من صيد الخاطر: «من منا بلا عيوب؟»
يحكى أن ملكا كان أعرج وأعور، فأراد يوما أن تُرسم له صورة شخصية لا تظهر فيها عيوبه التي خلقها الله عليها، فدعا رسامي مملكته ليرسموا له ما أراد، إلا أنهم ترددوا في ذلك، فمن منهم سيتجرأ ليرسم ملكهم بعينين وهو لا يملك إلا عيناً واحدة؟ وبرجلين سليمتين وهو لا يملك إلا رجلا سليمة واحدة؟
إلا أن رساما نبيها ومبدعا، يملك حساً إنسانيا، تقدم تلبية لطلب ملكه وسط ذلك الإحجام، فقد تفتق ذهنه عن فكرة جميلة تغلّب فيها على أسباب تنصل الجميع من رسم ملكهم، فقام برسمه وهو مصوب بندقيته نحو طريدة مُغمضٌ عينه العوراء وجالس ومتكئ على رجله العرجاء، وهكذا وبحركة لطيفة، وحتى منطقية، تغلب على عيوب ملكه برسم صورته وكأنه بلا عيوب.
الرسام ستر عيوب ملكه، وأظهر الجانب الجميل فيه، ورسم له صورة حسنة أمام الآخرين، ولم يكن ذلك شاقا عليه، فمهما كانت عيوب الآخرين واضحة وبينة فمن الإنسانية أن نحاول أن نجد لها جانبا جماليا تجبر بخاطر صاحب تلك العيوب، وأن نستر عليها ونتغاضى عنها ولا نذكرها، وقد قال الامام الشافعي، رحمه الله، في ذلك:
إذا رمت أن تحيا سليماً من الردى
ودينك موفور وعِرْضُكَ صَيِّن
لسانك لا تذكر به عورة امرئ
فكلك عورات وللناس ألسن
وعيناك إن أبدت إليك معايبا
فدعها وقل يا عين للناس أعين
وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى
ودافع ولكن بالتي هي أحسن
وقيل: «لا يذكر الناس فيما يكرهون إلا سفلة لا دين لهم»، وإذا رأيتم الرجل موكّلا بعيوب الناس، ناسيا عيوبه، فاعلموا أنه قد مُكِرَ به، فالبعض، ولنقص بهم، يتوصلون إلى عيوب غيرهم رغم خفائها، وينسون عيوب أنفسهم مع ظهورها، ومن منّا بلا عيوب؟
ملحوظة: الحكاية منقولة بتصرف.