يتعلق عامل غريب في الغزو الروسي لأوكرانيا بإجماع الكرملين ومعظم الخبراء الغربيين على اعتبار الجيش الروسي قوياً وقادراً على هزم أوكرانيا خلال يومَين أو ثلاثة أيام، فرغم وفرة التحليلات عن ارتباط سوء التقديرات بالأفكار النمطية القومية الإمبريالية التي نشرها الروس عن الأوكرانيين، لم تحصل أي تحقيقات جدّية حول السبب الذي دفع الخبراء الغربيين إلى المبالغة في تقدير قوة الجيش الروسي والاستخفاف بأوكرانيا كقوة عسكرية ومجتمع مقاوِم.
لم يأخذ الخبراء الغربيون بالاعتبار أثر الدولة الروسية المافياوية وعمق الجمود والفساد في قوات الأمن الروسية، وهي عوامل تؤثر على فاعلية العمليات كلها، فلا مفر من أن يلاحظ مراقبو تفاصيل الحرب أن الأدلة على هذا الفساد واسعة وواضحة المعالم، بدءاً من استعمال حصص غذائية قديمة، وتقديم حُزَم طبية سوفياتية، ونشر أسلحة تعود إلى حرب الثمانينيات في أفغانستان، ومنح القوات الميدانية إمدادات لوجستية غير مناسبة، وسرقة أفضل الحصص الغذائية، ومنح الجنود على الجبهة دبابات ومعدات عسكرية تفتقر إلى الفاعلية، فقد اتّضح إصرار روسيا على تحقيق النجاح بأي ثمن في ثلثَي الأغراض التي نَهَبها عمّال البريد الروس من أوكرانيا وإقدامهم على إرسالها من بيلاروسيا إلى روسيا.
يتعلق عامل مهم آخر بشيوع أفكار تعتبر الدولة الأوكرانية ضعيفة ومنقسمة بين جزء شرقي «موالي لروسيا» وجزء غربي «موالي للغرب»، ففي آخر ثلاثة عقود، تمحور أكبر عدد من المقالات المنشورة عن أوكرانيا في وسائل الإعلام والمنظمات البحثية والأكاديمية حول الانقسامات بين المناطق، والشرخ الداخلي بين الشرق الموالي لروسيا والغرب القومي الموالي للغرب، وفي موسكو وأوساط الخبراء الغربيين، اعتُبِر الناطقون باللغة الروسية في أوكرانيا غير جديرين بالثقة وأكثر ميلاً إلى دعم روسيا إذا أقدمت موسكو على غزو البلد.
على صعيد آخر، أساء الخبراء الغربيون فهم الجيش الروسي وقوة التحمّل الأوكرانية لأن معظم الدراسات الشائعة في حقبة ما بعد الشيوعية حصلت في الجامعات والمنظمات البحثية، ويظن هؤلاء الخبراء حتى الآن أنهم متخصصون بشؤون روسيا وبقايا الاتحاد السوفياتي، وهذا الوضع لا ينطبق على أي منطقة أخرى من العالم، فلا يكون الخبير في شؤون الأرجنتين مثلاً متخصصاً بشؤون أميركا اللاتينية ككل، ولا يكون الخبير في شؤون اليابان متخصصاً بشؤون منطقة شرق آسيا كلها، لكن يظن الخبراء بشؤون روسيا أنهم يتمتعون بخبرة كافية في شؤون أوكرانيا والجمهوريات غير الروسية الأخرى في الاتحاد السوفياتي السابق، واتّضح هذا الوضع تحديداً عام 2014، فقد تضاعف عدد الخبراء بالشؤون الأوكرانية منذ ذلك الحين.
لهذه الأسباب، لطالما تعامل المحللون والخبراء بالشؤون الروسية مع أوكرانيا من منظور روسيا، وكانت معظم الشركات ووسائل الإعلام الغربية تفتح مقرها الرئيسي في موسكو، كما حصل في حقبة الاتحاد السوفياتي، ونادراً ما كان الصحافيون والموظفون فيها يسافرون إلى أوكرانيا، ونتيجةً لذلك، اعتُبِرت أوكرانيا في أفضل الأحوال مشابهة لروسيا، أو ربما أسوأ منها، واعتبرها الكثيرون دولة غير مستقرة ومعرّضة للاضطرابات وخاضعة لرحمة الأوليغارشيين المحليين، مما يعني أنها أكثر فساداً وانقساماً واضطراباً من الدولة العملاقة في جوارها، وبما أنها اعتُبِرت دولة ضعيفة، افترض الكثيرون أنها ستكون محكومة بالانهيار إذا تعرّضت لأي غزو روسي، وفي غضون ذلك، لطالما تردد الخبراء الغربيون بشؤون روسيا في استعمال مصادر المعلومات المشتقة من أوكرانيا واستطلاعات الرأي الأوكرانية.
كذلك، بالغ الخبراء الغربيون في تقدير حجم القوة العسكرية الروسية، فاستخفوا بقوة أوكرانيا العسكرية، وتجاهلوا الفساد المستفحل في صفوف الجيش الروسي، وصدّقوا حكايات خيالية عن الإصلاحات العسكرية الروسية، وضخّموا الانقسامات المناطقية في أوكرانيا مقابل الاستخفاف بمستوى التماسك الوطني فيها، حتى أنهم تجاهلوا الإصلاحات العسكرية الغربية في أوكرانيا منذ عام 2014، وفي الوقت نفسه، لم يأخذ هؤلاء الخبراء بالاعتبار التغيرات الحاصلة على مستوى الهوية الوطنية منذ عام 2014، أو العوامل الكامنة وراء فشل مشروع «روسيا الجديدة» الذي طرحه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عام 2014، أو ولاء الناطقين باللغة الروسية في أوكرانيا.
هذا التحليل يطلق نقاشاً حول الأسباب والمقاربات التي دفعت الخبراء الغربيين إلى المبالغة في تقدير فاعلية الجيش الروسي والاستخفاف بتماسك الدولة الأوكرانية وقوة جيشها، لكن تأتي الحرب المستمرة لتسلّط الضوء أيضاً على الأخطاء التي ارتكبوها في تحليلهم لنتائج الغزو الروسي وطريقة الرد الأوكراني.
* «تاراس كوزيو »
لم يأخذ الخبراء الغربيون بالاعتبار أثر الدولة الروسية المافياوية وعمق الجمود والفساد في قوات الأمن الروسية، وهي عوامل تؤثر على فاعلية العمليات كلها، فلا مفر من أن يلاحظ مراقبو تفاصيل الحرب أن الأدلة على هذا الفساد واسعة وواضحة المعالم، بدءاً من استعمال حصص غذائية قديمة، وتقديم حُزَم طبية سوفياتية، ونشر أسلحة تعود إلى حرب الثمانينيات في أفغانستان، ومنح القوات الميدانية إمدادات لوجستية غير مناسبة، وسرقة أفضل الحصص الغذائية، ومنح الجنود على الجبهة دبابات ومعدات عسكرية تفتقر إلى الفاعلية، فقد اتّضح إصرار روسيا على تحقيق النجاح بأي ثمن في ثلثَي الأغراض التي نَهَبها عمّال البريد الروس من أوكرانيا وإقدامهم على إرسالها من بيلاروسيا إلى روسيا.
يتعلق عامل مهم آخر بشيوع أفكار تعتبر الدولة الأوكرانية ضعيفة ومنقسمة بين جزء شرقي «موالي لروسيا» وجزء غربي «موالي للغرب»، ففي آخر ثلاثة عقود، تمحور أكبر عدد من المقالات المنشورة عن أوكرانيا في وسائل الإعلام والمنظمات البحثية والأكاديمية حول الانقسامات بين المناطق، والشرخ الداخلي بين الشرق الموالي لروسيا والغرب القومي الموالي للغرب، وفي موسكو وأوساط الخبراء الغربيين، اعتُبِر الناطقون باللغة الروسية في أوكرانيا غير جديرين بالثقة وأكثر ميلاً إلى دعم روسيا إذا أقدمت موسكو على غزو البلد.
على صعيد آخر، أساء الخبراء الغربيون فهم الجيش الروسي وقوة التحمّل الأوكرانية لأن معظم الدراسات الشائعة في حقبة ما بعد الشيوعية حصلت في الجامعات والمنظمات البحثية، ويظن هؤلاء الخبراء حتى الآن أنهم متخصصون بشؤون روسيا وبقايا الاتحاد السوفياتي، وهذا الوضع لا ينطبق على أي منطقة أخرى من العالم، فلا يكون الخبير في شؤون الأرجنتين مثلاً متخصصاً بشؤون أميركا اللاتينية ككل، ولا يكون الخبير في شؤون اليابان متخصصاً بشؤون منطقة شرق آسيا كلها، لكن يظن الخبراء بشؤون روسيا أنهم يتمتعون بخبرة كافية في شؤون أوكرانيا والجمهوريات غير الروسية الأخرى في الاتحاد السوفياتي السابق، واتّضح هذا الوضع تحديداً عام 2014، فقد تضاعف عدد الخبراء بالشؤون الأوكرانية منذ ذلك الحين.
لهذه الأسباب، لطالما تعامل المحللون والخبراء بالشؤون الروسية مع أوكرانيا من منظور روسيا، وكانت معظم الشركات ووسائل الإعلام الغربية تفتح مقرها الرئيسي في موسكو، كما حصل في حقبة الاتحاد السوفياتي، ونادراً ما كان الصحافيون والموظفون فيها يسافرون إلى أوكرانيا، ونتيجةً لذلك، اعتُبِرت أوكرانيا في أفضل الأحوال مشابهة لروسيا، أو ربما أسوأ منها، واعتبرها الكثيرون دولة غير مستقرة ومعرّضة للاضطرابات وخاضعة لرحمة الأوليغارشيين المحليين، مما يعني أنها أكثر فساداً وانقساماً واضطراباً من الدولة العملاقة في جوارها، وبما أنها اعتُبِرت دولة ضعيفة، افترض الكثيرون أنها ستكون محكومة بالانهيار إذا تعرّضت لأي غزو روسي، وفي غضون ذلك، لطالما تردد الخبراء الغربيون بشؤون روسيا في استعمال مصادر المعلومات المشتقة من أوكرانيا واستطلاعات الرأي الأوكرانية.
كذلك، بالغ الخبراء الغربيون في تقدير حجم القوة العسكرية الروسية، فاستخفوا بقوة أوكرانيا العسكرية، وتجاهلوا الفساد المستفحل في صفوف الجيش الروسي، وصدّقوا حكايات خيالية عن الإصلاحات العسكرية الروسية، وضخّموا الانقسامات المناطقية في أوكرانيا مقابل الاستخفاف بمستوى التماسك الوطني فيها، حتى أنهم تجاهلوا الإصلاحات العسكرية الغربية في أوكرانيا منذ عام 2014، وفي الوقت نفسه، لم يأخذ هؤلاء الخبراء بالاعتبار التغيرات الحاصلة على مستوى الهوية الوطنية منذ عام 2014، أو العوامل الكامنة وراء فشل مشروع «روسيا الجديدة» الذي طرحه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عام 2014، أو ولاء الناطقين باللغة الروسية في أوكرانيا.
هذا التحليل يطلق نقاشاً حول الأسباب والمقاربات التي دفعت الخبراء الغربيين إلى المبالغة في تقدير فاعلية الجيش الروسي والاستخفاف بتماسك الدولة الأوكرانية وقوة جيشها، لكن تأتي الحرب المستمرة لتسلّط الضوء أيضاً على الأخطاء التي ارتكبوها في تحليلهم لنتائج الغزو الروسي وطريقة الرد الأوكراني.
* «تاراس كوزيو »