انتهى السِّرك وفار التنور
عندما أعطت السلطتان التشريعية والتنفيذية ظهريهما لأولويات المواطنين وانغمتسا في المزايدات الانتهازية الاسترضائية المحدودة الفائدة، مثل رفع رواتب المتقاعدين والمطالبة بالزيادات المالية للرواتب لكل المواطنين لمواجهة غلاء المعيشة في ظل عجز مالي حقيقي، واستهلاك وقت مجلس الأمة في مطالبات بعيدة عن الهم الشعبي وتدخل فقط في تحقيق مكاسب انتخابية أو لرفع العتب، كانت تدفع المياه في اتجاه طاحونة بقاء كراسي المجلس، وبهذا يصبح هذا المجلس استنساخا للمجالس العقيمة السابقة.
وقد ذكرت في مقال سابق ناصحاً «لا تصارعوا طواحين دونكيشوت، بل انغرسوا في ساحة المطالبة بتحرير الأراضي وتعديل التركيبة السكانية، والخصخصة الرشيدة التي تحقق وفورات ربما تصل 9 مليارات، وتكويت الوظائف وفرض الضرائب التصاعدية، والتوزيع النقدي للدعوم، وتوزيع صافي أرباح الصناديق السيادية، وإعادة القسائم الصناعية والخدمية والحرفية وإيراداتها للدولة، وكفوا عن المحاور العقيمة والمطالبات المستحيلة، فإنكم توفرون بذلك كل المبررات لحل المجلس، وكأنه هدفكم الأسمى، وإذا تم ذلك فستحصدون في الانتخابات المقبلة المر». (راجع مقالنا في الجريدة 2021/1/15).
الفارق اليوم أنه لا يوجد خصوم يعملون على إنهاك مجلس الأمة ولا إطفاء فاعليته بل على العكس القيادة اليوم ومنذ أن تم تفوض سمو الشيخ مشعل، حفظه الله ورعاه، من المغفور له بإذن الله الشيخ نواف الأحمد قدم الدعم لترشيد العملية الانتخابية وضمان حيدتها بإيقاف تدخل الحكومة في العملية الانتخابية، وعدم التدخل في انتخاب رئيس مجلس الأمة ولجان المجلس، ولا ننسى نداءه قبل الانتخابات الأخيرة للناخبين بحسن اختيار أعضاء مجلس الأمة، وحث المرشحين على عدم إثارة المطالب الشعبوية التي ترهق الخزينة العامة في ظل العجز المالي، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى وفر سموه للحكومة الدعم والتوجيه للشروع في الإنجاز الذي يحقق للشعب مطالبه وللمجتمع كل أشكال التطوير والقضاء على مشكلاته وبناء التنمية على أمتن قواعد التطوير وسرعة الإنجاز.
فلا المجلس أدى دوره، ولا الحكومة انخرطت في دورة الإنجاز الفعلي التي نشهد تمظهراتها في المملكة العربية السعودية، وقطر، والإمارات العربية المتحدة والتي تنجز المشاريع في بضعة شهور لا عشرات السنوات!!
نعم لقد تراكم هذا العجز والتردد الحكومي وبلغ درجة فار عندها تنُّور غضب القيادة السياسية، خصوصا بعد ذلك التواطؤ بين فئة من أعضاء البرلمان والحكومة التي سعت لتلافي حجب الثقة وإضعاف الاستجواب الأخير، وذلك باستخدام العفو شبه المطلق واستخدام التوظيف والنقل والندب والمطالبة المكثفة بزيادة رواتب موظفي الدولة.
وقد أوقفت القيادة كل عملية التوظيف والنقل والندب ثلاثة أشهر، وتم التعبير والتأشير في آخر خطاب لسمو أمير البلاد، حفظه الله ورعاه، إلى الاستياء من هذا التصرف من السلطتين ومن هذا التواطؤ الذي يُضر بمصلحة البلاد والعباد.
أخيراً ما المطلوب؟
المطلوب كما أوضحنا في المقال السابق تفعيل المادة (98) من الدستور بتقديم الوزارة برنامج عملها فور تشكيلها للمجلس، وقد فصلنا القول في الشروط والإجراءات التي تحقق هذا التقديم الفوري لبرنامج العمل الحكومي، الذي يكون ثمرة هبة واعية ومسؤولة من ذوي الضمير الحي من منظمات المجتمع المدني والنُشطاء ذوي القدرة على إبداع المشروعات.
عندها لن يكون هناك متسع لترف الصراعات الصغيرة، بل لا مكان لأي مناورة أو تحركات انتهازية بالغاً ما بلغت درجتها لأن المجتمع سيتحول إلى ورشة عمل، وكما قلنا سابقاً في ظل ضجيج ورش العمل لن تسمع صوت السياسة وتُرَّهاتها الجوفاء، وسيفارقنا كل حواة السِّرك الانتخابي الذين عرف الجميع أسرار ألاعيبهم وشعوذاتهم المبتذلة، فلم تعُد لها أدنى إثارة أو تأثير.