قراءة قانونية في تفسير أحكام المادة الرابعة من الدستور
خبراء دستوريون استعرضوا في حديث تنشره «ميسان» والجريدة• إجراءات تعيين ولي العهد
• الحميدة: لتتحقق البيعة لابد من موافقة أغلبية المجلس على التزكية
بعد مناداة مجلس الوزراء بسمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد أميراً للبلاد، عقب إعلان وفاة سمو أمير البلاد الراحل الشيخ نواف الأحمد، ومخاطبة مجلس الأمة لتحديد جلسة لأداء سمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد اليمين الدستورية، عملاً بنص المادة 60 من الدستور، حدَّد مجلس الأمة جلسة 20 ديسمبر الجاري لأداء اليمين الدستورية، ليمارس سمو الأمير صلاحياته الدستورية وفقاً لأحكام الدستور. وعقب تولي سمو الشيخ مشعل الأحمد أميراً للبلاد، عاد تطبيق أحكام المادة الرابعة من الدستور بشأن تعيين ولي العهد الجديد إلى الواجهة مجدداً، لاسيما أن المادة الرابعة من الدستور وأحكام قانون توارث الإمارة تتطلبان تحقيق عدة فرضيات لتعيين ولي العهد.
بالتزامن مع «الجريدة»، عرضت مجلة ميسان القانونية في عددها الشهري فرضيات تعديل المادة الرابعة الخاصة بولاية العهد، والتي كان نبَّه إلى ضرورة الوقوف عندها الفقيه الدستوري وأستاذ القانون الدستوري المستشار الدكتور عادل الطبطبائي في حديثه لمنصة أركان القانونية في يونيو 2020 عندما تحدَّث عن تعديل تلك المادة، لتضمُّن تطبيقها العديد من الأسئلة التي تفتح باب الاجتهاد، بما يستدعي تعديل أحكام الدستور.
أجاب عن هذا السؤال الفقيه الدستوري د. عادل الطبطبائي، قائلاً: «أريد أن أوضح مسألتين، وكلتاهما مرتبطة بالأخرى؛ هناك قاعدة في الفقه الإسلامي تقول إن (النصوص تتناهى والحوادث لا تتناهى)، أي أن المشرِّع عندما يأتي لمعالجة قضية معينة، أحاول أن أضع النصوص التي تعالج كل محاور هذه القضية، وأحلها، وأحاول أن أستشف المستقبل، وأن أرى ما يمكن أن ينتج عن تطبيق هذا القانون، وأن أجد له حلولاً. التشريع والنصوص تتناهى عند حد معيَّن، لكن الأحكام لا تتناهى، هذه قاعدة».
ذرية مبارك
وأضاف الطبطبائي: «القاعدة الثانية، والمهمة برأيي، أن أي مشكلة كُلفة حلها سياسياً واجتماعياً واقتصادياً في الظروف العادية أقل بكثير من حلها عندما تقع، وسأبلغك بشيء، وأرجو ألا يُفهم كلامي خطأ؛ المادة الرابعة من الدستور. من الممكن أن يستغرب الناس من كلامي، بأنني أخوض في هذا الموضوع. هذه المادة تتكلم عن ترشيح ولي العهد، بأن يكون من ذرية مبارك الكبير، وهناك شروط موجودة في المادة، لكن ما يهمني أمر واحد، أن سمو الأمير يرشح أو يزكِّي ولي العهد خلال سنة من توليه الحُكم لمجلس الأمة، الذي يبايعه بأغلبية الأعضاء الذين يتكوَّن منهم المجلس، ولاحظ أن المصطلح الذي اعتمده المشرِّع الدستوري هو يبايع، ولم يقل يُصادق أو يُوافق، وهو مصطلح إسلامي، وهذا للتأكيد على نهج الشريعة الإسلامية في الدستور الكويتي، بتقرير البيعة بالأغلببة التي يتألف منها المجلس، فإن لم يبايعه المجلس رشح الأمير ثلاثة على الأقل من ذرية مبارك الكبير».
صفة دستورية
وتابع د. الطبطبائي: «المادة تقول ثلاثة على الأقل، ومن الممكن أن يرشح الأمير أكثر، ويبايع المجلس أحدهم، ثم يصدر قانون له صفة دستورية، وليس طبيعة دستورية، وهناك فرق شاسع بينهما، كالفرق بين السماء والأرض، والكثير يخطئ، فالأمير يزكِّي أحد الأشخاص من ذرية مبارك، فيبايعه مجلس الأمة بأغلبية الأعضاء، فإن لم يحصل على هذه الأغلبية، زكَّى الأمير ثلاثة لولاية العهد يبايع أحدهم مجلس الأمة، وهو مُجبر على أن يختار أحدهم من الثلاثة أو الأربعة. وهذا النص به مشكلتان ألخصهما بسؤالين؛ الأول الشخص الذي رشحه الأمير أو الذي زكَّاه الأمير أول مرَّة ورفضه المجلس يدخل من بين الثلاثة على الأقل، أو لا يدخل، والنص لا يتحدث عن هذه الفرضية، وممكن أن يكون الرد: لماذا لا يدخل حاله حال غيره؟».
ولفت إلى أن «السؤال الثاني والأخطر؛ إذا تم اختيار واحد من المرشحين، ولم يحصل على الأغلبية المطلوبة، خصوصاً أن أصوات النواب قد تكون توزعت على باقي المرشحين الآخرين، وهو ما يعني أنه لن يحصل أحدهم على الأغلبية المطلوبة، والحل عندما تحدث مثل هذه المشكلة، ونأمل إن شاء الله ألا تحصل في المستقبل، لكنها قد تحصل، ليس أمامك سوى حل واحد، وهو تعديل الدستور، وأي تعديل يحصل في ذلك الوقت سيكون لمصلحة طرف على حساب طرف، وهنا كلفته السياسية والاجتماعية كبيرة جداً، وهي الانشقاق الذي سيحدث في المجتمع والأسرة، ولا يوجد ما يمنعني اليوم أن أناقش تلك المشكلة، وأن أضع لها حلولاً، والوضع هادئ».
مجلس الأمة
وتابع الطبطبائي: «قد يُثار سؤال، بأن هذه المسألة قد لا تحصل في المستقبل، لكن هل توقع أحد أن مجلس الأمة يعفي أمير الكويت والنص موجود؟ لولا هذا النص الذي وضع كان الله أعلم حينها ماذا كان سيحدث، لكن الكل التجأ إلى الشرعية الدستورية، والجميع ذهب إلى أن الدستور هو الحاكم، وهو الذي يحسم هذا الموضوع، وكلنا قبلنا بحُكم الدستور، فدعونا نلجأ إلى حُكم الدستور في الظروف العادية، وليس في الظروف غير العادية، لأن الكلفة ستكون صعبة جداً».
حديث الفقيه الدستوري د. الطبطبائي أحدث ردود فعل واسعة في الوسطين القانوني والسياسي في حينها، نظراً لما يحمله من مكانة علمية ومنصب كمستشار قانوني في الديوان الأميري.
مبايعة المجلس
وفي حديثه لمنصة أركان في يوليو 2020، وفي اتصال لاحق مع مجلة ميسان على خلفية حديثه السابق، تحدَّث نائب رئيس مجلس الأمة الأسبق العم مشاري العنجري حول تطبيق المادة الرابعة من الدستور بشأن تعيين ولي العهد، قائلاً: «المادة الرابعة من الدستور تنص على أن صاحب السمو الأمير يزكِّي ولياً للعهد من ذرية مبارك، ومبايعة مجلس الأمة بأغلبية أعضائه خلال سنة من تولية سمو الأمير، وفي حال عدم التعيين على النحو السابق يزكِّي سمو الأمير ثلاثة على الأقل لهذا المنصب، فيبايع المجلس أحدهم ولياً للعهد».
وأوضح العنجري: «لكن الدستور لم يحدد كيفية التصويت على ولاية العهد إذا كان عدد الذين زكَّاهم سمو الأمير ثلاثة أو أكثر، كما لم تحدث سابقة من هذا القبيل».
الأغلبية المطلوبة
وأضاف: «نفترض أن سمو الأمير زكَّى أربعة ليكون أحدهم ولياً للعهد، فالتصويت في هذه الحالة، من وجهة نظري، لا يتم عليهم في وقت واحد، لأنه ربما لا يحصل أي واحد منهم على الأغلبية المطلوبة، فيقع المجلس في مشكلة، وما هو الحل، فالدستور لم يتطرق إلى هذا الأمر أو ينص عليه مثل المادة 92 عند انتخاب رئيس مجلس الأمة أو نائبه إذا لم يحصل على الأغلبية المطلقة في الجولة الأولى، فيُعاد التصويت في جولة ثانية بين الاثنين الحائزين أكثر الأصوات، أو مثل نص المادة 35 من اللائحة الداخلية للمجلس عند انتخاب أمين السر أو مراقب المجلس، حيث يُعاد الانتخاب بين جميع المرشحين إذا لم يحصل أحدهم على الأغلبية المطلقة في الجولة الأولى. كما أن قانون توارث الإمارة لم يتطرق إلى هذا الأمر».
وتابع العنجري: «لذلك، فإن هناك اجتهادات في كيفية علاج هذا الأمر، كالقياس على حُكم المادة 92 من الدستور، كما بينت. وإنني أرى - مجرد رأي- أنه من الأفضل في حالة زكَّى سمو الأمير ثلاثة أو أكثر لولاية العهد أن يصوِّت المجلس على المرشحين فُرادى وفق ترتيب سمو الأمير لهم في كتاب التزكية، واحداً تلو الآخر إلى أن يحصل أي منهم على الأغلبية المطلوبة. فأسماؤهم معروضة على المجلس وفقاً للتسلسل الذي جاء في كتاب التزكية من صاحب سمو الأمير. وتبعدنا هذه الطريقة عن الإحراج الذي يتعرض له المرشحون لولاية العهد إذا ما تم التصويت لهم كمجموعة دفعة واحدة والمحاذير التي تنتج عنها، وكذلك الحرج الذي يقع فيه أعضاء مجلس الأمة على حد سواء».
المحكمة الدستورية
وبيَّن العنجري: «أما إذا حصل، لا سمح الله، خلاف وجدل دستوري وقانوني، فإن المحكمة الدستورية تملك، وفقاً لاختصاصها عند طلب تفسير نص الدستور في هذا الشأن، وضع التفسير المُلزم الذي يُؤخذ به لحل هذا الموضوع».
مسند الإمارة
وأضاف د. الفيلي: «الأحكام التي تتعلق بتولي ولاية العهد موجودة في الدستور وفي المادة الرابعة ومواد لاحقة، ثم هي موجودة في قانون توارث الإمارة الذي له صفة الدستور. والفكرة في تعيين ولي العهد، أنه لاستقرار النظام يجب أن يكون هناك أمير للبلاد يقوم بمهام الإمارة، وهناك أمير احتياط للبلاد جاهز ليكون أميراً للبلاد في حال خلو مسند الإمارة. والفكرة الأخرى، أن يكون هذا الترتيب محل اختيار مسبق من مجلس الأمة نائباً عن المواطنين، والنص أتى مقرراً بأن مَنْ يقوم بالتزكية هو الأمير، ومَنْ يقوم بإقرار هذه التزكية والتصديق عليها هو مجلس الأمة، وتم استخدام تعبير البيعة، علماً بأننا لسنا في إطار المفهوم التقليدي الذي يشيع استخدامه في أدبيات قانون العام الإسلامي، لأننا لسنا بصدد الأمير، بل بصدد ولي العهد، وهو يلي الإمارة عند خلو المنصب من دون إجراء لاحق يتضمَّن قراراً يصدر عن مجلس الأمة. نعم هناك قَسم، لكن القَسم مرتبط بأداء الصلاحيات، وليس له علاقة بقرار يصدر من أي طرف، والأمر يكون قد تم. واختيار ولي العهد وفق الفرض الأول هو ترشيح من الأمير، وتصديق من المجلس باسم بيعة، ويجب أن يتم ذلك خلال عام. إذا أمكن أن يتم خلال شهر أو شهرين، وأكثر أو أقل، لكن الفكرة يجب ألا يتجاوز تعيين ولي العهد العام».
تولي الإمارة
وأوضح: «بما أننا أمام إجراء ليس شكلياً، بل أمام تصديق للتزكية، فإذاً من الممكن ومن المتصور أن تكون هناك فرضيات ألا يكون الحصول على الأغلبية المطلوبة متحققة، وهي أغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، علماً بأن الوزراء أعضاء في مجلس الأمة، ولم يرد نص خاص يقرر منعهم من المشاركة في التصويت. فإذا كان العدد الكُلي لأعضاء مجلس الأمة هو 65، فاذاً يجب أن يحصل المزكَّى على موافقة 33 عضواً، وإذا لم تتوافر الأغلبية لمن تم ترشيحه، فهنا النص يحيلنا إلى حل احتياطي، وهذا الحل مُستوحى مما حدث في 1921، وبما هو مثبت بتلك الوثيقة آنذاك، عندما قام الأهالي بترشيح ثلاثة لتولي الإمارة، لأنه لم يكن هناك ولي عهد معلن، وأن الأسرة اختارت واحداً من المرشحين الثلاثة، وأتت ذات المادة وأخذت ذات الحل مع قلب مفردات الحالة، فجعلت الترشيح من الأمير، والتصديق من ممثلي الشعب، فإن لم تتوافر هذه الأغلبية، فالأمير يرشح ثلاثة على الأقل».
عثمان عبدالملك
وقال الفيلي: «تأتي هنا أسئلة لا يوجد لها حُكم واضح في النص، وبالتالي تفتح الباب للاجتهاد، فمثلاً: هل يجوز أن يكون مَنْ تمت تزكيته لأول مرة ضمن الثلاثة؟ وهناك رأي في الفقه قال إن النص لم يرد به تقييد، وإذا لم يرد به تقييد فذلك جائز، وهناك رأي آخر للدكتور عثمان عبدالملك، رحمه الله، وهو يقول: إذا كان المرشحون ثلاثة، والنص يقول المجلس يختار من الثلاثة على الأقل، فوضع المرشح الأول سوف يكسر مقام العدد، ولن نكون أمام ثلاثة. إذن يجب ألا يكون مَنْ لم يحصل على الأغلبية ضمن الثلاثة، وطبعاً إذا لم يكونوا ثلاثة، لأنه يمكن ترشيح أكثر من ثلاثة، فهنا سوف يزول أساس اعتراض أستاذنا، رحمه الله».
دور الشعب
وتابع الفيلي: «نخلص إلى أننا أمام مسألة تم الحرص على أن تكون بقانون، حتى يشارك بها الشعب، لأنها ليست مسألة خاصة بأسرة، بل خاصة بدولة، وأن الشعب له دور، بدليل أن الأغلبية التي تم افتراضها إن لم تتوافر، فإن هناك إجراءً بديلاً، والسوابق التي تمت كُلها كانت بالموافقة بالإجماع على تزكية الأمير، وحتى ما يتعلق بتصويت الوزراء على التزكية ومدى مشاركتهم، فالسوابق جميعها انتهت إلى وجود إجماع، وفي الإجماع يعني أن الوزراء شاركوا في التصويت على التزكية».
اعتراض الأمير
وذكر الفيلي أن النص لا يشترط أغلبية الثلثين، بل الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، وبالفعل هذه المسألة تستحق الانتباه، بأن الدستور في مسألة اختيار ولي العهد لم يأخذ بأعلى أغلبية، بل أخذ بأغلبية موصوفة، وهي أغلبية خاصة بالأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، لكنه لم يأخذ بأغلبية الثلثين، وهي أغلبية استخدمها في مواضع يراها تحتاج إلى هذه الأغلبية، كتجاوز اعتراض الأمير على قانون في دور الانعقاد وتعديل الدستور وتنحية الأمير.
قال أستاذ القانون الدستوري والقانون العام في كلية الحقوق بجامعة الكويت د. خليفة الحميدة: «الدستور الكويتي جاء ليضع قواعد النظام الدستوري للكويت، حيث استغرق المجلس التأسيسي قُرابة العام في كتابته. وقد كانت السمة البارزة في كتابة هذا الدستور تتمحور في رسم نظام سلس في الصياغة سهل في التطبيق، ليحقق أهم متطلبات الدول المعاصرة، أي الاستقرار السياسي. ولاشك في أن من بين العناصر الأساسية في مرتكزات أي دستور تتجسَّد في تبني إجراءات واضحة ويسيره في اختيار الحاكم أو مَنْ يخلفه. وإذا رجعنا إلى الدستور الكويتي، فقد أفرد المادة الرابعة منه لبيان التنظيم الدستوري لاختيار سمو الأمير».
بيعة المجلس
وأضاف د. الحميدة: «في إعمال نص المادة المذكورة من الدستور يتضح أن الإجراء الطبيعي في اختيار الأمير يكون باختيار سمو ولي العهد، بعد أن أصبح الأخير أميراً جديداً. فوفقاً لهذه المادة يختار سمو الأمير أحداً ممن توافرت فيه الشروط، فيزكيه إلى مجلس الأمة بأمر أميري لمنصب ولي العهد، وفي جلسة خاصة يصوِّت مجلس الأمة على هذه التزكية. وحتى تتحقق بيعة مجلس الأمة للمرشح لمنصب ولي العهد لابد أن توافق الأغلبية المؤلفة للمجلس على هذه التزكية، وهي أغلبية خاصة تتجاوز أغلبية الأعضاء الحضور. وحرصاً من واضعي الدستور على سلاسة الاختيار، فقد رسموا إجراءات تعيين ولي العهد بصورة واضحة وصريحة، درءاً لأي غموض».
المجلس التأسيسي
وذكر د. الحميدة: «في سعيه لاستكمال بيان هذه الإجراءات أسهب المجلس التأسيسي في صياغة المادة الرابعة من الدستور باستباق تحقق حالة قد تثير الجدل، ومسارعاً في ذلك إلى تبني حل لها. وهذه الحالة تقوم على الفرضية، التي تتمثل في عدم تحقق الأغلبية المطلوبة لنيل المرشح لمنصب ولي العهد، وهي الأغلبية المؤلفة للمجلس. ففي مثل هذه الفرضية، ووفق المادة الرابعة من الدستور، يسارع سمو الأمير إلى ترشيح ثلاثة على الأقل ممن توافرت فيهم الشروط لنيل هذا المنصب. ويتوجب عندئذ على مجلس الأمة أن يختار أحد هؤلاء ليصبح ولي العهد الجديد».
ترشيح
ولفت د. الحميدة إلى أنه رغم الإشادة بما استحدثه واضعو الدستور من فرضية، وبما رسموه من حلٍ لها، بغية إغلاق أي باب للتأويل وإبعاد أي احتمال للغموض، فإن ما أوجدته المادة المذكورة من حلٍ لتلك الفرضية أثار بدوره الجدل بما ترتب عليه من نتائج. وجاءت هذه الفرضية وهذا الحل فيما تضمنته المادة الرابعة من الدستور في فقرتها الثالثة، بقولها: «... وفي حالة عدم التعيين على النحو السابق يزكِّي الأمير لولاية العهد ثلاثة على الأقل من الذرية المذكورة، فيبايع المجلس أحدهم ولياً للعهد...». أما ما نتج عن هذا الحل من نتائج، فتتحصل في سؤالين؛ الأول: هل يصح أن يكون مَنْ سبق أن تمت تزكيته لوحده ولم يحز الأغلبية المؤلفة من بين الثلاثة على الأقل الذين سيزكيهم سمو الأمير في المرة الثانية؟ والسؤال الثاني فيما إذا كان شرط الأغلبية المؤلفة مستمراً ليكون أي من المرشحين الثلاثة على الأقل ولياً للعهد.
المذكرة التفسيرية
قال د. الحميدة: «قبل محاولة الإجابة عن هذين التساؤلين ينبغي التأكيد على عدم وجود إجابة عنهما، لا في نصوص الدستور، ولا في المذكرة التفسيرية. وبالتالي لا يعدو بحث الإجابة عنهما سوى اجتهاد يحتمل الآراء المختلفة.
أما إجابة السؤال الأول، فيمكن القول بوجود رأيين فيه، أحدهما يقرر جواز أن يشمل الثلاثة المرشحين على الأقل؛ الأول الذي سبق أن تم ترشيحه منفرداً. وحجة هذا الرأي هو عدم وجود نص يمنع ذلك، لا صراحةً ولا ضمناً. بينما يقرر الرأي الثاني بعدم جواز ذلك، ومستنداً في ذلك إلى ما تسنى للمرشح الأول والوحيد من فرصة لنيل هذا المنصب دون منافس. فوجوده في الترشيح الثاني يجعل منه متميزاً على المرشحين الباقين، بدخوله للترشيح في هذا المنصب مرتين.
وتابع: «أما السؤال الثاني، والذي يتمحور حول مدى وجوب الالتزام باشتراط الأغلبية المؤلفة في الترشيح الثاني لولي العهد، فقد وجد في الإجابة عنه ثلاثة آراء؛ الأول يرى بوجوب التمسك بهذه الأغلبية لدواعي العدالة. فالأول الذي تمت تزكيته منفرداً لم يتولَّ منصب ولي العهد لعدم حصوله على هذه الأغلبية. فلا يصح، وفقاً لهذا الرأي، تعيين ولي العهد بأقل من هذه الأغلبية، خصوصاً أنها الأغلبية الوحيدة المذكورة صراحة في نص المادة الرابعة. أما الرأي الثاني، فيرى عدم جواز التمسُّك بهذه الأغلبية في الترشيح الثاني، لاحتمالية تشتت الأصوات، وعدم حيازة أي منهم لهذه الأغلبية. وقد جاء الرأي الثالث موفقاً بين الرأيين، ومعلناً وجوب التدرج في تطلب الأغلبية المذكورة في الدستور. فيرى وجوب أن يكون التصويت على المرشحين باشتراط الأغلبية المؤلفة، فإذا لم تتحقق هذه الأغلبية لأي منهم يُصار إلى إعادة التصويت بين الاثنين اللذين حازا أعلى الأصوات في المرة السابقة، وباشتراط الأغلبية المؤلفة كذلك. أما إذا لم يحز أي منهما هذه الأغلبية، فيُصار إلى إعادة التصويت بينهما بتطلب الأغلبية النسبية، أي أن من حصل على أكثر الأصوات يحوز المنصب، وإن لم تكن الأغلبية المؤلفة».
التنظيم الدستوري
وختم د. الحميدة: «يتعيَّن التأكيد على أن تبني أي من هذه الآراء مما يصح القول به، لعدم وجود المرجح بينها في نصوص الدستور ولا في الأعراف الدستورية. أما بحث إجراء التعديل اللازم ليتم سد هذا النقص في التنظيم الدستوري، فيمكن تحقيق ذلك بتعديل المادة الرابعة من الدستور كخيار أول، أو إجراء التعديل على قانون توارث الإمارة كخيار ثانٍ، علماً بأن تعديله يتطلب المرور بذات الإجراءات التي رسمها الدستور لتعديل نصوصه، لأنه قانون أساسي بمرتبة الدستور».
وجاء حديث الفقيه الدستوري رداً على سؤال بشأن إمكانية تعديل الدستور بعد تطبيق لـ 60 عاماً، فهل نحن بحاجة لمراجعة نصوص الدستور ونظامنا الدستوري؟عادل الطبطبائي : المشرِّع الدستوري اعتمد مصطلح «المبايعة» تأكيداً لنهج الشريعة الإسلامية في الدستور الكويتي
أجاب عن هذا السؤال الفقيه الدستوري د. عادل الطبطبائي، قائلاً: «أريد أن أوضح مسألتين، وكلتاهما مرتبطة بالأخرى؛ هناك قاعدة في الفقه الإسلامي تقول إن (النصوص تتناهى والحوادث لا تتناهى)، أي أن المشرِّع عندما يأتي لمعالجة قضية معينة، أحاول أن أضع النصوص التي تعالج كل محاور هذه القضية، وأحلها، وأحاول أن أستشف المستقبل، وأن أرى ما يمكن أن ينتج عن تطبيق هذا القانون، وأن أجد له حلولاً. التشريع والنصوص تتناهى عند حد معيَّن، لكن الأحكام لا تتناهى، هذه قاعدة».
ذرية مبارك
وأضاف الطبطبائي: «القاعدة الثانية، والمهمة برأيي، أن أي مشكلة كُلفة حلها سياسياً واجتماعياً واقتصادياً في الظروف العادية أقل بكثير من حلها عندما تقع، وسأبلغك بشيء، وأرجو ألا يُفهم كلامي خطأ؛ المادة الرابعة من الدستور. من الممكن أن يستغرب الناس من كلامي، بأنني أخوض في هذا الموضوع. هذه المادة تتكلم عن ترشيح ولي العهد، بأن يكون من ذرية مبارك الكبير، وهناك شروط موجودة في المادة، لكن ما يهمني أمر واحد، أن سمو الأمير يرشح أو يزكِّي ولي العهد خلال سنة من توليه الحُكم لمجلس الأمة، الذي يبايعه بأغلبية الأعضاء الذين يتكوَّن منهم المجلس، ولاحظ أن المصطلح الذي اعتمده المشرِّع الدستوري هو يبايع، ولم يقل يُصادق أو يُوافق، وهو مصطلح إسلامي، وهذا للتأكيد على نهج الشريعة الإسلامية في الدستور الكويتي، بتقرير البيعة بالأغلببة التي يتألف منها المجلس، فإن لم يبايعه المجلس رشح الأمير ثلاثة على الأقل من ذرية مبارك الكبير».
صفة دستورية
وتابع د. الطبطبائي: «المادة تقول ثلاثة على الأقل، ومن الممكن أن يرشح الأمير أكثر، ويبايع المجلس أحدهم، ثم يصدر قانون له صفة دستورية، وليس طبيعة دستورية، وهناك فرق شاسع بينهما، كالفرق بين السماء والأرض، والكثير يخطئ، فالأمير يزكِّي أحد الأشخاص من ذرية مبارك، فيبايعه مجلس الأمة بأغلبية الأعضاء، فإن لم يحصل على هذه الأغلبية، زكَّى الأمير ثلاثة لولاية العهد يبايع أحدهم مجلس الأمة، وهو مُجبر على أن يختار أحدهم من الثلاثة أو الأربعة. وهذا النص به مشكلتان ألخصهما بسؤالين؛ الأول الشخص الذي رشحه الأمير أو الذي زكَّاه الأمير أول مرَّة ورفضه المجلس يدخل من بين الثلاثة على الأقل، أو لا يدخل، والنص لا يتحدث عن هذه الفرضية، وممكن أن يكون الرد: لماذا لا يدخل حاله حال غيره؟».
ولفت إلى أن «السؤال الثاني والأخطر؛ إذا تم اختيار واحد من المرشحين، ولم يحصل على الأغلبية المطلوبة، خصوصاً أن أصوات النواب قد تكون توزعت على باقي المرشحين الآخرين، وهو ما يعني أنه لن يحصل أحدهم على الأغلبية المطلوبة، والحل عندما تحدث مثل هذه المشكلة، ونأمل إن شاء الله ألا تحصل في المستقبل، لكنها قد تحصل، ليس أمامك سوى حل واحد، وهو تعديل الدستور، وأي تعديل يحصل في ذلك الوقت سيكون لمصلحة طرف على حساب طرف، وهنا كلفته السياسية والاجتماعية كبيرة جداً، وهي الانشقاق الذي سيحدث في المجتمع والأسرة، ولا يوجد ما يمنعني اليوم أن أناقش تلك المشكلة، وأن أضع لها حلولاً، والوضع هادئ».
مجلس الأمة
وتابع الطبطبائي: «قد يُثار سؤال، بأن هذه المسألة قد لا تحصل في المستقبل، لكن هل توقع أحد أن مجلس الأمة يعفي أمير الكويت والنص موجود؟ لولا هذا النص الذي وضع كان الله أعلم حينها ماذا كان سيحدث، لكن الكل التجأ إلى الشرعية الدستورية، والجميع ذهب إلى أن الدستور هو الحاكم، وهو الذي يحسم هذا الموضوع، وكلنا قبلنا بحُكم الدستور، فدعونا نلجأ إلى حُكم الدستور في الظروف العادية، وليس في الظروف غير العادية، لأن الكلفة ستكون صعبة جداً».
حديث الفقيه الدستوري د. الطبطبائي أحدث ردود فعل واسعة في الوسطين القانوني والسياسي في حينها، نظراً لما يحمله من مكانة علمية ومنصب كمستشار قانوني في الديوان الأميري.
وقام بالتعقيب على حديثه حينها نائب رئيس مجلس الأمة الأسبق العم مشاري العنجري في رده على سؤال طرحته منصة أركان القانونية في يوليو 2020 بشأن رأيه في حديث الفقيه الدستوري د. الطبطبائي بتعديل المادة الرابعة من الدستور، فردَّ قائلاً: «بالكويتي (زهب الدوا قبل الفلعة)، والآن ليس لدينا مشكلة حتى نعدلها، بل تحسباً لمشكلة، وهنا أخلق مشكلة نظرية حتى أعدل مادة، والمادة إذا عدلتها ربما يكون فيها خطأ، وربما يكون فيها مشكلة».مشاري العنجري : في حالة زكَّى سمو الأمير 3 أو أكثر لولاية العهد يصوِّت المجلس على المرشحين فُرادى وفق ترتيب صاحب السمو
مبايعة المجلس
وفي حديثه لمنصة أركان في يوليو 2020، وفي اتصال لاحق مع مجلة ميسان على خلفية حديثه السابق، تحدَّث نائب رئيس مجلس الأمة الأسبق العم مشاري العنجري حول تطبيق المادة الرابعة من الدستور بشأن تعيين ولي العهد، قائلاً: «المادة الرابعة من الدستور تنص على أن صاحب السمو الأمير يزكِّي ولياً للعهد من ذرية مبارك، ومبايعة مجلس الأمة بأغلبية أعضائه خلال سنة من تولية سمو الأمير، وفي حال عدم التعيين على النحو السابق يزكِّي سمو الأمير ثلاثة على الأقل لهذا المنصب، فيبايع المجلس أحدهم ولياً للعهد».
وأوضح العنجري: «لكن الدستور لم يحدد كيفية التصويت على ولاية العهد إذا كان عدد الذين زكَّاهم سمو الأمير ثلاثة أو أكثر، كما لم تحدث سابقة من هذا القبيل».
الأغلبية المطلوبة
وأضاف: «نفترض أن سمو الأمير زكَّى أربعة ليكون أحدهم ولياً للعهد، فالتصويت في هذه الحالة، من وجهة نظري، لا يتم عليهم في وقت واحد، لأنه ربما لا يحصل أي واحد منهم على الأغلبية المطلوبة، فيقع المجلس في مشكلة، وما هو الحل، فالدستور لم يتطرق إلى هذا الأمر أو ينص عليه مثل المادة 92 عند انتخاب رئيس مجلس الأمة أو نائبه إذا لم يحصل على الأغلبية المطلقة في الجولة الأولى، فيُعاد التصويت في جولة ثانية بين الاثنين الحائزين أكثر الأصوات، أو مثل نص المادة 35 من اللائحة الداخلية للمجلس عند انتخاب أمين السر أو مراقب المجلس، حيث يُعاد الانتخاب بين جميع المرشحين إذا لم يحصل أحدهم على الأغلبية المطلقة في الجولة الأولى. كما أن قانون توارث الإمارة لم يتطرق إلى هذا الأمر».
وتابع العنجري: «لذلك، فإن هناك اجتهادات في كيفية علاج هذا الأمر، كالقياس على حُكم المادة 92 من الدستور، كما بينت. وإنني أرى - مجرد رأي- أنه من الأفضل في حالة زكَّى سمو الأمير ثلاثة أو أكثر لولاية العهد أن يصوِّت المجلس على المرشحين فُرادى وفق ترتيب سمو الأمير لهم في كتاب التزكية، واحداً تلو الآخر إلى أن يحصل أي منهم على الأغلبية المطلوبة. فأسماؤهم معروضة على المجلس وفقاً للتسلسل الذي جاء في كتاب التزكية من صاحب سمو الأمير. وتبعدنا هذه الطريقة عن الإحراج الذي يتعرض له المرشحون لولاية العهد إذا ما تم التصويت لهم كمجموعة دفعة واحدة والمحاذير التي تنتج عنها، وكذلك الحرج الذي يقع فيه أعضاء مجلس الأمة على حد سواء».
المحكمة الدستورية
وبيَّن العنجري: «أما إذا حصل، لا سمح الله، خلاف وجدل دستوري وقانوني، فإن المحكمة الدستورية تملك، وفقاً لاختصاصها عند طلب تفسير نص الدستور في هذا الشأن، وضع التفسير المُلزم الذي يُؤخذ به لحل هذا الموضوع».
بدوره، قال الخبير الدستوري وأستاذ القانون العام في كلية الحقوق بجامعة الكويت د. محمد الفيلي إن «موضوع توارث الإمارة من المواضيع التي كان هناك حرص على أن تنظم بقانون كي يصدر عن البرلمان، لذلك أستبعد الرأي المطالب بأن تكون أداة التنظيم مرسوماً أو أمراً أميرياً، وتكشف أعمال لجنة الدستور عن أن عبدالله السالم كان مؤيداً لهذا الرأي، باعتبار أن ولاية العهد أمر خاص بالدولة، وليس أمراً أسرياً. وكان هناك اتفاق على عدد من المسائل أن تورد في صلب النص الدستوري الذي تم التصديق عليه في 11 نوفمبر 1962 على أن توضع بقية التفاصيل في قانون له صفة الدستور يصدر خلال عام.محمد الفيلي : للشعب دور في تعيين ولي العهد بدليل أن الأغلبية التي تم افتراضها إذا لم تتوافر فإن هناك إجراءً بديلاً
مسند الإمارة
وأضاف د. الفيلي: «الأحكام التي تتعلق بتولي ولاية العهد موجودة في الدستور وفي المادة الرابعة ومواد لاحقة، ثم هي موجودة في قانون توارث الإمارة الذي له صفة الدستور. والفكرة في تعيين ولي العهد، أنه لاستقرار النظام يجب أن يكون هناك أمير للبلاد يقوم بمهام الإمارة، وهناك أمير احتياط للبلاد جاهز ليكون أميراً للبلاد في حال خلو مسند الإمارة. والفكرة الأخرى، أن يكون هذا الترتيب محل اختيار مسبق من مجلس الأمة نائباً عن المواطنين، والنص أتى مقرراً بأن مَنْ يقوم بالتزكية هو الأمير، ومَنْ يقوم بإقرار هذه التزكية والتصديق عليها هو مجلس الأمة، وتم استخدام تعبير البيعة، علماً بأننا لسنا في إطار المفهوم التقليدي الذي يشيع استخدامه في أدبيات قانون العام الإسلامي، لأننا لسنا بصدد الأمير، بل بصدد ولي العهد، وهو يلي الإمارة عند خلو المنصب من دون إجراء لاحق يتضمَّن قراراً يصدر عن مجلس الأمة. نعم هناك قَسم، لكن القَسم مرتبط بأداء الصلاحيات، وليس له علاقة بقرار يصدر من أي طرف، والأمر يكون قد تم. واختيار ولي العهد وفق الفرض الأول هو ترشيح من الأمير، وتصديق من المجلس باسم بيعة، ويجب أن يتم ذلك خلال عام. إذا أمكن أن يتم خلال شهر أو شهرين، وأكثر أو أقل، لكن الفكرة يجب ألا يتجاوز تعيين ولي العهد العام».
تولي الإمارة
وأوضح: «بما أننا أمام إجراء ليس شكلياً، بل أمام تصديق للتزكية، فإذاً من الممكن ومن المتصور أن تكون هناك فرضيات ألا يكون الحصول على الأغلبية المطلوبة متحققة، وهي أغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، علماً بأن الوزراء أعضاء في مجلس الأمة، ولم يرد نص خاص يقرر منعهم من المشاركة في التصويت. فإذا كان العدد الكُلي لأعضاء مجلس الأمة هو 65، فاذاً يجب أن يحصل المزكَّى على موافقة 33 عضواً، وإذا لم تتوافر الأغلبية لمن تم ترشيحه، فهنا النص يحيلنا إلى حل احتياطي، وهذا الحل مُستوحى مما حدث في 1921، وبما هو مثبت بتلك الوثيقة آنذاك، عندما قام الأهالي بترشيح ثلاثة لتولي الإمارة، لأنه لم يكن هناك ولي عهد معلن، وأن الأسرة اختارت واحداً من المرشحين الثلاثة، وأتت ذات المادة وأخذت ذات الحل مع قلب مفردات الحالة، فجعلت الترشيح من الأمير، والتصديق من ممثلي الشعب، فإن لم تتوافر هذه الأغلبية، فالأمير يرشح ثلاثة على الأقل».
عثمان عبدالملك
وقال الفيلي: «تأتي هنا أسئلة لا يوجد لها حُكم واضح في النص، وبالتالي تفتح الباب للاجتهاد، فمثلاً: هل يجوز أن يكون مَنْ تمت تزكيته لأول مرة ضمن الثلاثة؟ وهناك رأي في الفقه قال إن النص لم يرد به تقييد، وإذا لم يرد به تقييد فذلك جائز، وهناك رأي آخر للدكتور عثمان عبدالملك، رحمه الله، وهو يقول: إذا كان المرشحون ثلاثة، والنص يقول المجلس يختار من الثلاثة على الأقل، فوضع المرشح الأول سوف يكسر مقام العدد، ولن نكون أمام ثلاثة. إذن يجب ألا يكون مَنْ لم يحصل على الأغلبية ضمن الثلاثة، وطبعاً إذا لم يكونوا ثلاثة، لأنه يمكن ترشيح أكثر من ثلاثة، فهنا سوف يزول أساس اعتراض أستاذنا، رحمه الله».
وتابع: «بعد ذلك نذهب إلى فكرة الأغلبية، فهل ننزل الأغلبية المطلوبة؟ وهي أغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، ونعلم أنها هنا، عقلاً، يصعب توافرها، أم نقول يعتبر مزكى أو مبايعاً مَنْ حصل على أعلى نسبة؟ وأيضاً هنا نجد باباً للاجتهاد. فيجب أن يصدر قرار في الموضوع لحسمه، فمن الخطر تعليقه من جهة، وأن يكون القرار مُتسقاً مع الحُكم الوارد في النص من جهة أخرى. وهناك رأي قال إن الحل باختيار مَنْ حصل على أعلى نسبة أصوات، حتى نحسم الأمور. ورأي آخر، وهو اجتهاد لأستاذنا د. عثمان عبدالملك، وأنا أؤيده، قال قبل ذلك نعيد التصويت بين أول اثنين، فإن حصل أحدهما على الأغلبية المطلوبة تحقق الاختيار، وإلا أخذنا بأعلى نسبة من الأصوات، وهذا الاجتهاد يوفق بين الاعتبارين في اتخاذ القرار مع الحرص على تطبيق حرف النص كما ورد في الفرض الأول».المستشار الطبطبائي طالب قبل 3 أعوام بتعديل المادة الرابعة
ولفت إلى أن «هناك اجتهاداً منسوباً للأستاذ مشاري العنجري في وقت سابق، قال: لا يتقدم الثلاثة معاً، حتى نضمن الحصول على الأغلبية الموصوفة، وهي أغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، وشخصياً لا أميل إلى هذا الرأي، لأن الأصل التاريخي للنص كان تقديم مجموعة، وظاهر النص أيضاً يتم تقديم مجموعة، وليس على التوالي، وعلى كل حال هو اجتهاد في مسألة تحتمل الاجتهاد».العنجري : في حالة حدوث خلاف وجدل فإن للمحكمة الدستورية حق التفسير
دور الشعب
وتابع الفيلي: «نخلص إلى أننا أمام مسألة تم الحرص على أن تكون بقانون، حتى يشارك بها الشعب، لأنها ليست مسألة خاصة بأسرة، بل خاصة بدولة، وأن الشعب له دور، بدليل أن الأغلبية التي تم افتراضها إن لم تتوافر، فإن هناك إجراءً بديلاً، والسوابق التي تمت كُلها كانت بالموافقة بالإجماع على تزكية الأمير، وحتى ما يتعلق بتصويت الوزراء على التزكية ومدى مشاركتهم، فالسوابق جميعها انتهت إلى وجود إجماع، وفي الإجماع يعني أن الوزراء شاركوا في التصويت على التزكية».
اعتراض الأمير
وذكر الفيلي أن النص لا يشترط أغلبية الثلثين، بل الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، وبالفعل هذه المسألة تستحق الانتباه، بأن الدستور في مسألة اختيار ولي العهد لم يأخذ بأعلى أغلبية، بل أخذ بأغلبية موصوفة، وهي أغلبية خاصة بالأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، لكنه لم يأخذ بأغلبية الثلثين، وهي أغلبية استخدمها في مواضع يراها تحتاج إلى هذه الأغلبية، كتجاوز اعتراض الأمير على قانون في دور الانعقاد وتعديل الدستور وتنحية الأمير.
الحميدة: لتتحقق البيعة لابد من موافقة أغلبية المجلس على التزكية
قال أستاذ القانون الدستوري والقانون العام في كلية الحقوق بجامعة الكويت د. خليفة الحميدة: «الدستور الكويتي جاء ليضع قواعد النظام الدستوري للكويت، حيث استغرق المجلس التأسيسي قُرابة العام في كتابته. وقد كانت السمة البارزة في كتابة هذا الدستور تتمحور في رسم نظام سلس في الصياغة سهل في التطبيق، ليحقق أهم متطلبات الدول المعاصرة، أي الاستقرار السياسي. ولاشك في أن من بين العناصر الأساسية في مرتكزات أي دستور تتجسَّد في تبني إجراءات واضحة ويسيره في اختيار الحاكم أو مَنْ يخلفه. وإذا رجعنا إلى الدستور الكويتي، فقد أفرد المادة الرابعة منه لبيان التنظيم الدستوري لاختيار سمو الأمير».
بيعة المجلس
وأضاف د. الحميدة: «في إعمال نص المادة المذكورة من الدستور يتضح أن الإجراء الطبيعي في اختيار الأمير يكون باختيار سمو ولي العهد، بعد أن أصبح الأخير أميراً جديداً. فوفقاً لهذه المادة يختار سمو الأمير أحداً ممن توافرت فيه الشروط، فيزكيه إلى مجلس الأمة بأمر أميري لمنصب ولي العهد، وفي جلسة خاصة يصوِّت مجلس الأمة على هذه التزكية. وحتى تتحقق بيعة مجلس الأمة للمرشح لمنصب ولي العهد لابد أن توافق الأغلبية المؤلفة للمجلس على هذه التزكية، وهي أغلبية خاصة تتجاوز أغلبية الأعضاء الحضور. وحرصاً من واضعي الدستور على سلاسة الاختيار، فقد رسموا إجراءات تعيين ولي العهد بصورة واضحة وصريحة، درءاً لأي غموض».
المجلس التأسيسي
وذكر د. الحميدة: «في سعيه لاستكمال بيان هذه الإجراءات أسهب المجلس التأسيسي في صياغة المادة الرابعة من الدستور باستباق تحقق حالة قد تثير الجدل، ومسارعاً في ذلك إلى تبني حل لها. وهذه الحالة تقوم على الفرضية، التي تتمثل في عدم تحقق الأغلبية المطلوبة لنيل المرشح لمنصب ولي العهد، وهي الأغلبية المؤلفة للمجلس. ففي مثل هذه الفرضية، ووفق المادة الرابعة من الدستور، يسارع سمو الأمير إلى ترشيح ثلاثة على الأقل ممن توافرت فيهم الشروط لنيل هذا المنصب. ويتوجب عندئذ على مجلس الأمة أن يختار أحد هؤلاء ليصبح ولي العهد الجديد».
ترشيح
ولفت د. الحميدة إلى أنه رغم الإشادة بما استحدثه واضعو الدستور من فرضية، وبما رسموه من حلٍ لها، بغية إغلاق أي باب للتأويل وإبعاد أي احتمال للغموض، فإن ما أوجدته المادة المذكورة من حلٍ لتلك الفرضية أثار بدوره الجدل بما ترتب عليه من نتائج. وجاءت هذه الفرضية وهذا الحل فيما تضمنته المادة الرابعة من الدستور في فقرتها الثالثة، بقولها: «... وفي حالة عدم التعيين على النحو السابق يزكِّي الأمير لولاية العهد ثلاثة على الأقل من الذرية المذكورة، فيبايع المجلس أحدهم ولياً للعهد...». أما ما نتج عن هذا الحل من نتائج، فتتحصل في سؤالين؛ الأول: هل يصح أن يكون مَنْ سبق أن تمت تزكيته لوحده ولم يحز الأغلبية المؤلفة من بين الثلاثة على الأقل الذين سيزكيهم سمو الأمير في المرة الثانية؟ والسؤال الثاني فيما إذا كان شرط الأغلبية المؤلفة مستمراً ليكون أي من المرشحين الثلاثة على الأقل ولياً للعهد.
المذكرة التفسيرية
قال د. الحميدة: «قبل محاولة الإجابة عن هذين التساؤلين ينبغي التأكيد على عدم وجود إجابة عنهما، لا في نصوص الدستور، ولا في المذكرة التفسيرية. وبالتالي لا يعدو بحث الإجابة عنهما سوى اجتهاد يحتمل الآراء المختلفة.
أما إجابة السؤال الأول، فيمكن القول بوجود رأيين فيه، أحدهما يقرر جواز أن يشمل الثلاثة المرشحين على الأقل؛ الأول الذي سبق أن تم ترشيحه منفرداً. وحجة هذا الرأي هو عدم وجود نص يمنع ذلك، لا صراحةً ولا ضمناً. بينما يقرر الرأي الثاني بعدم جواز ذلك، ومستنداً في ذلك إلى ما تسنى للمرشح الأول والوحيد من فرصة لنيل هذا المنصب دون منافس. فوجوده في الترشيح الثاني يجعل منه متميزاً على المرشحين الباقين، بدخوله للترشيح في هذا المنصب مرتين.
وتابع: «أما السؤال الثاني، والذي يتمحور حول مدى وجوب الالتزام باشتراط الأغلبية المؤلفة في الترشيح الثاني لولي العهد، فقد وجد في الإجابة عنه ثلاثة آراء؛ الأول يرى بوجوب التمسك بهذه الأغلبية لدواعي العدالة. فالأول الذي تمت تزكيته منفرداً لم يتولَّ منصب ولي العهد لعدم حصوله على هذه الأغلبية. فلا يصح، وفقاً لهذا الرأي، تعيين ولي العهد بأقل من هذه الأغلبية، خصوصاً أنها الأغلبية الوحيدة المذكورة صراحة في نص المادة الرابعة. أما الرأي الثاني، فيرى عدم جواز التمسُّك بهذه الأغلبية في الترشيح الثاني، لاحتمالية تشتت الأصوات، وعدم حيازة أي منهم لهذه الأغلبية. وقد جاء الرأي الثالث موفقاً بين الرأيين، ومعلناً وجوب التدرج في تطلب الأغلبية المذكورة في الدستور. فيرى وجوب أن يكون التصويت على المرشحين باشتراط الأغلبية المؤلفة، فإذا لم تتحقق هذه الأغلبية لأي منهم يُصار إلى إعادة التصويت بين الاثنين اللذين حازا أعلى الأصوات في المرة السابقة، وباشتراط الأغلبية المؤلفة كذلك. أما إذا لم يحز أي منهما هذه الأغلبية، فيُصار إلى إعادة التصويت بينهما بتطلب الأغلبية النسبية، أي أن من حصل على أكثر الأصوات يحوز المنصب، وإن لم تكن الأغلبية المؤلفة».
التنظيم الدستوري
وختم د. الحميدة: «يتعيَّن التأكيد على أن تبني أي من هذه الآراء مما يصح القول به، لعدم وجود المرجح بينها في نصوص الدستور ولا في الأعراف الدستورية. أما بحث إجراء التعديل اللازم ليتم سد هذا النقص في التنظيم الدستوري، فيمكن تحقيق ذلك بتعديل المادة الرابعة من الدستور كخيار أول، أو إجراء التعديل على قانون توارث الإمارة كخيار ثانٍ، علماً بأن تعديله يتطلب المرور بذات الإجراءات التي رسمها الدستور لتعديل نصوصه، لأنه قانون أساسي بمرتبة الدستور».