عن رائعته «العقد الفريد» يقول أحمد بن عبدربه: «ألفتُ هذا الكتاب وتخيرتُ جواهره من مُتخير جواهر الأدب ومحصول جوامع البيان، فكان جوهر الجواهر ولباب اللباب، إنما لي فيه تأليف الأخبار وفضل الاختيار وحُسن الاختصار».
وقال في مكانٍ آخر من الكتاب، إنه في اختياره لأشرف جواهر الأدب إنما يجري على وصايا القرآن وبعض العلماء باختيار أحسن الأقوال، ومع ذلك فإنه عُرضة للزلل لأن الكمال لله وحده، فمن ألف فقد استهدف للخصومة إلا عند من يعدلون وقليل ما هم.
ثم يقول: «وقد حذفت الأسانيد من أكثر الأخبار طلباً للاستخفاف والإيجاز وهرباً من التثقيل والتطويل لأنها أخبارٌ مُمتعة وحكم ونوادر لا ينفعهما الإسناد باتصاله ولا يضرهما حذفٌ منها، وقد كان بعضهم يحذف أسانيد لأحاديث من سنةٍ شريفة مفروضة، فكيف لا أحذف سنداً لنادرة شاردة أو مثل سائر أو خبر مُستطرف أو حديث يذهب معناه إذا طال أو كثُر».
وقد احتج البعض لكل فكرة من الأفكار السابقة بما يدعمها من أقوال السابقين كعادة قومه وأمثالهم ممن يقوم اجتماعهم على أصولٍ عريقة محفوظة، وكعادة رواتهم من الآخذ بسوابق السلف وما يصون بهِ.
****
أحتاج إلى مساحةٍ كبيرة لشرح محتويات «العقد الفريد»، فجواهر عقد ابن عبدربه تضم موضوعات كثيرة سأذكر لكم أهمها: «اللؤلؤة» وهي تتناول السلطان، «الفريدة» وخصصها للحروب، الزبرجدة للأجواد والأصفاد، الجُمانة للوفود المرجانة في مخاطبة الملوك، الياقوتة في العلم والأدب، الجوهرة في الأمثال، الزمردة في المواعظ، الدرة في التعازي، اليتيمة في الأحساب، العسجدة في كلام الأعراب، ثم يقوم بإعادة أسماء الجواهر ثانيةً، ليضعها كعناوين لموضوعاتٍ جديدة ليغطي بها أخباراً وأحداثاً تاريخية ودينية وأدبية وشعرية مُعظمها قد دون في قرون ما بعد ظهور الإسلام في المشرق العربي وبلاد الحجاز والعراق واليمن وبلاد الشام وبلدان شمال إفريقيا، مما دفع الوزير البويهي الصاحب بن عباد - بعد أن قرأ العقد الفريد - أن يعلق قائلاً: «بضاعتنا رُدت إلينا».