لن تنهزم إسرائيل من الخارج، ومن الوهم أن نتوقع أن يحدث ذلك عسكريا مباشرا، لكن الانهيار والهزيمة الحقيقية ستأتي من الداخل، وليس على خلفية أحداث غزة بل ستكون النقطة التي تفيض على الكأس الملأى أساسا بالذنوب والغضب المدفون داخل المجتمعات اليهودية داخل إسرائيل خاصة وخارجها عامة، ومنهم أصحاب مصالح وشركات عابرة للقارات والأمم.
إن الصراعات الداخلية التي تصاعدت حدتها الآن بين أصحاب المشروع الصهيوني بأنواعهم وبين يهود متدينين وعلمانيين والذين بدأوا يعتبرون أن إسرائيل كما هي الآن أصبحت عبئا ثقيلا ماديا ومعنويا (وأخلاقيا)، إذ جعلت الرأي العام (خاصة في أوروبا وأميركا) ينظر إلى اليهود بأنهم ظالمون لا تلك الفئة المظلومة تاريخيا.
اليهود من الخارج والداخل أصبحوا يتساءلون: كيف أنه وبعد 80 سنة من الدعم السخي لهذا المشروع المسمى إسرائيل لا تستطيع هذه «الدولة» أن تحل مشاكلها وتعالج قضاياها الوجودية، ولا أن تلغي الوجود الفلسطيني المقاوم؟
لقد وعد المؤسسون الأوائل لإسرائيل (بن غوريون وغولدا مائير) أن الزمن سيحل المشكلة الفلسطينية،
وسيموت الجيل الأول وينسى الجيل الثاني الذي سيصبح أبناؤه سوريين ولبنانيين وأردنيين وعربا آخرين وأوروبيين وأميركيين بالتجنس، لكن هذا لم يحدث، فحتى الجيل الثالث أصبح أكثر تصميما على المقاومة ممن سبقوه!!
وحتى «التفوق العسكري» المبهر لإسرائيل وانتصارها على أقوى الدول العربية من جهة وإقامة اتفاقيات سلام مع دول مهمة عربية لم يحقق السلام الذي تريده إسرائيل، وحماتها في الغرب، والسبب الأساسي أن إسرائيل نفسها لا تريد أو لا تستطيع أن تتغير لأنها إن تغيرت ربما أو على الأغلب ستخسر نفسها وصفتها كدولة صهيونية عنصرية، وهي أصلا قامت- فعليا وضمنيا- على هذا الأساس.
إن استمرار الأزمات والحروب والتوتر التي تعيشها إسرائيل يحمل إرهاقا بشريا وماليا بهذا الشكل والوتيرة أصبح- عند اليهود وأصدقائهم ومموليهم وخصوصاً المفكرين البراغماتيين- موضع شك في مدى صلاحية المشروع، كي لا نتحدث عن العبء الذي بدأ العالم يتذمر منه بسبب سياسة الغطرسة والتطرف المستمرة، والذي جعل «التعاطف التاريخي» مع اليهود يتآكل ويضمحل!
وأصبح السؤال المنطقي: هل إسرائيل بشكلها ونظامها الحالي تشكل النموذج المطلوب لشعب الله المختار أم أن بقاء اليهود في الشتات أفضل لهم ولاستمرار وجودهم كشعب محدود لا يزيد تعداده على عشرين مليون نسمة فقط؟
ربما سينقرضون بالتدريج إذا استمرت إسرائيل الحالية بممارسة «نحر الذات» ونحر الفلسطينيين، وهؤلاء ليس لهم شيء يخسرونه أكثر مما خسروا، لكن إسرائيل لا تتحمل الخسارة البشرية كما هو الآن.
* دبلوماسي ومحلل سياسي