نقل الجيش الإسرائيلي تركيز عملياته العسكرية إلى وسط قطاع غزة مع دخول الحرب الانتقامية التي يشنها ضد «حماس» يومها الـ 80، مخلفاً عشرات القتلى والجرحى في قصف جوي على مخيمات المغازي والنصيرات والبريج، إذ أمر سكان الأخير بالإخلاء الفوري باتجاه مدينة دير البلح.
وأفاد مسؤولون بقطاع الصحة الفلسطيني بأن ضربات جوية قتلت 100 شخص في واحدة من أكثر الليالي دموية في القطاع المحاصر، خلال المعركة المستمرة منذ 11 أسبوعاً.
وتواصلت المعارك الطاحنة بين القوات الغازية والفصائل الفلسطينية على عدة محاور في شمال وجنوب القطاع بالتوازي مع تحركات الجيش الإسرائيلي لاجتياح محيط مدينة دير البلح في المحافظة الوسطى، كخطوة جديدة ضمن مرحلة ثالثة من الهجوم البري الذي انطلق في 27 أكتوبر الماضي.
في المقابل، أطلقت الفصائل رشقات صاروخية باتجاه مستوطنات غلاف غزة، وأعلنت «كتائب القسام» تدمير نحو عشرات الآليات، وقتل 52 جنديا خلال 48 ساعة، فيما أقر الجيش الإسرائيلي بمقتل جنديين آخرين، مما رفع إلى 156 حصيلة خسائره على أرض غزة.
وارتفعت حصيلة قتلى الجيش الإسرائيلي منذ شن «حماس» لهجوم «طوفان الأقصى» إلى 489، فيما بلغ عدد جرحى الاحتلال 1998 مصاباً، بينهم 325 إصابة خطيرة.
وأمس الأول، قال الجيش، في بيان، إنه عثر على جثث 5 إسرائيليين كانوا محتجزين في غزة داخل نفق بمخيم جباليا شمال القطاع.
فوضى رفح
وفي وقت مازال الوضع في غزة كارثياً، رغم تبني مجلس الأمن الجمعة الماضية قراراً يدعو إلى تسليم المساعدات الإنسانية الفورية على نطاق واسع، حيث لم تسجل زيادة كبيرة في هذا المجال، وقعت اضطرابات جديدة بالقرب من معبر رفح الذي تدخل منه شاحنات المساعدات إلى القطاع من مصر.
وانتشر فيديو يظهر تسارع حشود في محاولة الحصول على أي مساعدة يمكنهم الحصول عليها من الشاحنات، في الوقت الذي يعاني جميع سكان غزة انعدام الأمن الغذائي، وشبح انتشار مجاعة جراء الإجراءات التي يفرضها الاحتلال على المنطقة المعزولة. وسمع دوي إطلاق نار في الفيديو، لكن لم يعرف مصدره أو كيف اندلع.
ورغم نفي مصادر مصرية رسمية، في وقت سابق، صحة تقارير تحدثت عن إبلاغ سلطات الدولة اليهودية القاهرة عزمها إعادة احتلال طريق «فيلادلفيا» الحدودي بين القطاع وسيناء، جددت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية في تقرير نشرته أمس تأكيد مصادر أن الجيش الإسرائيلي بدأ عملية توغل بالدبابات على المحور الاستراتيجي.
وأفادت الصحيفة العبرية بأن جيش الاحتلال يطلق قذائفه باتجاه منطقة جنوب رفح.
ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن ضابط بارز في الجيش الإسرائيلي قوله إن قيادة الاحتلال تعتقد أن العملية العسكرية ستمتد فترة أطول من المتوقع بعد العثور على شبكة أنفاق تفوق توقعات الجيش بالمنطقة الجنوبية المتاخمة للحدود المصرية.
في هذه الأثناء، أفيد بأن حكومة الحرب الإسرائيلية، برئاسة بنيامين نتنياهو، بحثت اقتراح مصري لإنهاء الحرب من ثلاث مراحل.
وقبيل الاجتماع أعلن نتنياهو أنه توجه إلى قطاع غزة، مؤكدا تكثيف القتال ضد «حماس»، ونافيا صحة «تكهنات إعلامية» بقرب إعلانه وقف إطلاق النار.
صمود ووساطة
في المقابل، بعث رئيس «حماس» بغزة، يحيى السنوار، رسالة مهمة ومطولة إلى رئيس وأعضاء المكتب السياسي للحركة بالخارج.
وأشار السنوار إلى أن «كتائب القسام» تخوض معركة شرسة وعنيفة وغير مسبوقة ضد الجيش الإسرائيلي، الذي تكبد خسائر باهظة في الأرواح والمعدات. وأضاف المطلوب الأول للدولة اليهودية أن «كتائب القسام استهدفت خلال العملية البرية، ما لا يقل عن 5 آلاف جندي وضابط، قُتل ثلثهم، وأصيب ثلثهم الآخر بإصابات خطيرة، والثلث الأخير بإعاقات دائمة، أما على صعيد الآليات العسكرية، فقد تم تدمير 750 منها، بين تدمير كلي وجزئي».
وقال رئيس «حماس» إن كتائب القسام هشمت الجيش الإسرائيلي، وهي ماضية في مسار تهشيمه، وانها لن تخضع لشروط تل أبيب.
وثمّن السنوار في الرسالة صمود الشعب الفلسطيني، مشيراً إلى أنه قدم نماذج في التضحية والبطولة والمروءة والتضامن والتكافل، وأن واجب القيادة السياسية المسارعة إلى تضميد جراح الناس، وتعزيز صمودهم.
وتأتي رسالة السنوار في أعقاب العروض التي تلقتها قيادة «حماس» من الحكومة الإسرائيلية عبر الوسيطين القطري والمصري، والتي ترتكز على هدن إنسانية مؤقتة، في وقت تؤكد فيه الحركة تجاوز الهدن الإنسانية إلى الوقف الشامل لإطلاق النار.
وأمس نقلت «رويترز» عن مصادر رفض «حماس» و«الجهاد» مقترحاً بإنهاء السيطرة على غزة، وإجراء انتخابات مقابل هدنة دائمة، وعدم ملاحقة قادة الحركتين.إلى غزة.
وذكر مصدر في «الجهاد الإسلامي»، ثاني أكبر حركة مسلحة في غزة بعد «حماس»، أن الأمين العام للحركة زياد النخالة وصل على رأس وفد إلى القاهرة، لإجراء مشاورات أمس الأول.
على الصعيد الدولي، قال بابا الفاتيكان البابا فرنسيس خلال قداس عيد الميلاد في روما: «قلبنا في بيت لحم» مهد يسوع المسيح بالضفة الغربية المحتلة، مندداً بـ«منطق الحرب الخاسر».
وأضاف البابا، في «رسالة الميلاد» أمس، ان الأطفال الذين يلقون حتفهم في الحروب، بما في ذلك في غزة، هم «يسوع الصّغير اليوم»، وإن الضربات الإسرائيلية هناك تؤدي إلى «حصد مروع» للمدنيين الأبرياء.
وأدان فرنسيس «الوضع الإنساني اليائس» للفلسطينيين في غزة، داعياً لوقف العمليات العسكرية والإفراج عن الرهائن الذين مازالوا محتجزين في القطاع وعددهم نحو 130 معظمهم من العسكريين الإسرائيليين.
من جانب آخر، أكدت وزارة الخارجية بالسلطة الفلسطينية أن «التصعيد الإسرائيلي يعرقل أي آلية دولية لإيصال المساعدات والاحتياجات الأساسية الإنسانية للمدنيين في القطاع، فيما أعلن الجيش الأردني أن طائراته أسقطت مساعدات لنحو 800 شخص لجأوا إلى كنيسة القديس فرفوري في شمال غزة.
الحرب تعيد الإسرائيليين عقدين وتأثيرها يتمدد اجتماعياً واقتصادياً
رسم تقرير نشرته صحيفة معاريف العبرية، أمس، صورة قاتمة بشأن تداعيات حرب غزة، التي انطلقت شرارتها عقب الهجوم غير المسبوق الذي شنته «حماس» في 7 أكتوبر الماضي، على المجتمع والاقتصاد الإسرائيليين. ووجد تقرير سنوي عن «حالة الدولة»، أصدره مركز «تاوب»، الذي يعد أحد بيوت الخبرة ومركزا لصناعة الفكر في الدولة العبرية، أن سوق العمل في إسرائيل في جميع الأحوال يدفع فاتورة باهظة.
وأشار التقرير إلى أن 20 في المئة من الإسرائيليين، بواقع 900 ألف عامل، لا سيما من الشباب، أغلبهم يعملون في قطاع «الهاي تيك» انقطعوا عن العمل، إذ أدى القتال في المناطق القريبة من غزة والحدود مع لبنان إلى تعطل 144 ألف عامل في تلك المناطق.
وفي نوفمبر الماضي تراجع أعداد المنقطعين من 900 إلى 500 ألف. وانقطع 310 آلاف من الآباء والأمهات عن العمل في تلك المناطق، في ظل توقف المنظومة التعليمية لأبنائهم، بينما انقطع 135 ألفا عن العمل لأسباب اقتصادية أو لتعرّض مكان العمل لضربات بالصواريخ.
وشكك التقرير في قدرة منظومة الرعاية الاجتماعية، التي واجهت حرباً لم تكن مستعدة لها، على استيعاب عشرات الآلاف ممن أصبحوا تحت مظلتها، وهم قرابة 126 ألفا، أصبحوا في حاجة للرعاية الاجتماعية، استوعبتهم 220 منشأة. باحثو المركز أشاروا في تقريرهم إلى أزمة انقطاع الكهرباء وآثارها على البيئة والصحة العامة للمجتمع، وهو ما جعل الدولة العبرية تعود عن خطوات إصلاحية اتخذتها قبل نحو عقدين من الزمان، ووجدوا أن الحكومة قامت بخطوات للحفاظ على تدفق الكهرباء، فأصدرت تراخيص لمحطات تعمل بالديزل أو الفحم.
وحذر التقرير من أن العودة المكثفة للوقود الأحفوري ستزيد من التلوث الجوي والمخاطر على الصحة وزيادة معدلات الإصابة والوفيات.
في غضون ذلك، كشفت تقارير عبرية أن تكلفة الحرب منذ أكتوبر الماضي حتى الآن تصل إلى نحو 180 مليون دولار، لافتة إلى أن هذا المبلغ الضخم يساوي ميزانية الأمن السنوية بأكملها. كما لفتت إلى أن تكلفة الحرب تأتي من دون المساعدات الأميركية، بعدما أرسلت واشنطن حتى الآن 230 طائرة شحن، و20 سفينة تحمل ذخائر لسلاح الجو الإسرائيلي، إلى جانب قذائف مدفعية وعربات مدرعة وأعتدة قتالية.
دمار بشري غير مسبوق شهده عام 2023 وصدمة غزة قد تستمر عقوداً
اعتبرت منظمة الصليب الأحمر البريطانية أن عام 2023 شهد «حجماً غير مسبوق» من الدمار البشري، محذرة من أنه من المرجح أن يعاني ضحايا غزة «صدمة قوية» لعقود. وكان الصليب الأحمر البريطاني أطلق أربع طلبات طارئة منفصلة هذا العام، إضافة إلى استمرار عمله لدعم المتضررين من الحرب الدائرة في أوكرانيا. وقال رئيس منطقة أوروبا والشرق الأوسط في الصليب الأحمر البريطاني روري مويلان إن الوضع اليائس الناجم عن الصراعات والزلازل والفيضانات في أنحاء العالم يمكن أن يخلف «صدمة عميقة وتداعيات نفسية بالنسبة للمتضررين، وخصوصاً الأطفال». وأضاف «حقيقة أنه كان لدينا سبب لإطلاق أربع مناشدات طارئة هذا العام تمنحنا فكرة بشأن حجم الدعم الإنساني اللازم حاليا». ووصف مويلان «الوضع الصعب» في غزة، حيث تحدث زملاؤه بالصليب الأحمر عن إصابة الأطفال بالمرض، ومواجهة الشتاء بدون ملابس ملائمة، إضافة لفرارهم من منازلهم هرباً من القصف المستمر منذ شهرين. وقال مويلان «الصراع في الأراضي الفلسطينية المحتلة أحدث وضعاً يائساً في ظل احتياجات إنسانية ضخمة ومعاناة لا تطاق».