ازداد الحديث في الآونة الأخيرة عن الفوائض التي تمتلكها البنوك المحلية من عدة أوجه، غير أنه شد انتباهي رؤية البعض لها على أنها مشكلة تؤثر على نمو ربحية البنوك، لذلك ليس أمام البنوك المحلية، بحسب هذا الرأي، إلا الاتجاه للأسواق الخارجية، بيد أن ذلك سيعرضها لمخاطر الانكشاف الخارجي. لذلك بحسب هذا الرأي من الأجدى إلغاء قانون ضمان الودائع حفاظاً على الدولة من تحمل مسؤولية أي تعثرات قد تنشأ عن هذا التوجه بزعم أن الكويت الدولة الوحيدة التي تضمن ودائع بنوكها. بادئ ذي بدء، هذا ادعاء غير صحيح فالولايات المتحدة على رأس الدول التي تضمن ودائع البنوك المؤمن عليها من قبل «الفدرالي» حفاظا على استقرار نظامها المالي. فمن البديهيات أن أي تعثر أو انكشاف لأي مصرف سوف يحدث حالة «Panic» ذعر أو هلع ينتج عنها ضغط على سيولة القطاع المصرفي بأكمله، بسبب فقدان الثقة، والتي لن يتحملها أي بنك كما حدث في الذعر المصرفي الأميركي لعام 1907 Bankers Panic، فيتضح هنا أن السبب الرئيسي لضمان الودائع هو الحفاظ على استقرار النظام المالي من خلال خلق الثقة والاطمئنان في نفوس العملاء باختلاف شرائحهم.

أما أبعاد مثل هذا القرار فهي تصل الى أن تكون كارثية، حيث إن تحول دولة كانت تضمن ودائع بنوكها منذ نشأتها إلى عدم ضامنة تؤثر ابتداء بشكل سلبي على الاقتصاد واستقراره، وقد تنتهي به إلى الانهيار باعتبار مثل هذه القرارات تقرأ كضعف في الملاءة المالية للدولة أو تغير في سياساتها المالية ويعطي إشارات سلبية تؤثر على عامل الثقة محليا وعالميا. علاوة على ذلك، التصنيف الائتماني للبنك أو السندات يتأثر بشكل مباشر، ولذلك تصنف سندات Treasury Bonds الأميركية كفئة AAA لأنها مضمونة من قبل الفدرالي الأميركي، وهذا سبب إضافي مهم، حيث إنه يؤثر على تكلفة الاقتراض وبالتالي على النمو.

Ad

أما فيما يخص مبررات هذا الاقتراح، وهي مقولة أن البنوك تعاني من تكلفة فوائض مالية وعدم المقدرة على تنمية الأرباح وضعف في الائتمان فإنه من المعلوم أن استقرار النظام المصرفي والنقدي للدولة مقدم على «نمو الربحية». كذلك من يستثمر في القطاع البنكي يستهدف الأمان من مخاطر عالية مقارنة بالقطاعات الأخرى ولا يستهدف أرباحا عالية والتي مرتبطة دائما بمخاطر عالية. فالدافع هنا لمثل هذا المقترح غير متسق مع طبيعة القطاع المالي وظروفه المختلفة عن باقي القطاعات، وهذا أيضا على افتراض صحة عدم نمو أرباح القطاع المصرفي، حيث شهد هذا القطاع مؤخرا إعلانات عن أرباح قياسية ونمو عال.

باختصار، نرى أنه مقترح بعيد كل البعد عن فهم آلية عمل الاقتصاد وأثر مثل هذا المقترح على استقرار القطاع المصرفي والاقتصاد ككل. فالدولة لا تضمن ولا تحمي القطاع المصرفي لأجل ذاته أو من يمثله، الدولة تحميه حفاظا على استقرارها النقدي والمالي، أما بالنسبة لاستغلال الفوائض المالية فتوسع البنوك في التمويل الخارجي هو خيار لمجلس الإدارة في وضع استراتيجياته ومستهدفاته في إطار الالتزام بنظم ولوائح الجهات الرقابية. إلا أننا ندعو الحكومة إلى تبني سياسات توسعية من خلال تخصيص ميزانية أعلى للمشاريع التنموية، تماشيا مع ما تطرحه من رؤية ومن خلال قراءة أعمق لظروف السوق وكيفية توجيهه نحو استغلال الموارد استغلالا أمثل لتحقيق نمو حقيقي وفعال، بما ينعكس إيجابا على كل الأطراف المعنية بسياسات الدولة الاقتصادية.

* أستاذ التمويل ومحاضر سابق في جامعة بورتسموث – المملكة المتحدة

Soud.almutairi@port.ac.uk