عالم بلا أطفال
تخيلوا معي عالماً بلا أطفال! بل تخيلوا معي عالماً يفوق فيه عدد كهوله وعجائزه أطفاله! هذا هو العالم الذي نتجه إليه بالفعل حالياً.
يتناول الخبير الإحصائي «ستيفين شاو» هذا الموضوع في سلسلة أفلامه الوثائقية (Birth Gap) أي فجوة المواليد، حيث تُخلق هذه الفجوة عندما يقل معدل الإنجاب عن طفلين لكل امرأة، مما يقلب هرم التركيبة السكانية. قد يظن البعض أن هذه الظاهرة تقتصر على بعض الدول الأوروبية أو اليابان، ولكن الموضوع يتعدى ذلك بكثير، فوفقاً لدراسات «شاو» فإن أغلب الأقاليم تعاني انحدار معدل المواليد، بما في ذلك روسيا والهند وكوريا الجنوبية والبرازيل وإسبانيا، باستثناء جنوب إفريقيا، وفي حين كانت هنالك جهود من بعض الدول لتشجيع الإنجاب، كالتسهيلات التي وفرتها هنغاريا، أو فيزا «الزواج» للقادمين إلى اليابان، فإن تأثيرها الإيجابي يبقى محدوداً.
ما تبعات نقص عدد المواليد؟ ولِم نأخذ الموضوع بهذه الجدية؟
قد يقول قائل إن تقليل عدد السكان بات ضرورة تحت ظل الانفجار السكاني في العقود الماضية وتبعاته البيئية، وبفضل التكنولوجيا الطبية الحديثة فإن معدل عمر الإنسان الافتراضي أصبح طويلاً بعد أن كان 32 عاماً فقط في 1900 إلى 71 عاماً في عام 2021 (https://ourworldindata.org/). إذاً، فلن نشعر بتقلص عدد السكان فجأةً، بل سنبدأ بملاحظة «ندرة» الأطفال أولاً في بعض الدول، ثم سننتبه إلى قلة العمالة الشابة التي يقوم الاقتصاد بأكمله على أكتافها، وزيادة الحِمل على كواهل الشباب حيث قد يكون الشاب المعيل الوحيد لوالديه المسنين دون أي مساعدة، أما السيناريو الأكثر ظلاماً فهو أولئك المسنون الذين لم تتسنّ لهم فرصة تكوين عائلة حتى، فيجدون أنفسهم وحيدين في مواجهة الحياة بصحة متناقصة وأموال شحيحة، وهي الأزمة التي يتوقعها «شاو» لأبناء جيلنا الحالي.
ماذا عن ميكنة الوظائف ورقمنتها؟ قد يحل ذلك جزءاً من مشكلة نقص العمالة، ولكن التحول الرقمي لن يتم بالسرعة والتطور الكافيين ليغنيانا عن العمالة البشرية. إذاً فقد يعني ذلك اضطرار الكثير من كبار السن للعمل مدى الحياة، ولا عجب إذاً أن نجد كل ذلك التركيز على تكنولوجيا الصحة والجمال، فقد يدرك الكثيرون أن شبح الوحدة والشيخوخة قد يلازمهم في السنوات القادمة.
نأتي الآن إلى السؤال الأهم: ما سبب نقص معدل الإنجاب أساساً؟ هنالك عدة أسباب تناولها الباحث وأضيف لها من ملاحظاتي الشخصية، فتقديم المرأة للعمل على الإنجاب كثيراً ما يستنزف جل سنوات حياتها الخصبة، فتجد نفسها بعمر حرج بلا أطفال وذلك بسبب تأجيل الموضوع، لا سيما تحت ظل الثقافة الفردانية التي تضع المتعة اللحظية فوق أي اعتبار، مما يدفع الكثيرين إلى العزوف عن الزواج، أضف إلى ذلك غلاء المعيشة والفئة المتزايدة من الأشخاص الذين لا يودون الإنجاب أساساً، ناهيك عن انخفاض معدلات الخصوبة بسبب كثرة الملوثات، ووجود العائق الاجتماعي في الكويت مثلاً حيث تضع العوائل شروطاً شبه تعجيزية للزواج.
يطرح الفيلم الوثائقي مشكلة طارئة لا ندري إن كنا قادرين على تداركها، لكنه موضوع يستحق الاهتمام، سواء من الجانب الشخصي أو على صعيد الأنظمة والتشريعات الدولية.