قدَّم د. عبدالله غليس محاضرة بعنوان «اللغة العربية وعاء العلم والفكر والأدب»، في رابطة الأدباء الكويتيين، وقال خلالها إن «للغة أهمية تتجاوز التخاطب والتواصل، فهي إلى جانب كونها هوية وانتماء، ووعاء المعرفة، والركن الأول في عملية التفكير، فالإنسان لا يستطيع أن يفكر خارج لغته، لأن التفكير نوع من الكلام الداخلي، وهناك علماء نفس لغويون يقرون بهذه العلاقة، ولهم فيها مؤلفات. فالصلة وثيقة بين التبحر في اللغة وسعة الفكر، وهذا شيء يثبته الواقع».
وأكد أن اللغة العربية أكثر اللغات عطاءً للمفكر، لأنها أوسع اللغات، ومعانيها أدق وأدل، ويكفي لإثبات هذا أن الله سبحانه وتعالى اختارها لخاتمِ قوله، وفي اختيار الخالق لها دليل ظاهر على تفوقها على سائر اللغات.
وبيَّن د. غليس أن اللغة العربية فاقت كل اللغات بخصائص وميزات لا تمتلكها اللغات الأخرى، ولا يعرف هذه الميزات إلا متبحر في علومها، أو متقن لها، فعرف فضلها، لافتاً إلى أن أبرز ما يميز اللغة العربية عن غيرها: القدم والامتداد عبر آلاف السنين، الأمر الذي منحها قوة وثباتاً يندر وجودهما في غيرها من اللغات.
وأضاف: «من مميزات اللغة العربية الاشتقاق، وهو توليد عدد كبير من الكلمات من أصل واحد، وكذلك الإعراب، الذي يدفع الغموض، ويتيح التصرف بمواضع الألفاظ. ومما خصَّ الله به هذه اللغة علم العروض، الذي يراه الدمنهوري من مفاخر العرب، وأن الله خصهم دون غيرهم، وأن هذا العلم كان سراً مكتوماً في طباعهم لم يشعروا به ولم ينووه، كما لم يشعروا بقواعد النحو والصرف، بل ذلك مما فطرهم الله عليه، ثم اطلع الله الخليل عليه، واختصه بإلهام ذلك».
وقال د. غليس: «بعض الجامعات العربية اتخذت الإنكليزية لغة لها في التدريس، وكأن اللغة العربية عاجزة عن حمل العلم وقاصرة عن نقل المعرفة. وهذه ظاهرة اشتد ركنها في الكويت، وتجاوزت حدها، فالجامعات الخاصة بالكويت منقطعة على التدريس باللغة الإنكليزية، ولا نعلم ما الداعي لذلك والطلاب عرب، والأساتذة جلهم عرب».
التواصل الاجتماعي
وعلى هامش المحاضرة، ذكر د. غليس لـ «الجريدة» أن وسائل التواصل الاجتماعي خدمت اللغة العربية، فالناس يتواصلون بها، وبالتالي لا يريدون أن يكتبوا خطأ، فيتعلمون الصواب، ما جعل التواصل بين المتخصص والدارس سهلاً جداً.
وعن دور الذكاء الاصطناعي في خدمة اللغة العربية من عدمه، أكد أن تقنية الذكاء الاصطناعي لا تزال جديدة، وبالتالي لا يمكن الحكم عليها في الوقت الحالي إلا بعد أن تنظر نتائجه.
وكشف عن أنه يعكف حالياً على تحقيق مخطوطين أحدهما يتعلق بالخيل، والآخر ديوان شعر قديم.
عزوف النشء
وعن أسباب عزوف النشء عن تعلم اللغة العربية الفصحى، قال د. غليس: «وزارة التربية حاولت تسهيل اللغة، إلا أن الناس استصعبوها، ومحاولات التسهيل أدت إلى قتل روح اللغة العربية، خصوصاً أن التيسير لا يكون بحذف أكثر مباحث اللغة، فمن غير المعقول أن يتخرج الطالب في المرحلة الثانوية وهو لا يعلم أغلب مباحث اللغة، فهذا خطأ كبير، وأيضاً توزيع منهج اللغة على المراحل الدراسية، فالطلبة يأخذون المرفوعات في الابتدائي، وبعض المنصوبات في المتوسط، وباقيها في الثانوي، وهذا خطأ، لأن علم النحو لا يعطى جزافاً، بل يجب أن يربط ويعطى مكثفاً في كل مرحلة تعليمية. أيضاً يجب الاهتمام بطلبة المرحلة الابتدائية».
وحول أهم الجهود التي يجب اتباعها لكي يعود النشء للالتزام بتعلم اللغة العربية، أكد غليس أن هذا الأمر من صميم عمل الحكومات، ودعم البحث العلمي والباحثين، والاهتمام بمعارض الكتاب، والحث عبر وسائل الإعلام المختلفة على احترام اللغة العربية، وأن تعدها من الهوية الوطنية، كما تفعل الدول الأجنبية، فالترغيب الحكومي، من خلال المراكز والهيئات، تكون نتائجه أفضل من جهود الأفراد.