرائيلي قد سيطر بشكل شبه كامل على المنطقة، وأن حماس غير موجودة هناك بحكم الأمر الواقع».

Ad

وتوقعت هيئة البث أن تكون الجهة التي ستتولى المسؤولية عن توزيع المساعدات الإنسانية هي ذاتها التي ستتولى زمام الأمور بالقطاع بأكمله في المستقبل، في حال نجحت الدولة العبرية في تحقيق هدفها المعلن من حربها الانتقامية المتواصلة على غزة منذ 79 يوماً، مضيفة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال، في محادثات مغلقة، إنه راضٍ عن معدل التقدم الذي يحرزه الجيش، وهو ما يدفع باتجاه تنظيم الأمور المدنية.

مبادرة وترقب

في غضون ذلك، نقلت وكالة بلومبرغ، عن مصادر مطلعة، أن مصر طرحت مبادرة لإنهاء الحرب ووقف إطلاق النار في غزة.

وقالت المصادر، إن محادثات رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» إسماعيل هنية في القاهرة اختتمت أمس الأول، وإن وفد الحركة عاد إلى قطر للتشاور مع المكتب السياسي، بشأن المبادرة التي تتضمن مقترحا لتشكيل «حكومة تكنوقراط» فلسطينية لإدارة الضفة الغربية المحتلة وغزة، إضافة إلى مهام إعادة الإعمار والإيواء بعد انتهاء الحرب التي تشنها إسرائيل، مضيفة أن الحركة الإسلامية تبدي موافقة أولية على المقترح.

في المقابل، تحدثت صحيفة يديعوت أحرنوت عن استمرار حالة الجمود في محادثات تبادل الأسرى، التي تقود الوساطة بها الدوحة بمشاركة مصر وبالتنسيق مع الولايات المتحدة، مضيفة أن رئيس «حماس» بغزة يحيى السنوار غير معني بالتوصل إلى صفقة جزئية لتبادل المحتجزين حالياً.

وأفادت الصحيفة بأن نتنياهو طلب من بايدن ليل السبت ـ الأحد الضغط على القطريين لإنجاز الصفقة، لكن هذا المحور لا يحقق أي نتائج حتى الآن رغم عرض الاحتلال على «حماس» صفقة تتضمن هدنة طويلة، بين أسبوع إلى أسبوعين، مقابل الإفراج عن النساء والأطفال والشيوخ والمرضى.

وأضافت أن المصادر تترقب الوصول إلى استنتاج، في غضون يومين، مفاده بأننا وصلنا إلى طريق مسدود، وأنه لا يوجد اتفاق جزئي، أو أن مفاوضات كبرى «الجميع مقابل الجميع» ستبدأ بعد ذلك، لافتة إلى أن «حماس» قادرة على الصمود في وجه العمليات العسكرية، وتكبد الجيش الإسرائيلي خسائر فادحة يومياً.

حسابات وانتقادات

في هذه الأثناء، رفض نتنياهو تقارير تفيد بأن الولايات المتحدة أقنعته بعدم توسيع العمليات، وقال خلال اجتماع حكومته: «إسرائيل دولة ذات سيادة. قراراتنا العسكرية تُبنى وفقاً لحساباتنا الخاصة».

وحول تفاقم الخسائر البشرية في صفوف الجيش الإسرائيلي، قال نتنياهو: «الحرب تفرض علينا ثمناً باهظاً جداً، لكن لا خيار لدينا سوى مواصلة القتال»، وزعم أن قواته قتلت الآلاف من الفصائل الفلسطينية، وتابع: «هذه حرب ستكون طويلة الأمد، سنواصل للنهاية حتى عودة الرهائن والقضاء على حماس، وحتى نستعيد الأمن في الشمال والجنوب على حد سواء».

ومع تعاظم الخسائر البشرية لجيش الاحتلال جراء أكمنة المقاومة، انتقد وزير الاقتصاد الإسرائيلي نير بركات «الاستسلام للضغوط الخارجية حتى من أقرب الأصدقاء»، في إشارة إلى الدعوات الأميركية والغربية لتفادي قتل المدنيين عبر القصف الجوي العشوائي على القطاع، والدعوة إلى تحويل العملية العسكرية إلى مهام دقيقة بواسطة القوات البرية.

ووصف بركات الاستجابة للضغوط الخارجية بأنه «خطأ فادح ندفع ثمنه غالياً»، معتبراً أنه «من غير المقبول أن نعرض جنودنا للخطر، ونرسلهم مكشوفين إلى جميع أنواع المباني دون أن نقصفها مسبقاً».

وجاء ذلك غداة تأكيد بايدن لنتنياهو «الحاجة الملحّة إلى حماية المدنيين، بما يشمل من يدعمون عملية المساعدة الإنسانية وأهمية السماح للمدنيين بالتنقل بأمان للابتعاد عن مناطق المعارك الجارية».

ونفى بايدن أن يكون قد طلب من نتنياهو وقف إطلاق النار بغزة خلال المكالمة، وهو ما اعتبرته «حماس» مشاركة وتواطؤا في «القتل والتدمير في غزة».

ضحايا وجرائم

من جانب آخر، أعلنت وزارة الصحة بغزة ارتفاع عدد ضحايا القصف منذ 7 أكتوبر الماضي إلى 20424 قتيلاً و54036 جريحاً، موضحة أنه تسبب في مقتل نحو 166 وإصابة 384 آخرين خلال الساعات الـ24 الماضية.

ودعت «حماس» إلى تحقيق دولي في تنفيذ الاحتلال «إعدامات ميدانية لأكثر من 137 مدنياً فلسطينياً في غزة والشمال».

في المقابل، أفاد الجيش الإسرائيلي بمقتل 14 من جنوده، ليرفع العدد المعلن للقتلى في صفوفه إلى 154 منذ بدء الاجتياح البري في 27 أكتوبر الماضي وإلى نحو 485 منذ بدء الحرب.

وتزامن ذلك مع تأكيد مفوضية الأمم المتحدة للاجئين أن الحرب في غزة تتحدى المنطق والإنسانية، وتهيئ لمستقبل أكثر كراهية وأقل سلاماً، معتبرة أن وقف إطلاق النار هو السبيل الوحيد لوقف إزهاق الأرواح وإيصال المساعدات وإطلاق الرهائن.