عن الاغتراب البيئي... الدمار البيئي في غزة (فلسطين 1-4)
النظام البيئي محكوم بسلسلة فائقة الدقة ذات موازين تكون أشبه بسلاسل مرتبط بعضها ببعض لا تنفك عن سابقتها إلا وقت حدوث خلل أو دمار في أحد موازين الطبيعة تكون آثاره واضحة جداً إما على المصارف البيئية (المياه وجودتها، الهواء، التربة والبيئة الحضرية) وكذلك صحة الإنسان المرتبطة بهذا كله، وإن كان التدخل الآدمي على شكل إحدى الصناعات الثقيلة، فإن له ما له من تأثير مباشر على الاتزان البيئي، فللحروب أثر جم لا يمكن وصفه ولا حتى حصره بسهولة من جراء العمليات العسكرية وما يتبعها من كوارث على الطبيعة بسبب طبيعة السلاح المستخدم في الحروب والدمار التي تخلفه، وإن كان هناك غاية وهدف من هذه السلسلة ذات الصبغة العلمية فهو تسليط الضوء على الدمار البيئي الذي خلفه العدوان الصهيوني الأخير وما زال يخلفه على قطاع (غزة) في فلسطين المحتلة تحديدا من بعد عمليات (طوفان الأقصى).
وبادئ ذي بدء ما زلت أرفض فصل واقتطاع عملية (الطوفان) عن السياق التاريخي والسياسي على فلسطين والعدوان المتركز عليها، لكنني أصر على أن تتكلم لغة الأرقام بشيء من الدلائل والنزر اليسير لتجسيد حجم الكوارث البيئية الناجمة عن العدوان الصهيوني الأخير وتسليط الضوء عليه لا أكثر، فتجدونني على مدار هذه السلسلة أستشهد بعدة مصادر وبعض الدراسات، وقد تكون أيضا تصاريح وبراهين نشرت سابقا في الإعلام والجسد العلمي أيضا.
فبحسب السلطات الصحية في قطاع (غزة)، بلغ عدد ضحايا العدوان الصهيوني حتى 9 ديسمبر 2023 (عصرا) 17.700 قتيل أرداهم جيش الاحتلال نحتسبهم شهداء عند الله تعالى مع عدد من الجرحى فاق 48.600 جريح من كل الأعمار وكلا الجنسين.
الكوارث الطبيعية والبيئية والإنسانية الآن في غزة لا تعد ولا تحصى، وبسبب بدائية المعدات ونقل الجثث والبنية التحتية المتهالكة فإن التعامل مع جثث الضحايا لم يعد بالأمر السهل والقابل للتعامل معه بحسب التوصيات العلمية والمعايير العالمية، وتحلل الجثث، إن حدث، فيجب أن يكون على بعد 30م من المياه الجوفية المستخدمة للشرب بعلو 1.5 م فوق (الطاولة المائية) التحتية، فكيف لمثل هذه المعايير أن تتحقق والقصف والنيران مستمران على قطاع (غزة) ليل نهار حتى أن تراكم الجثث والمقابر الجماعية أصبح عادة وسلوكا متبعا هناك.
تحلل الجثث ينجم عنه في المناطق الواقعة تحت القصف عدد من الأمراض كالسل والكبد الوبائي (ب) وكذلك (ج) والكوليرا وفيروس الروتا المسبب للإسهال القاتل والسالمونيلا والتيفوئيد كذلك، فلو زعمنا جزافا أن ربع الضحايا إلى تاريخ 9 ديسمبر لم يتم التعامل معهم بالسبل المثلى، وهذا بتقدير قليل لا يعكس الواقع البتة، بل كفيل بإصابة وانتقال العدوى في القطاع كاملا لسنوات قادمة تدمر صحة الأطفال وصغار السن الى أن يتم التدخل الإنساني الصحي العاجل، وهذا بالطبع وبحسب المؤشرات المتاحة لن يتم والساحة السياسية تخلو من لوبي ضاغط لحقوق الإنسان الفلسطيني على الأرض.
ولنركز على داء الكوليرا فقط كمثال، فهو ذاك المنتشر بسهولة من خلال المصارف المائية والمياه الملوثة، فبحسب آخر الأبحاث العلمية الصينية
doi.org/10.1016/j.mbs.2023.109092 التي نمذجت رياضيا جمهورية الصومال، فقد تعرض نحو 78 ألف لهذا الداء وقدر من لقي حتفه بسببه بـ1100 شخص في عام 2017، وعليه يمكن قياس إصابات الكوليرا ومصير الضحايا التي بدأت تتفشى في القطاعات التعليمية، حسب الـBBC مؤخرا في غزة.
وتراكم الأنقاض بسبب القصف المتزايد على (غزة) عامل رئيس لتشكيل مادة الاسبستوس Asbestos حسب تقارير TRT عربي الصادر في 1 ديسمبر 2023، وما أدراك ما مادة الاسبستوس التي تشكل مادة مسرطنة ولا تظهر أعراضها الا بعد سنين طويلة من التعرض المباشر لها واستنشاقها علاوة على تليف الرئة المصاحب لتدمير المباني واستنشاق الهواء الملوث، وكل تلك الأمراض الرئوية المصاحبة للدمار البيئي ليست إلا غيضا من فيض، فلا يمكن حصر الخطر الذي خلفه الدمار في القطاع.
والسؤال المطروح الآن في نهاية هذا الجزء الأول من السلسلة: هل يمكن محاسبة المتسبب في كل ما مضى من عدوان على البيئة وبشكل مباشر؟!! أعتقد أننا جميعا نعلم يقينا إجابة هذا السؤال!!